#جريدة_الآن د. محمد الصرعاوي: عبدالرحمن العوضي.. فقيد الكويت
زاوية الكتابكتب د. محمد الصرعاوي يوليو 7, 2019, 10:56 م 723 مشاهدات 0
الأنباء
فقدت الكويت ابناً من أبنائها البررة، الذي ساهم وبكل ما يملك من حب وتقدير وولاء لهذه الأرض الطيبة، فقد كان ابناً بارا للكويت وحاميا لنهضتها ومساهما في بنائها، ولم يتوان قط في رفع اسم دولتنا الحبيبة في كل مكان. ولا يمكن لي أو لغيري أن يفي أبوعبدالله مكارمه وأخلاقه ومواقفه النبيلة من أجل الكويت، وكان شامخا حتى آخر أيامه.
كان أبوعبدالله يتميز بالاطلاع على كل الأمور السياسية والاجتماعية والدينية، فقد تعلمنا منه الكثير وشاركناه بالعديد من اللقاءات الدولية والإقليمية والمحلية، فقد كان الفقيد مدرسة متكاملة من العطاء الثري، فكان مناقشا بارعا يدعم مداخلاته بالحجج الثاقبة والبراهين الدالة.
تقلد أبوعبدالله وزارة الصحة والعديد من الوزارات الأخرى وعضوية مجلس الأمة وغيرها من المجالس الفنية، ومن تلك اللحظة بدأ شغفه بالعمل البيئي والاهتمام بالقضايا البيئية ودعم الأنشطة البيئية ومشجعا لنا بالانخراط والاهتمام بالعمل البيئي على الصعيد المحلي، وكانت إدارة حماية البيئة بوزارة الصحة هي الأساس واللبنة الأولى للعمل البيئي المنظم في دولة الكويت، وكان أبوعبدالله مهتما بتلك الإدارة للنهوض بالعمل البيئي، وسخر لها العديد من الإمكانات البشرية والفنية، وفي بداية الثمانينيات أسس الفقيد أول مجلس بيئي يضم العديد من الجهات الحكومية والقطاع الخاص وجمعيات النفع العام، وسمي آنذاك بمجلس حماية البيئة، حيث ترأس الفقيد، رحمه الله، مجلس حماية البيئة وبدأ بوضع العديد من التشريعات واللوائح والنظم البيئية لدولة الكويت، وكان لي الشرف العظيم أن أكون مشاركا في إحدى لجان مجلس حماية البيئة/ لجنة الأبحاث والمشاريع البيئية، وكانت من أهم لجان المجلس في دعم مشاريع جامعة الكويت ومعهد الكويت للأبحاث العلمية والهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب.
وفي بداية التسعينيات، ساهم الفقيد في دعم وتأسيس الهيئة العامة للبيئة من خلال المجلس الأعلى للتخطيط الى أن تم إشهار الهيئة العامة للبيئة في منتصف التسعينيات، وكان لي أيضا الشرف أن أكون أول مدير عاما للهيئة العامة للبيئة.
وكان للفقيد، رحمه الله، الدور الكبير مع العديد من زملائه في نشر حق دولة الكويت ودحر العدوان العراقي الغاشم من خلال زياراته العديدة الى الكثير من دول العالم، والتحدث من خلال المنابر العالمية لإرساء الحق الكويتي في العودة الى الكويت، فكان لخطواته الواسعة التأثير الكبير في القرارات الدولية. وبعد تحرير دولة الكويت ساهم في إلقاء الضوء على آثار حرق آبار البترول على العالم أجمع، حيث قدم العديد من المحاضرات في الجامعات والنوادي العلمية والتجمعات الأكاديمية شارحا أثر تلك الحرائق على البشرية جمعاء وعلى الأمن الغذائي، وأتذكر هنا العديد من اللقاءات مع كبار العلماء شارحا لهم أثر تجفيف الأهوار وتلوث البيئة البحرية وانجراف التربة الزراعية، وأثر ذلك على المخزون السمكي والثروة الحيوانية بدول مجلس التعاون. كما استطاع من خلال تواجده الكثيف في الملتقيات العالمية أن يساهم في منظومة التعويضات البيئية لدولة الكويت والدول الخليجية. فقد ركز الفقيد الغالي جل اهتمامه ونشاطه في إظهار التأثيرات غير المرئية وتلك بعيدة المدى ذات التأثير الخطر على حياة البشرية، وعلى الأخص في محيط دول مجلس التعاون، حيث كان للفقيد نظرة ثاقبة للآثار المستقبلية للدمار البيئي الذي لحق بالبيئة البحرية والصحراوية والهوائية. كذلك ركز في العديد من المناسبات على الآثار التي لحقت بالمياه الجوفية والمخزون المائي.
كما ساهم الفقيد الراحل، رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته، في تأسيس المنظمة الإقليمية لحماية البيئة البحرية في عام 1981، وهي من المنظمات الإقليمية المهمة على المستوى البيئي لدول مجلس التعاون وإيران والعراق، حيث استطاع وزملاؤه المعينون في دعم الجهود البيئية على مستوى الخليج، وقد ساهمت المنظمة في دعم القرار البيئي على مستوى صانعي القرار ووضع السياسات العامة للدول الأعضاء وبناء الاستراتيجيات البيئية، كما أسس في المنظمة الإقليمية لحماية البيئة البحرية نظاما فريدا من نوعه يقوم أساسا على برامج نظم المعلومات الجغرافية والصور الرادارية في رصد ومكافحة التلوث البحري بالزيت، وفرض عقوبات صارمة على الدول التي تنتهك النظم والتشريعات الخاصة بانتشار البقع الزيتية في حوض الخليج العربي. كما كان للفقيد دور كبير في تمكين الدول الخليجية بالتعاون مع المنظمات الإقليمية والدولية في مكافحة المد الأحمر ونفوق الأسماك، كما ساهم في وضع آلية خاصة لأنشطة الدول الأعضاء في المنظمة، حيث تم تكليف كل دولة خليجية بمنظومة معينة تكون هي المرجعية في تلك المشكلة، فعلى سبيل المثال تم تكليف سلطنة عمان بإدارة السواحل والمحميات الساحلية، ودولة الكويت بنفوق الأسماك.
والحديث عن أنشطة الفقيد صعب جدا، فكانت بصماته على جميع الأصعدة وكان شعلة من النشاط والتفاني والإخلاص والإيثار. ويمكن لي هنا أن أشير فقط الى الأجزاء التي أعرفها عن حياته العلمية على الصعيد المحلي، فقد أسس العديد من الجمعيات الأهلية مثل جمعية حماية البيئة وجمعية مكافحة التدخين وغيرها من الجمعيات التخصصية.
أما الجانب الأهم فهو مساهمته الفعالة في الأمانة العامة للأوقاف من خلال الصندوق الوقفي للبيئة والآخر للصحة، فقد سعدت بالعمل معه وتعلمت منه الكثير.
اللهم إني أسألك في هذه الساعة أن ترحم الفقيد وتدخله فسيح جناتك، وأن تلهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان، وأن تبارك في أعماله لهذه الأرض الطيبة. اللهم تقبله القبول الحسن وأكرم مثواه، و«إنا لله وإنا إليه راجعون».
تعليقات