#جريدة_الآن عصام الفليج: إلى ماذا انتهت تشخيصات الحلاج؟!
زاوية الكتابكتب عصام الفليج يونيو 24, 2019, 11:09 م 839 مشاهدات 0
أذكر عندما كنت صغيرا رأيت شخصا يعيد وضوءه أكثر من مرة، فسألت قريبي عن السبب، فقال: هذا هو الوسواس، يعيد الرجل وضوءه أكثر من مرة لشكه بأنه توضأ أم لا، أعانه الله.
تذكرت ذلك عندما درست بعض المواد النفسية، وشاركت في لجان الصحة النفسية مع أطباء نفسيين، ليتبين لي لاحقا مدى تغلغل المشاكل النفسية في نفوس البشر، الأصحاء والأسقام، الفقراء والأغنياء، المتعلمين والجهال، المتحررين والمتدينين، بمختلف الأجناس والأعراق والألوان، كلهم على حد سواء، معرضين للإصابة بالأمراض النفسية، بسيطها وصعبها، مثل جميع الأمراض، إلا من رحم الله.
لذا.. كان من الضروري عدم الحكم على الناس من تصرفاتهم دون معرفة طبيعتهم ونفسيتهم، والتي تبدأ من الحساسية والمزاجية والزعل والانفعال.. الخ، مرورا بالوسواس القهري والاكتئاب.. الخ، وانتهاء بالانفصام واضطراب الهوس الوجداني.
قرأت رواية «تشخيصات نفسية عبر آلة الزمن»، وهي قصة حقيقية كتبها د.عادل الزايد، استشاري الطب النفسي والإدمان، وأحد أكبر الأطباء النفسانيين في الكويت، والذي تميز بالجمع بين الطب والفكر والدين والأدب والتاريخ والثقافة اللامتناهية، ورغم عدم إقبالي على قراءة الروايات لكثرة كتابها الذين أساؤوا لمفهوم الرواية، فقد استمتعت بهذه الرواية لحجم الثقافة والمعلومات التي تلقيتها من حوارات د.عادل ود.محمد وبومساعد.
كانت رسالة المؤلف في هذه الرواية، هل «الحلاج» من خلال كلامه، رجل سوي بكامل عقله، أم به اختلال نفسي؟! وكذا «ابن عربي». ولم يتطرق إلى الجانب الشرعي البتة، لإقراره بأن ذلك من اختصاص علماء الشريعة، كما هو الفحص من اختصاص الطبيب النفسي، خصوصا أن لهما أتباع كثر حول العالم.
يتمتع الحلاج وابن عربي بإنتاج علمي وأدبي غزير، ولديهما من الأقوال البلاغية الجميلة والرائعة، وبالمقابل لديهما من المتناقضات اللفظية والسلوكية الشيء الكثير، وهذا ما أثار التساؤل حول سلامتهما النفسية.
كما أن هناك شكاً في أن جميع ما نسب إليهما من أقوال هي لهما، مثل جميع العقائد والأفكار التي طالها التغيير والتزييف والتزوير عبر التاريخ.
سافر د.عادل إلى مصر والهند وتركيا ومدن أخرى للوقوف على معلومات تاريخية كثيرة، ليس لأجل هذين الشخصين، إنما هو شغف الثقافة وحب العلم وممارسة الرياضة، وما فتئ يجمع بين تلك المعلومات في لقاءاته العلمية والثقافية والطبية مع مختلف المختصين، كما هي قطع الصورة المتناثرة (Puzzle)، وأثبت بما لا يدع للشك مع مجموعة من الأطباء النفسيين أن الحلاج وابن عربي كانا مختلين نفسيا، وكانا لا يعيا بعض ما يقولان ويمارسان من طقوس وملابس، ووصف حالتهما «اضطراب الهوس الوجداني»، وانتهت الرواية.
حرصت على ذكر هذه التفاصيل للإشارة إلى خلاصة مهمة، وهي:
1ـ لا ينبغي علينا أن نحكم على الناس دون معرفة أحوالهم الشخصية والنفسية، والتي انعكست على سلوكياتهم وأقوالهم، وكم رأينا أناساً تغيرت شخصياتهم بتغيير التعامل، أو البيئة، أو بالعلاج.
2ـ أن نمارس عبادة مهمة وهي حسن الظن، وأن يعذر بعضنا بعضا، وأن نحمد الله على نعمة الصحة والعافية.
3ـ كلنا معرض للأمراض النفسية، بسيطها وكبيرها، فاسألوا الله العافية والسلامة.
4ـ يتعرض الشباب للإلحاد والانتحار والانحراف، وهي أزمة متكررة لأسباب نفسية، فلنكن لهم عونا، لا أن نعين الشيطان عليهم.
تعليقات