#رأينا_الآن أموال صندوق التنمية الكويتي لدول الفساد ؟
محليات وبرلمانالآن يونيو 26, 2019, 2:53 م 753 مشاهدات 0
افتتاحية الآن
حبا الله هذه البلاد بنعمة عظيمة، وهي نعمة النفط التي حولتها من بلد تجارة وصيد ومركز مالي بسيط يكافح ويحاول البحث عن سبل البقاء، إلى دولة غنية بموارد ضخمة لم يتصورها أحد، وفوق إغداق رب العالمين علينا نعمة النفط ، أغدق علينا نعمة أخرى وهي الجيل المؤسس الذي رافق مجيئه استقلال البلاد وحصولها على ثروتها الضخمة.
هذا الجيل فكّر بكل السبل المتاحة للمحافظة على ثروات البلاد النفطية وعدم امتداد يد العبث أو الإهمال لها، فأنشأ الهيئة العامة للاستثمار ليتبعه بصندوق آخر روعي فيه الجانبان المالي والسياسي وهو الصندوق الكويتي للتنمية العربية.
واستخدم صندوق التنمية هذا لمد يد العون إلى الدول العربية المستقلة حديثاً والتي تحتاج إلى القروض الميسرة لتشييد بنيتها التحتية ورصف طرقها وبناء مدارسها وجامعاتها، وقدمت الكويت يد العون لهذه الدول عبر هذا الصندوق، كما أنها حصلت على نفوذ سياسي وصيت إقليمي بسبب هذه المشاريع وهو حق مشروع لكل الدول لا ينازعه عليها أحد، فهذا مشروع "مارشال" الأمريكي الذي بنت فيه الولايات المتحدة أوروبا الغربية بالديون بعد الحرب العالمية الثانية وحققت من خلاله مكاسب اقتصادية وسياسية كبيرة أوقفت المد الشيوعي نحو أوروبا.
بعد ذلك اتجهنا لتوسيع الدائرة ليشمل الصندوق كل دول العالم النامية، وهو استثمار أثبت نجاحه على الصعيد الإنساني بمساعدة هذه الشعوب الفقيرة ، وعلى الصعيد السياسي عام ١٩٩٠ حينما اجتاحت جحافل الغزاة ثرى هذا الوطن قبل أن يعود بالشرعية الشعبية داخل الكويت وبالإجماع العالمي في أروقة المؤسسات الدولية.
لكن الكثير من الخلل بدأ يعتري عمل صندوق الكويت للتنمية العربية، بل إن آلية منح الكويت للقروض باتت تحوم حولها الشبهات، فمن شبهة القروض التنفيعية إلى شبهة الإهمال في تحصيل وإدارة القروض إلى شبه أخرى كثيرة سنأتي على ذكرها.
وإحقاقاً للحق فإن الإهمال وعدم الرقابة اللذان يلاحقان قروض الكويت المليارية لم يمكن كشفهما دون وجود جهة رقابية حقيقية مثل ديوان المحاسبة، هذه الجهة التي أخذت على عاتقها مراقبة كل "فلس" يخرج ويدخل إلى الدولة موضحة في تقاريرها مواطن الخلل والزلل في تصرفات الكثير من الإدارات والهيئات الحكومية التي يتعامل بعض الناس معها على أنها إقطاعية خاصة بهم أو بمن "يعز عليهم".
ومما لاحظه ديوان المحاسبة على الإهمال الذي يلاحق قروض الكويت المليارية هو عدم وجود مكاتب إشرافية في الدول التي تحصل على منح مليارية ، مما يعني أن الأموال الضخمة التي أعطيت لهذه الدول قد لا تقع في الأيدي الصحيحة ، أو من أجل الغايات التي صرفت من أجلها وهي تنمية هذه الدول ، بل تقع في يد عصابات تسيطر على الدولة وتحولها لموارد تغذي آلة القمع الخاصة بها، والعصابات هذه لا تعترف بسيادة القانون ولا بمنطق العلاقات الدولية فهي ستحجم في يوم من الأيام عن إعادة هذه الأموال مما يدخلنا في مشاكل كبيرة.
ليس هذا آخر العبث الذي تمتد يده لقروض الكويت المليارية، فهناك الكثير من الطوام الأخرى التي كشفها ديوان المحاسبة ، لعل أهمها عدم تفعيل دور مكتب التفتيش والتدقيق الذي يتبع مجلس إدارة الصندوق وتعمد تهميشه وإهماله بل وعدم تشغيله بالكوادر الوطنية وهو ما يفتح باب التساؤلات بقوة حول سبب عدم توظيف الكفاءات الوطنية فيه ؟
المضحك أن بعض موظفي هذا المكتب الذي يفترض به التدقيق والمراقبة على قروض الكويت لا يحملون مؤهلات مالية بحسب تقرير ديوان المحاسبة مع وجود أكثر من ٥٠ ملاحظة موجهة للصندوق.
وفشل الصندوق الكويتي للتنمية في استقطاب الكفاءات الوظيفية، ولا نعرف في حقيقة الأمر إن كان هذا "فشلاً متعمداً" أم أنه عائد إلى عدم مقدرة الجهات الإدارية في الصندوق على اقتناص الكفاءات الوطنية التي تُسيّر عمل الصندوق.
كما أن قروض الكويت الخارجية وبشهادة لجنة الميزانيات في مجلس الأمة لا توجه بشكل كاف نحو الخدمات التي تستفيد منها الشعوب كالخدمات الصحية والتعليمية المباشرة.
وبعد هذه التقارير الدقيقة من ديوان المحاسبة والذي يعد أعلى جهة رقابية مسؤولة في البلد حول الفشل في الإدارة والمراقبة وشبهات الإهمال المتعمد التي حتى إن افترضنا حسن النية فهي فضيحة إدارية كبيرة لا بد لها من وقفة، نقول بعد كل هذه "الفضائح" التي تلاحق القروض المليارية التي نمنحها لدول الأرض قاطبة، ألم يحن الوقت يا نواب الأمة لوقفة جادة ؟!
إن نواب الأمة الذين انتخبهم الشعب ووثق بهم وتعنّى إلى صناديق الاقتراع لإيصالهم لقبة البرلمان مطالبون بوقفة حازمة للتصدي إلى قضية القروض المليارية التي تمنح للخارج دون حسيب ورقيب ، متسلحين بتقارير ديوان المحاسبة التي أثبتت الخلل الكبير في طريقة منح ومراقبة وتحصيل هذه القروض وتشغيلها.
إن نواب الأمة عليهم أن يعوا أن الشعب الكويتي يعاني مالياً بسبب رفض الحكومة التجاوب مع ملف القروض التي قام المواطنون باقتراضها من البنوك والمؤسسات المالية ، في الوقت الذي تظهر فيه التقارير إغداق ذات الحكومة العطايا والمنح على دول نامية تحكمها حكومات تُثار حول كفاءتها ونزاهتها الكثير من الشكوك.
لقد حان الوقت لأن يقول نواب الأمة للحكومة ما كان يجب أن يقولوه منذ مدة، وهو أن التلويح برفع الدعوم أو فرض ضريبة القيمة المضافة لا يجدي نفعاً في وقت تصرف فيه مليارات الدنانير على الشعوب الأخرى وليتها تصل لهم، بل تصل إلى جيوب الفاسدين الذين يستخدمونها لقمعهم.
تعليقات