#جريدة_الآن خليل علي حيدر: من أسوأ ما نرى اليوم في مجال حل مشكلة البطالة وتكويت الوظائف ارتجال حلها على حساب الوافدين!!
زاوية الكتابكتب خليل علي حيدر يوليو 24, 2019, 11:04 م 753 مشاهدات 0
الجريدة
مثلنا جميعاً، رحبت قيادات إدارية وعقول اقتصادية كويتية بالتكويت بوصفه حقاً وطنياً... ولكنها، مثلنا كذلك، أكدت ضرورة التمهل ودراسة هذا الإجراء والإعداد المناسب له، وهو ما لن يأخذ به أحد!
منذ فترة ونحن في الكويت نخوض بحراً بلا قاع أو سواحل! ونقوم بعملين آخرين في مجال توظيف "العاطلين" من الخريجين والخريجات... لا يصدقهما عقل؛ فنحن نطرد من يحسن العمل ويتقن الأداء عادة، ونوظف من يحتاج إلى الكثير من التمرين والخبرة، ولا يتقن في أحيان كثيرة ما يراد منه، والبعض لا يريد حتى أن يتعلم.
ونقوم بعمل ثالث أكثر غرابة، وهو دفع مبلغ شهري كبير لأي شركة توظف هذا الموظف، الذي قد يكون معوقاً للإنتاج، رغم أن الجهات الرسمية التي تصرف المال من حر أموال الميزانية، لا تكترث ولا تعلق بشأن عمل أم لا، أنتج أم لم!
بشَّر وزير المالية الدولة السيد أنس الصالح المواطنين، قبل أكثر من عام، بأن "تكويت الوظائف الحكومية قد اكتمل"، كما قالت "القبس" في 13/1/2018، وأن "نسبة إحلال الموظفين الكويتيين في الجهات الحكومية بلغت 90% خلال العام السابق أي 2017".
من أبرز ما جاء في حديث الوزير قوله: "إن من بين المجموعات الوظيفية التي يستهدف الديوان تكويتها هي مجموعة الدعم الإداري التي تشمل وظائف السكرتارية والطباعين وغيرهم، والمطلوب أن يصل الكويتيون في هذه المجموعة خلال السنوات الخمس القادمة إلى نسبة 100% من إجمالي قوة العمل بالجهات الحكومية".
ولا نعلم إن كانت شكوى المراجعين للوزارات ستنقطع آنذاك من هذه "السكرتاريات" من ناحية إتقان العمل ودقته والحرص على المداومة وغير ذلك، أم أن الدولة مازالت تداوي الوضع بالتي كانت هي الداء، وتكدس الموظفين والكمبيوترات في مكان واحد؟!
يشتكي البعض من أن الموظفين في الواقع دولة داخل الدولة، وكلما تم توظيف المزيد تعمقت لدى من قبلهم اللامبالاة والاتكالية وتأجيل عمل اليوم إلى الغد، وضاع الجاد والغيور والمخلص، بالمهمل المتغيب المتملص!
العاملون في الدولة كانوا، فيما أعلنته إحصاءات العمل والإدارة المركزية للإحصاء (القبس 3/10/2017)، نحو 360 ألف كويتي وأكثر من مليون و600 ألف وافد، منهم نحو 554 ألفاً من الجنسية الهندية و464 من الجنسية المصرية.
لا توجد متابعة إدارية للقوى العاملة "من المنبع إلى المصب" كما يقال، ولا يزال من الممكن أن تقيم الدولة الكليات والهيئات دون أن تدرس الحاجة إلى خريجيها! فمثلاً، طلبة كليات الشريعة الذين يتكدسون ويتخصصون في الفقه والشريعة والواجبات الدينية، ويتخرجون رجالاً ونساء بالآلاف، دون أن يفكروا أو تفكر الدولة في مجالات عملهم المستقبلية، بل اللافت أنهم درسوا سنواتٍ في مجال وتخصص يرفضون العمل فيه ولا يتحمس خريجو الكلية للعمل في الإمامة والخطابة والأذان، ويطمحون إلى العمل في مجالات تقوم الدولة بتهيئة طلبة آخرين للعمل فيها، وهي مجالات القانون والمحاماة، التي هي بالمناسبة، مهنة يحرم بعض الإسلاميين العمل فيها!
من أخطر ما قد ينجم عن هذا التداخل، أن بعض المتشددين من الخريجين الإسلاميين، وليسوا بالقلة، قد يصل إلى أدق مفاصل الجهاز الدستوري والتشريعي والقانوني، وقد يحاول على الأرجح استخدام الجهاز القانوني ضد هذا الجهاز نفسه.
ويقترح البعض حل المشكلة بالدورات التكميلية والتدريبية في القانون، ولكن هل يعقل أن تلجأ الدولة مستقبلاً إلى مثل هذا الحل مع كل مجموعة ترفض العمل في تخصصها؟ ثم إن كلية الشريعة كانت "تعاير" كلية الحقوق، بأن الحقوقيين يدرسون" القوانين الوضعية " لا "الشرعية"، فما بال خريجي الشريعة لا يغتنمون اليوم الفرصة ليثبتوا أن ما لديهم من "علم شرعي" أفضل لحل مشاكل المجتمع؟ وأن خريجي الشريعة أقل الناس اكتراثاً بالراتب والجاه والمنصب والمكتب؟
هل تصمد مؤسسة التوظيف الكويتية عبر مختلف الوزارات لضغوط تكاثر الخريجين وحلول التوظيف الترقيعية وغياب أي استراتيجية إنتاجية جادة، والتي قد تدمر كل الأداء الوظيفي في البلاد ذات يوم؟
ثبتت وكالة "موديز" الدولية وضع الكويت في مرتبة Aa2 لعام 2019، ولفتت الأنظار في الوقت نفسه إلى جانب قد تهب منه رياح مدمرة؛ فالبلاد كما جاء في تقريرها، تتمتع "بأوضاع مالية قوية، تقابلها ضغوط ديموغرافية". وقالت إن "الارتفاع الكبير في الطلب على الوظائف وتسارع السكان يضغطان بقوة على الميزانية والاحتياطي".
من أسوأ ما نرى اليوم في مجال حل مشكلة بطالة الخريجين ارتجال حلها على حساب الوافدين... وبأسرع وقت ممكن، بالطبع مع الاستفادة المؤسفة من رياح الشعبوية العاتية والقفز على متطلبات الإعداد الوظيفي السليم.
في 19/6/2019، نشرت "القبس" تقريراً بعنوان "9 خطوات تستهدف الوافدين لتعديل التركيبة السكانية" من المقترحات المنشورة: إيجاد كوتا لكل جالية، ومنع تمديد الإقامة أو تحويلها، زيادة رسوم الإقامة، تكثيف الحملات الأمنية، فرض رسوم على التحويلات المالية للوافدين... وغير ذلك.
ولكن هل قمنا حقاً بإعداد شبابنا وخريجينا للتحدي القادم؟ وماذا تفعل الدولة و"جهاز تشغيل الناس" أمام عشرات الألوف من الخريجين، مع زيادة سنوية متدفقة، والكل يريد وظيفة مجزية، رفيعة، مريحة غالباً دون خبرة أو مؤهلات في المقابل!
ثمة ضحيتان لحملة التوظيف والتكويت الشعبوية هذه، هما الموظف الجيد، الكويتي... وغير الكويتي!
الكويتي قد يجرفه "التسونامي" المتدفق القادم، وغير الكويتي قد تطيح به حملات التطهير في"الوجبات القادمة"!
العديد من القيادات الإدارية والعقول الاقتصادية من الكويتيين، رحبت مثلنا جميعاً بالتكويت كحق وطني... ولكنها مثلنا كذلك أكدت ضرورة التمهل ودراسة الإجراء والإعداد المناسب، وهو ما لن يأخذ به أحد!
مهند الصانع، رئيس "الجمعية الاقتصادية"، نبه إلى ضرورة متابعة أداء الموظف وربط مخرجات التعليم بمتطلبات السوق. وزير الأشغال الأسبق بدر الحميدي، أشار إلى صعوبة الإحلال "من دون توفير البديل المناسب الذي يقدم نفس الأداء المطلوب".
رئيس البنك الصناعي الأسبق، صالح اليوسف، حذر من أن "أصحاب الكفاءات يخرجون والعمالة الهامشية تتزايد" بسبب سياسات الدولة! وأشار إلى أن "نواب مجلس الأمة يبحثون عن أصوات من خلال مقترحات وقوانين شعبوية". النائب والوزير الأسبق عبدالوهاب الهارون، طالب بأن يكون "الإحلال من خلال التركيز على العمالة الهامشية لا العمالة الفنية الماهرة".
رئيس مجلس إدارة اتحاد شركات الصرافة عبدالله الملا، قال إن القرارات الحكومية تجاه الوافدين تخدم من يريد استخدامهم وقوداً للمعارك الانتخابية دون وعي وانتباه إلى خطورة ذلك، بدلاً من محاولة الاستفادة من خبرات الوافدين كقوة اقتصادية يمكن توظيف مقدراتها ضمن خطوط الكويت الاستراتيجية للتحول إلى مركز مالي وتجاري. وتساءل الملا: "هل يعقل أن يجري إبعاد وافد بسبب خطأ مروري، وإن كان كفاءة نادرة"؟
المحلل النفطي د. خالد بودي أكد أن "الوافدين في الكويت يقومون بأداء عمل شريف تحتاجه البلاد، وأتوا بتأشيرات رسمية. لذا يجب أن نحسن معاملتهم".
وكان عثمان الزاحم، الرئيس التنفيذي لشركة "بترا" لصناعة المواد الغذائية ضمن من شاركوا في هذه الآراء التي نشرتها "القبس"، وكان من أكبر المؤيدين لاعتماد وتطبيق سياسة إحلال المواطنين مكان الوافدين" (القبس، 23/6/2019).
لا توجد طبعاً حلول سهلة، سواء كنا مع أو ضد. ولا شك أن القضية بالغة الأهمية إذ تمس حياة ومستقبل الكثيرين... وقد تحدث الكويتيون بكل حرية... ولكن أين أصوات "غير الكويتيين"؟!
تعليقات