#جريدة_الآن د. ناصر العمار: أيها العمانيون... أذهلتمونا
زاوية الكتابكتب د. ناصر العمار أغسطس 5, 2019, 10:59 م 692 مشاهدات 0
الأنباء
يقول من أثق بحديثه: وصلنا لأحد شواطئ سلطنة عمان لممارسة هوايتنا المفضلة التي اعتدنا القيام بها كل عام وهي (الحداق)، حيث تستقبل شواطئ عمان الجميلة العديد من (الحداقة) الكويتيين وغيرهم لممارسة هواية صيد الأسماك التي يمتاز بها بحر عمان.
قام كل واحد منا بتنفيذ المهام الموكلة إليه من تجهيز كل ما نحتاجه للدخول بقاربنا الصغير الى البحر، حيث مواقع الصيد الوفير والمغري لأمثالنا من (الحداقة) وممارسة هواية تأسر قلوب الكثيرين، وتزداد قيمتها وحلاوتها عندما تكون بمعية شعب أصيل واستقبال مميز وشغف لمساعدة الغير في بلد يتصف شعبه بحسن خَلق وخُلق.
قبل البدء بإنزال قاربنا الى البحر وإذ بأحد الإخوة العمانيين عائدا من رحلة صيد يتجه نحونا وعند الاقتراب منا وقبل أن يقوم بإخراج قاربه الصغير أشار لنا بيده (السلام عليكم) بادرناه (وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته والحمد لله على سلامتك) فرد مرحبا بنا: انتوا من الكويت؟ قلنا: نعم.. معكم أخوكم سعيد.. مرحبا بكم في عمان، وبدون أي مقدمات: (أتراياكم على العشاء)، مشيرا بيده باتجاه الشرق.. هناك بيتي.. في تلك اللحظات شكلنا «لوبي كويتي» على مضيفنا سعيد ليعدل عن دعوته.
استطعنا إقناعه بعد أن استبدل دعوته بشرط قبول كل ما اصطاده في ذلك اليوم من سمك كان محتفظا به داخل صندوق متعارف على تسميته مجازا بالثلاجة ليضعنا بموقف محرج أجبرنا على قبول هديته كي لا تلتصق بنا صفة اللؤم، حينها أبدى سعيد ارتياحه لقبول هديته لكنه سرعان ما فاجأنا بطلب غريب تقدم لنا به على الفور: تسمحون لي بأن (آخذ سمكتين) من هديتي تلك؟ فقلنا بصوت جماعي: حلالك!! فهم باختيار سمكتان من أفضل ما أصطاده نوعا وحجما ثم ألقى علينا السلام وتمنياته لنا بصيد وفير، سألناه عن ظروف الصيد هل هي مناسبة؟ قال: لن (أكسر مياديفكم) فرص الصيد قليلة هذا اليوم بسبب الأجواء غير المهيئة للصيد.. تمنياتي لكم بالتوفيق وألا تكون (عنوتكم ومجيئكم لعمان دون جدوى والله يوفقكم) وغادرنا سعيد الى منزله بعد أن تسلمنا منه - بلغة العيون - رسالة تنذر بفشل متوقع لرحلة الصيد هذه.
غادرنا سعيد بعد أن منحنا جرعة مشبعة بالإحباط وحالة من انكسار همة وقلة عزيمة واشتياق وثقل خطوات كانت قد ساقتنا لهذا المكان! مع تفاؤل حذر قادنا للبدء برحلة الحداق.
تمر الساعة وتتلوها ساعات ونحن نجرب حظنا في الصيد حتى أسدل الليل ستار عتمته ويجبرنا على العود من حيث أتينا.
بلغنا الشاطئ بخفي حنين وإذ بسعيد العماني ينتظرنا تسبقه ابتسامة الفرحة بعودتنا سالمين، سائلا: كيف كان الصيد؟ صدقت توقعاتك يا أخ سعيد فالأجواء والحظ لم يساعدانا على الصيد، فقام سعيد بمواساتنا وتخفيف وطأة الإحباط وهو يهم بإنزال طبق كبير يساعده أحد أبنائه الذي اصطحبه معه.. ما هذا بالله عليك يا سعيد؟ هذا عشاكم ولا هو بمقدار معزتكم ومقامكم عندي، فواجب ضيافتكم أسمى من سمكتين استأذنتكما بأخذها لأقوم بتحضيرها لكم عن طريق الشواء وأقدمها لوجبة العشاء، راجيا المعذرة على التقصير وقبول عشائي المتواضع.
لقد فشلنا في صيد السمك لكننا أدركنا أن في هذه الدنيا طيبين لايزالون يعيشون بيننا، لقد قدم لنا سعيد أنموذجا من جلد الذات في زمن تسلط الذات، انه درس في الكرم عند ابن الأكارم والطيب عند أهل الطيب، أعجبنا استقامة المسلك وطيبة المعشر وصفاء القلوب وبهاء النوايا وعظمة التجرد من الذات ودحر النرجسية. أيها العمانيون.. أذهلتمونا.
تعليقات