#رأينا_الآن متى تتوقف الحكومة عن تحميل المواطن عبء اختلال الموازنة ، وتركز على الإنفاق الإستثماري الذي يستهدف توظيف الكويتيين وليس توظيف الأجانب ، وتنمية ثروات المتنفذين ؟

محليات وبرلمان

الآن 536 مشاهدات 0


افتتاحية (الآن) 

في كل دول العالم التي تعيش حالة من الديموقراطية أو شبه ديموقراطية، توجد هناك طبقتان على الأقل في عالم السياسة أفراد الطبقة الأولى هم الساسة والاقتصاديون المرتبطون ببعضهم والذين يسيرون أمور الدولة وشؤونها ويصوتون على القوانين السياسية والاقتصادية ومعهم منظمات المجتمع المدني وجماعات الضغط والكتل وبقية الأفراد المهمين في سير العملية الديموقراطية.

والطبقة الثانية هي طبقة المواطنين العاديين البسطاء الذين لا هم سياسي لهم سوى في أوقات الانتخابات أو في القضايا الوطنية الكبرى مثل حدوث حالة حرب أو اضطرابات سياسية أو أزمة اقتصادية داخل البلاد، لذلك فإن الطبقة الثانية لا تعيش هاجس موازنة الدولة وعوائدها السنوية ومعدل انخفاض الإنفاق الحكومي .

هذا المثال الذي يسود العالم لا يحصل في الكويت فالحكومة في الكويت (التي تعتبر من أثرى بلدان التاريخ بسبب الثروة المتراكمة من النفط) جعلت المواطن يعيش هاجس الموازنة العامة للدولة ويرى كل يوم التهديدات التي ترسلها الحكومة عبر الأخبار الصحفية المسربة (وهي استراتيجية حكومية يعرفها الصحافيون جيداً) ، وهي تهديدات تتعلق بعدم حاجة الحكومة للمواطنين الذين يؤدون أعمالهم الحكومية، ورغبتها في سن سياسات تقشفية تؤدي إلى انخفاض رواتبهم أو وقف البدلات والعلاوات التي يحصلون عليها أو حتى وقف الحصص التموينية لهم ورفع أسعار الوقود وفرض ضريبة القيمة المضافة وبقية الضرائب على الاستهلاكيات والكماليات.

لقد خلقت الحكومة وعياً مزيفاً في عقل المواطن من خلال الضخ المتواصل للأخبار بأنه هو من سيتسبب بكارثة اقتصادية للدولة وأن راتبه الضئيل الذي يتقاضاه والعلاوة البسيطة التي يحصل عليها ومكافأة الأعمال الممتازة التي يكافئ بها بعض الموظفين نهاية كل عام هي السبب في العجز المتواصل لميزانية الدولة، بينما هناك سرقات يكشفها ديوان المحاسبة تتم في مشاريع مليارية وفي المشاريع "المغامراتية" التي قامت الحكومة بتنفيذها طوال سنوات .

ونتساءل : ألم تتسبب عمليات الفساد الكبرى التي ستسجل في التاريخ كشاهد على قلة ضمير بعض المتنفذين ،ألم تسبب أي عجز في ميزانية الدولة!؟

إننا في (الآن) نعتقد أن هذه الاستراتيجية البسيطة والمخيفة في آن واحد قد أدت غرضها، فأصبح المواطن يهتم بموازنة الدولة كما يهتم للأسعار في سوق السمك والخضار رغم أنه لا يقرر الموازنة فعلياً ولا يستطيع الاعتراض عليها ولا إيقاف تمريرها داخل مجلس الأمة، بل ولا يستطيع مناقشة ما في داخلها من تفاصيل وأمور فنية كونها تمرر في جلسات سرية على طريقة "سلق البيض" المعروفة، وبات المواطن يعتقد أنه هو من سيتسبب بانهيار الدولة وأن طريق "الإصلاح المالي" يجب أن يمر عليه أولاً، يجب أن يمر على الـ120 ديناراً  المخصصة لمواجهة غلاء المعيشة التي اعتبرتها التسريبات الحكومية زائدة وأحد أسباب الهدر . 

وأعتقد المواطن أن طريق الإصلاح لا يمر عبر مئات الملايين من العمولات والرشاوي والفساد التي تشوب بعض المشاريع الإنشائية للدولة والتي كُشفت أوراقها في البرلمان وفي أروقة المحاكم.

ومع كل تقرير للحساب الختامي المالي للدولة والذي يقدمه وزير المالية تقول الدولة بأنها ستتخذ تدابير إصلاحية لتقليل النفقات والمصروفات غير المهمة ورفع العوائد غير النفطية، حيث يشكل بيع النفط أكثر من 90٪ من ميزانية الدولة، لكن هذه التدابير لا تستهدف سوى المواطن فحسب.

المصيبة ليست في أنها تستهدف المواطن، بل إن تقرير مركز "الشال" الاقتصادي الذي صدر أخيراً قال وبالحرف الواحد "إنه لا علاقة بين الإصلاح المالي والاقتصادي وبين ما يحدث على أرض الواقع" في إشارة إلى التخبطات الاقتصادية التي قد نعانيها على المدى القريب إذا لم نقم بما هو أهم من ملاحقة رواتب المواطنين وهي إصلاحات اقتصادية حقيقية تستهدف تنويع مصادر الدخل وزيادة الإنفاق الاستثماري الحقيقي بدلاً من تبخير الأموال في الهواء على مشاريع لا طائل من وراء الكثير منها.

إن ما يسمى بـ"الإنفاق الاستثماري" الذي تقول الحكومة إنها تقوم به وذلك عبر ضخ الأموال في الكثير من مشاريع الدولة، هو إنفاق لا طائل من ورائه لأنه لا يصنع فرص عمل للمواطنين، بل يصنع فرص عمل لمواطني دول أخرى، إضافة إلى أنه لا يدعم نمو القطاعات غير النفطية بشكل كامل.

تبدو الألفاظ ملتبسة بعض الشيء؟ هذا ما يريده الاقتصاديون داخل الحكومة، أن يُشعروك بالقلق وأنك سبب أزمة مالية مرتقبة لكنهم يختبؤون خلف ستار "المصطلحات الاقتصادية" ليخفوا حقيقة أن سبب مشاكل الميزانية المالية للدولة هي الحكومة نفسها، لكننا سنشرح الألفاظ.

تقوم الحكومة - أي حكومة بالعالم - بإنفاق جزء كبير من الأموال على مشاريع إنشائية وحيوية داخل الدولة، هذا يسمى بـ"الإنفاق الاستثماري" وإذا قامت حكومة به فهي تستثمر في بنية الدولة على المدى البعيد، أما على المدى القريب فإن هذه المليارات التي تدفعها الدولة للشركات تسترد أجزاء كبيرة منها عبر توظيف المواطنين فيها وحصولهم على رواتب ضخمة من خلال العمل بالمشاريع ودفع هذه الشركات الضرائب للحكومة وتنفيذها لمشاريع مجتمعية وبيئية توفر على الحكومة الملايين وتساهم في ضخ الأموال داخل الدولة من جديد.

لكن ما الذي يحدث على أرض الواقع عندنا في الكويت ؟ إن الشركات التي تحصل على مناقصات تنفيذ الأعمال تقوم بتوظيف عمالة غير كويتية تنقل أموالها للخارج ولا تستفيد منها الدولة، كما أنها لا تقوم بدفع أي ضرائب، وفي نفس الوقت ينقل الكثير من التجار أرباحهم من هذه الشركات ليودعوها في بنوك خارجية، أي أن منافع هذا الإنفاق قد تبخرت فعلياً، لكن لا يهم، فمن وجهة نظر الحكومة فإن علاوة غلاء المعيشة هي سبب تردي اقتصاد الدولة، أما الكوارث الاقتصادية الكبرى التي ترتكبها الحكومة فهي أمور "عادية".

إننا بحاجة إلى سياسة اقتصادية إصلاحية شاملة، لها ركيزتان لا تنفكان، الأولى تقليل الاعتماد على النفط كمصدر دخل وحيد للبلاد، والثانية عدم المساس بالمواطن الذي يعاني اقتصادياً بسبب التضخم وغلاء المعيشة، أما إيجاد حلول تستهدف المواطن وتترك "حنفيات" المال العام المفتوح جارية فما هي إلا إجراءات لا نفع ولا طائل من ورائها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.

تعليقات

اكتب تعليقك