#جريدة_الآن غانم النجار: أوهام الحسابات وحسابات الأوهام
زاوية الكتابغانم النجار سبتمبر 10, 2019, 10:04 م 592 مشاهدات 0
الحديث عن الحسابات الوهمية هو حديث لا معنى له، فالحسابات الوهمية هي التي تكون غير فاعلة، أما المقصود فهو الحسابات المسيئة.
وهناك خلل فاضح بالمصطلحات، فالمقصود هو التصدي لتلك الحسابات المسيئة، التي تستخدم أسماء مستعارة، وتسيء للناس ببثّ الأكاذيب ضد أشخاص أو مؤسسات، أي أنها تخفي اسم صاحبها الحقيقي، لسبب أو لآخر.
ضبط المصطلحات مهم جداً، لأنه إن جاء الوصف بالقانون بمصطلح حساب وهمي، فذلك سيقضي على أي معنى.
بطبيعة الحال، تدرك السلطة جيداً أن هناك حسابات تدور في فلكها، وهناك حسابات تدور في فلك شخصيات نافذة، فهل ستتم محاسبتها أيضاً؟
عندما تم تعليق الدستور في مثل هذه الأيام من صيف ١٩٧٦، أي قبل ٤٣ سنة، وقبل أن يدخل الإنترنت حياتنا، وتكون هناك حسابات وهمية أو فعلية، تم أيضاً تعديل قانون المطبوعات بإضافة المادة ٣٥ مكرراً، لتعطيل الصحف إدارياً، أي بقرار من وزارة الإعلام، وليس المحكمة. كانت أولى الضحايا جريدة الوطن اليومية وشقيقتها الهدف الأسبوعية، حيث كنّا نعمل حينها، لنشرها فقرات منقولة حرفياً من كتاب النظام الدستوري في الكويت، المطبوع بجامعة الكويت، عن أزمة المادة ١٣١ من الدستور سنة ١٩٦٤. فلم يكن في المسألة فتنة نتجنبها، أو تهديد للاستقرار، بل سرد واقعة أزمة دستورية سياسية.
بعد عشر سنوات، أي في صيف ١٩٨٦، وقبل ٣٣ سنة، وقبل أن نسمع بالإنترنت، اتخذت السلطة إجراء مشابهاً، فعلّقت الدستور دون زمن محدد، بما يوحي باللاعودة، لكنّها أضافت بنداً يسمح للحكومة بالرقابة المسبقة، حيث صار الرقيب مقيماً في الصحيفة، يحدد ما ينشر وما لا ينشر، وتراجعت أهمية رئيس التحرير.
ولأن البلاد لم يسبق لها التعامل مع الأحداث بمواقف مسبقة، كالبلاد الحزبية المركزية، تحول "الممنوع من النشر" إلى سلّة من التناقضات وحماية مسؤول هنا أو مسؤول هناك، وتأثير سلبي جداً على السياسة الخارجية أثرت حتى على مواقف بعض الدول تجاه الكويت وقت الغزو.
كان من ضمن الممنوعات مثلاً كلمة ديمقراطية ومجلس أمة، وكان ممنوعاً، وبالذات في الأيام الأولى، نشر صور أعراس يكون فيها عضو مجلس أمة، حتى لو كان ذلك العضو من جماعة الحكومة.
استمرت هذه الحالة إلى أن تم رفعها بعد التحرير، في ديسمبر ١٩٩١، وكذلك تم إيقاف صدور الجريدتين الحكوميتين، صوت الكويت والفجر الجديد.
لماذا أقول ذلك؟ ولماذا نسرد هذا السرد؟ ذلك فقط للتدليل على أن الترابط بين ذهنية تقييد حرية التعبير، والسيطرة على اتخاذ القرار، وإلغاء المشاركة السياسية هو ترابط عضوي. لم تكن هناك حينها حسابات وهمية أو غير وهمية، بل لم تكن هناك وسائل تواصل اجتماعي على الإطلاق.
خلاصة القول أنه لا يوجد - حسب علمي - من يؤيد نشر الأكاذيب والادعاءات والتقول على خلق الله، وأنه من الضروري إيجاد وسيلة ما للتعامل مع هذه الآفات الضارة التي تستغل التطور التكنولوجي لإيذاء المجتمع، شريطة ألا تأتي بطريقة ذهنية المنع المتأصلة، واحتكار الرأي، وإلقاء الناس في السجون لأسباب لا علاقة لها بإيذاء المجتمع، وإلا سيظل البحث عن حسابات وهمية مسلسلاً من الأوهام التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
تعليقات