#جريدة_الآن محمد السبتي: الأحداث حولنا في العالم العربي سريعة جداً وخطيرة والأداء الكلاسيكي للحكومات لا يناسب سرعتها وخطورتها!
زاوية الكتابكتب محمد السبتي سبتمبر 22, 2019, 11:29 م 812 مشاهدات 0
الراي
ما زالت حكومات المنطقة عموما تنتهج نهج الأداء الكلاسيكي القديم، الذي يتسم بالبطء وثقل الحركة على عادة كبار الشخصيات في التحرك، كما أنه يتسم بالتكتم الشديد على اعتبار أن هذه المعلومات هي المتاح نشرها للعامة، ويبقى للخاصة بواطن وأسرار الأمور، ويأخذ هذا النهج الكلاسيكي منوال: صرح مصدر مسؤول بعبارات فضفاضة ديبلوماسية لا يستطيع السامع أن يفهم منها حقيقة الواقع.
هذا الأداء الكلاسيكي أبداً لم يعد صالحاً لا لطريقة صناعة الخبر حولنا وديناميكية انتقاله وتحليله، ولا لخطورة وسرعة الأحداث حولنا، والتي أصبح ينسي بعضها بعضاً من كثرتها وتسارعها.
أهمية حسن الأداء الإعلامي اليوم - لأي حكومة أو دولة - لا يقل أهمية أبداً عن حسن أداء وزارات الدفاع في الحفاظ على أمن الدول بل قد يكون أهم أحياناً، نحن وغيرنا نشتري الدبابات والصواريخ، وقد لا نستخدمها أبداً وإن كنا نحتاج لها للردع، إلا أن جهازاً اعلامياً ناجحاً، قد يؤدي اليوم ما لا تؤديه الدبابة أو الطائرة في الدفاع عن موقف الدولة وصد الهجوم الإعلامي عليها.
إذا لم تأخذ الحكومات وأجهزتها الإعلامية والخارجية بزمام الأمور، في التوجيه وفي نقل حقيقة الخبر وتحليله وفي ملاحقة تطوراته وشرح أبعاده... إذا لم تفعل هذا فستترك هذا الزمام والقيادة لغيرها، هذا الغير سيكون هو المؤثر الأول والقائد للرأي العام، وعادة ما يكون هذا الغير مبعثراً غير دقيق إن لم يكن بعضه كاذباً أو معادياً.
الحقيقة أن صانع الرأي العام اليوم هو غير الأجهزة الرسمية غالباً، فقد سُحب البساط من تحت قدميها لمصلحة وسائل اخرى، هي أكثر من ذرات الرمل في هذا الكون الفسيح وأكثر فوضوية منه أيضاً!
تعالوا نضرب مثالاً على أحداث وقعت خلال الفترة الأخيرة في اقليمنا وخاصة في قضايانا، وكيف تعامل معها هذا الأداء الكلاسيكي، كيف لحكومات المنطقة بهذا الأداء الكلاسيكي أن تقنع الطبقة السياسية المتابعة على الأقل فضلاً عن بقية المهتمين من المجتمع أننا في دولنا أنفقنا خلال سنوات عدة مئات المليارات من أجل شراء السلاح ومنظومات الدفاع، ومن أجل الاتفاقيات الأمنية مع القوى العالمية، وعجزت كل هذه المنظومات الدفاعية عن مواجهة طائرات مسيرة أضرت بنا وباستطاعتها فعل الأكثر! بينما هناك ثلاث دول في المنطقة نجحت في تصنيع هذه الطائرات الرخيصة وليست بأكثر منا تطوراً! كيف استطاعت إيران الاستمرار في احتجاز الباخرة البريطانية إلى الآن، ونجحت في الإفلات بباخرتها المحتجزة!
كيف ينجح حزب الله في إسقاط طائرات إسرائيلية مسيرة حسب إعلانه وحسب صمت الجانب الإسرائيلي عن ماهية أهداف هذه الطائرات ومآل مهماتها، وكيف فشلت منظوماتنا الدفاعية عن ذلك! إن كنا نعتقد بوجود حرب إعلامية موازية للتشنج العسكري بين محورين في المنطقة، إذا كيف تغلق قناة تلفزيونية في دولة مثل لبنان - وهي أرض لمثل هذه المواجهات الإعلامية على الأقل، وهي تمثل محور دولنا ولو من باب الشكل العام - بينما تظل قنوات المحور الآخر تعمل وبكل مكان وبكل طاقاتها! كيف يستطيع هذا الأداء الكلاسيكي أن يقنع النخب السياسية عن سبب نجاح إيران بدعم روسي في حسم الملف السوري، وفشلنا في حسم الملف اليمني رغم الدعم الأميركي!
قد يكون لكل تلك التساؤلات أجوبة سياسية وعملية ومنطقية تراعي مصالح دولنا، وتعمل وفقاً لاستراتيجيات عميقة إلا أن هذا لا يكفي، ما لم تدافع تلك الحكومات عن مواقفها بطريقة تصل فيها للتأثير بالرأي العام وتجاري تطورات الخطاب الإعلامي، فإنها ستبقى رهينة اجتهادات سياسية من هنا وهناك، يعلو عليها صوت المحور الآخر بكثرته وتضليله.
الأحداث حولنا في العالم العربي سريعة جداً وخطيرة، والأداء الكلاسيكي لا يناسب سرعتها وخطورتها!
تعليقات