#جريدة_الآن حسن العيسى يكتب عن ذكرياته مع مشاري العصيمي
زاوية الكتابحسن العيسى سبتمبر 8, 2019, 11:32 م 958 مشاهدات 0
الجريدة
مددت يدي في جيبي اليمين، ثم الشمال، أبحث عن حافظة نقودي، لم أجدها في الجيبين الفارغين، ضاعت، سُرقت، غرقت في النهر... قلق وغضب... لم يكن حقيقة غضباً.. فكيف أغضب على خيبة عدم انتباه وحرص من نفسي؟
كان قلقاً رهيباً، ماذا سأفعل؟ فغداً سأغادر إلى بوسطن، كيف سأدبّر أموري، كيف أدفع لسائق التاكسي عند مطار "لوغان"، وكيف أشتري ضروريات المنزل الذي تركتُه قبل شهر؟
كنّا أربعة؛ مشاري العصيمي وعلي البغلي وزوجته زميلة الدراسة السيدة عواطف مدوه، نجلس في مقهى بمدينة لندن صيف عام 74 أو 75، لا يهمّ تحديد السنة ولا الشهر ولا الساعة أو الثانية، فكلّها زمن واحد ينتهي بالموت، ضحكنا كثيراً ذلك الوقت ولا يهم أن أتذكر سبب ضحكنا، كانت ساعات بهجة، لولا ضياع المحفظة.
كنت أسكن في تلك الإجازة القصيرة مع مشاري في شقته بلندن، الميزانية الخاصة لطالب مبتعث للدراسات العليا لا تسمح له بالسكن بـ "الدورشستر"، والسكن مع رفاق الدراسة بكلية الحقوق طبيعي أفضل.
حين ركبت بسيارة مشاري الفلكس، وقبل أن يضع مفتاح تشغيل السيارة في طريقنا للمطار، أخرج كل النقود التي في محفظته، وقال "خذها تمشّي أمورك كم يوم". قد تكون هي كل ما كان يملكه مشاري نقداً في تلك الأيام، التي لم نعرف فيها "بطاقات الائتمان"، أو كان يصعب الحصول عليها لمثل مَن هُم في مراكزنا المالية المتذبذبة.
مضت الأيام سريعاً تختلس بصمتٍ زمن كينونتنا... ننسى في تفاصيل اليوم حتمية النهايات وقلق معاناة لحظة الفراق الأبدية... مشاري عاد من دراسته ليعمل مع المرحوم حمد الجوعان في مؤسسة التأمينات، بعد أن ترك عمله كمستشار في شركة البترول، أسس مع حمد نظام المؤسسة بقواعد صلبة، وترك مع حمد العمل فيها، ليعملا معاً في مهنة المحاماة، ويترأس جمعية المحامين، ثم يرشّح نفسه في مجلس الأمة، ليفوز ثلاث مرات متتالية.
كان صريحاً ومنسجماً في قناعاته ونزاهته بعمله في تمثيل الأمة، وليس هذا المطلوب، في الأغلب، للعمل السياسي في مثل حالنا.
نضيّع ذواتنا في تفاصيل حياتنا اليومية، نكبر، نهرم... لم نعد نلتقي كما كنّا في السنين الماضية، فللكهولة أحكام، أهمها الملل والسأم وقناعة خواء معنى الوجود. نلتقي في صالات أفراح بفنادق فاخرة، حسب دعوات زواج الأبناء والبنات، ونلتقي أيضاً وبعدد أكثر، في صالة مقبرة الصليبيخات... كلها صالات، لا تختلف كثيراً في ديكوراتها. هناك إضافة البوفيهات في الحالة الأولى... وفي صالات الصليبيخات وصبحان هناك مبردات الماء... وزجاجات الماء ببلاش، معروضة كصدقة جارية من فاعل خير أو جمعية تعاونية أو إدارة البلدية... لا يهم مصدرها... المهم أنها كانت في صالات، هي صالات، في النهاية، إما لتقديم طقوس الفرح أو تأدية واجب الوداع.
أخيراً، بالأمس، قرأت خبراً يقول "انتقل إلى رحمة الله تعالى مشاري محمد العصيمي... بعد معاناة طويلة مع المرض"! لماذا كليشيه المعاناة الطويلة؟ ولماذا بؤس المعاناة؟ ولماذا تكون طويلة؟ لماذا يطول زمن المعاناة وتقصر لحظات الفرح؟ هل تألّم مشاري، وشكا لنفسه في لحظات وداعه للدنيا بمثل كلمات سعدالله ونوس في مرضه؟ "كان العالم حياً وصلباً، لكنّه كان يتسرب منّي متنائياً ولا مبالياً.. إذن لقد انتهت الحدوتة....".
هل هناك إجابة غير لحظات سرحان بذكريات الأمس، بعد أن انتهت حدوتة العمر كما كتبها مشاري العصيمي؟!
تعليقات