#جريدة_الآن محمد العطوان: حيز مواقع التواصل نسج مؤسسة افتراضية جعلت شكل التدين الشبابي يتفلت من قبضة المؤسسات صاحبة الأدبيات العريقة

زاوية الكتاب

كتب محمد العطوان 811 مشاهدات 0


الراي

يقسم علم الاجتماع الديني المجتمع إلى خمس فئات متداخلة ومتشعبة في تعاملها مع الدين:
الأولى هم الملاحدة المنكرون للوحي والبعث والرسالة والحساب، ويشكلون غالبية في بعض مجتمعات الغرب وأقلية في مجتمعات الشرق.
الشريحة الثانية هم الذين يشعرون أن هناك نظاما وقوة ما تسير هذا الكون، ولكنهم إلى الآن لم يجزموا قناعاتهم.
المتدينون بالهوية والتربية والتنشئة الاجتماعية الذين يحتفلون في المناسبات الدينية، ويتذكرون معانيها مع الجموع في الحج أو الأعياد أو رمضان أو المولد النبوي.
وهناك أيضا المحافظون على فروضهم الدينية والحريصون في تعاملاتهم والمتذكرون للأذكار والمعاني الجميلة.
وأخيراً المتدينون في المظهر والسلوك والآراء، الذين يسعون إلى جعل كل الأشياء حولهم ذات مرجع دلالي واحد، وهو النص وما يحمله من تأويل شخصي أو حزبي أو مؤسسي.
وسأضيف إليهم فئة سادسة تتنقل في شكل التدين بين المراحل الخمس، وهي مرتبطة بخصائص المرحلة العمرية وقيمها، حيث من الممكن أن يكون المرء أو الشاب مع فئة ما في فترة من الفترات، ويقفز إلى فئة أخرى أو يبلور قناعات فردية في خانة جديدة.
وينطبق على الفئات الست السابقة - التي تتعامل مع الدين - ما ينطبق مع التعامل مع أي قضية حساسة ومعقدة، حيث يتمتع المشاركون فيها بدرجات متنوعة من المعرفة والاهتمامات والميول، ولا ندري أين يمكن أن تكون آراؤهم مفتقرة إلى النضج ومتضاربة في المنطق وعرضة للتغيرات والتقلبات.
هناك حركة تدين شبابية مدعومة بأدلة وقراءات واستقراءات من الواقع المحيط بنا منذ سنوات، تميل إلى حركة التدين الفردي الذي يستفتي فيه الشاب قلبه وعقله حتى لو أفتى له كل الجماعات والأحزاب والمؤسسات وأفتوه، ورغم أن كثيرا من الشباب متشبع إعلامياً بخطاب الجماعات الإسلامية الأكثر تنظيماً، إلا أنه أيضاً لم يعد يلقي بالاً لهم كما كان يفعل من كان قبله وأصبحت استجاباتهم أقل تجاه المواقف الموحدة.
إن تفاعل الشريحة الأكبر من الشباب - سواء المتدين أو غير ذلك - مع الأنماط الثقافية والفنية والموسيقية نفسها، يدل كخط أساس على أن التدين الشبابي يتجه إلى المنصات الإعلامية لتحديد ميول التدين والتعامل مع الدين والخيارات السلوكية والفكرية الكونية، التي تتعدى الخطاب الضيق لجماعة ما أو شيخ من المشايخ أو مؤسسة من المؤسسات.
ويبدو أن حيز مواقع التواصل الاجتماعي قد نسج مؤسسة افتراضية جعلت شكل التدين الشبابي يتفلت من قبضة المؤسسات صاحبة الأدبيات العريقة والفتاوى المشهود لها بالطهارة.
ويشير المسح الوطني للشباب إلى أن هناك 40 في المئة من الفئة العمرية من 25 - 34 عاماً يعتقدون أن الدين يشكل هويتهم الشخصية وهوية أطفالهم، ولكن في الوقت نفسه تعتقد الشريحة نفسها وبنسبة 61 في المئة أن هوياتهم تتشكل أيضاً من خلال قيم المواطنة العالمية.
تعتبر ثقافة الشباب الخاصة بهم دون غيرهم هي ثقافة فرعية بحيز كبير، ويشار إليها على أنها طريقة حياة الشباب في المجتمع، والتي عادة ما يتم تحديدها من خلال مواد عينية يستخدمونها ومنتجات يتم استهلاكها وأفكار ومعتقدات يصرحون بها عبر أدوات بديلة أو مساحات معلنة أو غير معلنة.
يلعب الدين دوراً كبيراً في حياة هؤلاء الشباب، سواء عبر قبوله والتكيف معه من الغالبية أو إنكاره ونقده من الأقلية، ولكن يتفق الغالبية من الطرفين أنه لم يعد هناك «عمامة» أو دولة أو جماعة واحدة قادرة على احتواء قناعات الشباب الدينية، وأجد أنه من المبكر جدا التنبؤ بشكل الصحوة الجديدة، بعد أن دفنت الصحوة القديمة نفسها على مرآى ومسمع من الجميع.
ولكن سبحان من بشر زكريا بغلام اسمه يحيى ولم يجعل له من قبل سميا.

تعليقات

اكتب تعليقك