#رأينا_الآن مترو الكويت .. حقيقة أم خيال أم كذبة كبرى ؟
محليات وبرلمانالآن يونيو 11, 2019, 2:41 م 1603 مشاهدات 0
افتتاحية
من منا يستطيع نسيان المشهد التاريخي للفنان الكبير سعد الفرج في مسرحية "حامي الديار" حينما صرخ وهو يتنبأ بمستقبل الكويت بما فيها من جسور وعمارات وقطارات وعملة جديدة " تطلع من بيتك الصبح بشتك تحت ابطك تركب قطارك، رايح وزارتك خالص دوامك نوطك بو ألفك بجيبك راكب قطارك، رايح فرضتك شاري خضرتك صارف نوطك بو ألفك راكب قطارك راد بيتكم".
في الحقيقة لم يكن هذا المشهد خيالياً بكل ما يحمله الخيال من معنى، مثلما هو حال قصص الخيال العلمي التي تتحدث عن الأطباق الطائرة وغزو الفضائيين، بل كان يحاكي الواقع في كويت الثمانينيات آنذاك، ولسخرية القدر فإن هذا الواقع لا يزال مستمرًا، فمشكلة الازدحام والاكتظاظ السكاني وعدم وجود خطط واضحة للتنظيم الجغرافي والديموغرافي وسوء بنية المواصلات التحتية هي أهم المواضيع التي سخر منها سعد الفرج في المسرحية الشهيرة.
الحديث عن مشروع "المترو" وشبكة القطارات الضخمة التي تضع الكويت ضمن مصاف الدول ذات الجودة العالية في النقل العام وتساهم في حل مشكلة الازدحام المروري المتزايدة لم يكن حديثاً جديداً بل هو مسألة كانت تدور في أروقة التخطيط داخل الحكومة منذ سبعينيات القرن الماضي مع ترسخ كيان الدولة وتزايد أعداد المواطنين والمقيمين واتساع الرقعة الجغرافية – السكانية للبلاد.
لكننا فيما يبدو مع الأسف استمررنا في الحديث دون أن نقرنه بالفعل، وكالعادة عقدت الحكومة اللجان وانتدبت المستشارين وسربت الأخبار للصحف وبشر الوزراء بها كلما طرأ طارئ أو حدثت مصيبة قد تقصيهم من منصبهم الوزاري ولاحت العناوين البراقة تزيّن الصفحات الأولى من الصحف "مترو الكويت في عام كذا وكذا" و "تكلفة المترو قد تكون كذا وكذا" وتارة نجد شركة اسبانية انتدبت لموضوع المترو وتارة أخرى نجد أنها شركة إنجليزية، وتارة يتم الحديث عن خمس مراحل وتارة يتم الحديث عن ٣ مراحل.
وفي عام ٢٠١٢ وافق مجلس الوزراء على مشروع "مترو الكويت" لتصميم وبناء وتشغيل وتأهيل محطات القطارات لمدة ٤٠ عام على أن يكون المشروع شراكة بين القطاعين العام والخاص.
ويصل طول شبكة القطارات داخل الكويت إلى ١٦٠ كيلو ويمر عبر أهم مناطق الكويت بعدد محطات توقف يصل إلى ٧٠ محطة ويرتبط مع مشروع آخر وهو مشروع السكك الحديدية الوطنية الذي يهدف إلى ربط دول الخليج ببضعها البعض عبر السكك الحديدية.
وتقول الحكومة إن المشروع يأتي "توافقاً مع توجه دول مجلس التعاون الخليجي نحو إنشاء شبكة سكك حديدية مشتركة تهدف الى تحسين الاقتصاد وزيادة حجم التجارة وخلق المزيد من الفرص الوظيفية، فإن الهيئة العامة للطرق والنقل البري وبالتعاون مع هيئة مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص تسعى لطرح مشروع شبكة السكك الحديدية وفقا لقانون الشراكة".
وبالفعل، تبدو الكلمات والخطط والرسوم البيانية التي يتم تزويدها للصحف وتسريبها في مواقع التواصل الاجتماعي جميلة ورائعة، لكن التدقيق في البيانات وقراءة الخطط المزعومة ومدى توافقها مع الواقع الإنشائي وعملية البناء على الأرض تجعل المتابع يصاب بالصدمة يعقبها ضحك طويل بسبب كمية الخداع التي تمارس علينا كمواطنين.
فالمجلس الأعلى للتخطيط الذي وعد عبر تصريح تلفزيوني مسجل في قناة المجلس في يناير \ كانون الثاني عام ٢٠١٧ بالبدء في مشروع المترو في الربع الأخير من عام ٢٠١٨ لم ينبس ببنت شفة بعد وصولنا لنصف عام ٢٠١٩ دون دليل حقيقي يدل على وجود شيء اسمه "مترو الكويت"!
نعم أيها المواطنون الأعزاء، منذ موافقة مجلس الوزراء عام ٢٠١٢ وحتى هذه اللحظة ليس هناك دليل مادي ملموس على وجود مترو الكويت، واللجان التي تجتمع والتصريحات التي تصدر والوعود التي يتم تخدير المواطنين فيها هي مجرد استهلاك للكلام وإسراف للحبر والورق على الصحف.
بل إن ما يزيد الطين بلة ويجعل المصيبة مصيبتين هو إدعاء الحكومة الانتهاء من المرحلة الأولى من مشروع المترو في عام ٢٠٢٠ أي بعد أقل من ٦ شهور من موعد كتابة هذه السطور! وهو أمر غير ممكن، بل أمر لا يمكن له أن يحدث حتى في خيالات "حامي الديار" بل إن العقل يصدق وجود المدينة تحت المياه في اليابان التي يزعم أبطال المسرحية أنهم شاهدوها أكثر من تصديقهم لبناء حكومة فشلت في حل أزمة حصى متطاير لمرحلة أولى من المترو في غضون ٦ شهور فقط.
وياللأسف علينا نحن في الكويت حينما نتفاخر على الدول الخليجية الأخرى بامتلاكنا لأدوات رقابية تمنع الاختلاس وتراقب عمل الحكومة وتقوم كالعين الساهرة على مشاريعها، لكن حينما يأتي الجد، وتحين ساعة العمل، تغض هذه الأدوات الرقابية، سواء كانت شعبية أو حكومية عينها على الرقابة، وتؤدي كل وظيفة، سوى وطيفتها الأساسية، الرقابة الصارمة.
فهاهي الدوحة قد افتتحت مؤخراً شبكتها الخاصة للسكك الحديدة المسماة بـ"الريل" قبل موعد انطلاقها المقرر بعام واحد، أما دبي فقد كان لها السبق كما هو العادة فافتتحت محطتها الخاصة للمترو في عام ٢٠٠٩ أي قبل موافقة حكومتنا الموقرة على مشروع السكك الحديد بثلاثة أعوام.
وفي الرياض، بدأت الحكومة السعودية في تنفيذ المشروع عام ٢٠١٤ أي بعد إقرارنا للموافقة "المزعومة" لإنشاء المترو "المزعوم" بعامين، ومن المقرر أن تبدأ الشبكة بالعمل في الرياض هذا العام أو أوائل العام المقبل.
لقد كان فشلنا الذريع في بناء منظومة البنية التحتية سبباً من أسباب إحجام الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" عن منحنا حق المشاركة في تنظيم فعاليات كأس العالم ٢٠٢٢ رفقة دولة قطر بعد موافقة الأخيرة على زيادة الفرق إلى ٤٨ فريق مشارك.
فالوفد المكلف من الاتحاد الدولي أحجم عن هذا القرار بعد أن الأضحوكة الكبرى التي تسمى "بنية تحتية" لدينا ابتداء من المطار وانتهاء بأكبر طرق الكويت الرئيسية.
إن اللوم هذه المرة لا يقع على الحكومة، فنحن قد بلغنا مبلغاً لا نرجو من خيرها ولا نخاف منها شرًا، فلقد غدت في السنوات الست الأخيرة مجرد جهاز بيوقراطي يثقل كاهل الدولة ويساهم في تأخرها بل يدفعها إلى الوراء بدلاً من أن تكون عامل تقدم.
لقد باتت الحكومة اليوم، وليسمحوا لنا بهذا الوصف، مثل موظف قديم تورطت فيه شركة ما، لا يحسن العمل ويرفض الغياب عنه في نفس الوقت، ووجوده لا يفيد بل يضر في بعض الأحيان.
تعليقات