#جريدة_الآن محمد العطوان: الشباب في مستنقع أفكار الكبار!!

زاوية الكتاب

كتب محمد العطوان 663 مشاهدات 0


الراي

يتسم الشباب في الوقت الحاضر بميلهم إلى الترف، وعدم تحليهم بالأخلاق القويمة وازدرائهم لفرض السيطرة عليهم، فهم يظهرون عدم الاحترام تجاه من هم أكبر سناً، فضلاً عن شغفهم بالثرثرة. لم يعد الشباب ينهضون عند دخول أحد الغرفة عليهم، ودائماً ما يعارضون آباءهم، ولا ينصتون إلى غيرهم، كما أنهم قد تخلوا عن آداب الطعام، وأصبحوا دائمي الخلاف مع معلميهم.
قيلت هذه الملاحظات على مأدبة عشاء على لسان سقراط أعظم فلاسفة الإغريق في القرن الخامس قبل الميلاد، وهو محاط بمجموعة من الشباب الذين يحترمونه ويقدرون كل ما يقوله ويعتبرونه المثل الأعلى، أما الكبار فقد قرروا الحكم عليه بتجرع السم حفاظاً على قيم المجتمع الإغريقي، وهو ما جعل الشباب يحافظون على تراث سقراط وينقلونه لنا إلى اليوم.
وقبل ألف عام من مولد السيد المسيح وجدوا نصاً منقوشاً على آثار بابل يقول: «إن شبان اليوم سيئون وكسالى ولن يشبهوا أبداً شباب الأيام الغابرة، شبان اليوم أعجز من أن يحافظوا على ثقافتنا».
لاحظت أن ول ديورانت في كتابه قصة الحضارة كان دائماً ومنذ القرون الوسطى وحتى عصر فولتير يأخذ الشباب من تلابيبهم ويطرحهم أرضاً في سطوره، وهو يصرخ عليهم... ما هذا الانحطاط!
المفكر والأديب الروسي دوستويفسكي في كتابه «يوميات كاتب» يشير إلى أن الشباب فقدوا المثل العليا، واعتقدوا أن الأعمال الخيرة والأخلاق الحميدة والنزاهة، هي أمور يمكن العثور عليها دائماً في الجيب الأيمن من البنطال الذي يرتدونه من غير أي شكوك أو جهود أوالتباسات، وأن الشباب قد أحبوا المديح الفج الذي يتملق تورم ذواتهم، وأصبحوا مستعدين لتوجيه النقد بلا تمحيص لكل من لا يسايرهم في جميع مواقفهم وخطواتهم، وأن العلاقة بين الشباب وبين آبائهم أصبحت سمتها الغالبة هي التنافر بسبب الاستهانة بالأفكار السامية المتوارثة التي تجمع وتوحد.
وعلى المنوال نفسه يصف كاتب بريطاني معاصر حال الجيل الجديد من طلاب جامعاتهم اليوم، على أنهم قد أمضوا وقتاً قليلاً مع الكتب، وبالتالي يفتقرون إلى التجربة البديلة التي تجلبها لهم القراءة الواسعة، وتعرضوا لإجراءات تعليمية أقل صرامة، فلم يعودوا قادرين على تحمل المفاجآت الواقعية للحياة، وأن الأجيال تصغر كل يوم.
أذكر أنني ذات يوم سمعت برنامجاً إذاعياً كويتياً يتكلم عن التجنيد، وكان المتصلون بالإجماع يقولون إن الشباب في حالة ترهل ويحتاج للشد، وفي اليوم الثاني كان الموضوع عن المدارس والتعليم، وكان المتصلون بالإجماع يقولون إن الشباب في حالة تعب وجهد!
عزيزي القارئ لا يكفي المقال لسرد أكثر من هذا حول الصورة النمطية أو القالب النمطي، الذي يعني الحكم الصادر لوجود فكرة مسبقة في شيوع فكرة معنية عن فئة معينة، فيقوم المدعي بإلباسها صفة العمومية، أو فكرة مسبقة تلقي صفات معينة على كل أفراد طبقة أو مجموعة لكي يتم قولبتها وتنميطها.
يتم خلق صورة نمطية إعلامية وثقافية عن الشاب، تظهره على أنه متمرد وأناني ومهووس بالجنس كسول وطائش، وهكذا يتم تأطيره ليس عبر ما يقوله عن نفسه أو عبر التدقيق في مراحله العمرية أو قيمه الخاصة، وفق هذه الخصائص، بل عبر ما يقال عنه وحوله في صيغة تعميمات وقوالب السادة المفكرين والكتاب الكبار.
إنني أحاول أن أقول إنه وعبر التاريخ كان التناطح على أشده بين الكتاب والشعراء والروائيين، وأصحاب الفكر والثقافة الرفيعة في الصالونات الثقافية والمكتبات النخبوية وورش العمل، حول ضرورة شد الطغاة إلى الجدار وثقب أيديهم وأرجلهم من خلاف بالمقاطع الشعرية والمدارس الفلسفية والمقالات الأدبية الأشد فتكاً بالفساد، في ذلك الوقت كان المبادرون الشباب يزرعون الشجر بينما كانت الغابة تحترق.
وربما هذه صورة نمطية أخرى أقدمها للشباب على اعتبارهم مبادري الأمة، في الواقع ما نحتاجه هو أن نعطي «المايك» للشباب ولندعهم يخبرونا من هم وما تصوراتهم وقناعاتهم ورؤيتهم للعالم ولأنفسهم.

تعليقات

اكتب تعليقك