#جريدة_الآن د. عبداللطيف بن نخي: الحذر ممن يضخم إنجازات مجالس سابقة ويبالغ في إسقاط المجلس الحالي
زاوية الكتابكتب د. عبد اللطيف بن نخي مايو 29, 2019, 11:16 م 784 مشاهدات 0
الراي
لا يختلف اثنان على أن مجلس 1992 من أقوى وأكفأ المجالس في تاريخ الحياة البرلمانية الكويتية. حيث إنه جاء بعد تجربتي الغزو والتحرير، اللتين رسختا دور الشعب في إدارة الدولة، وعززتا لحمة نسيجنا الوطني. لذلك تميّز ذلك المجلس بدرجة كبيرة من الانسجام بين أعضائه، وبقوته في تعاونه مع الحكومة. وكان من مظاهر قوته وجود ستة وزراء منتخبين، وتشريع قوانين قبلتها الحكومة بمرارة.
من بين أهم الملفات التي تبناها مجلس 1992 ملف الرعاية السكنية، حيث أقر قانون رقم (47) لسنة 1993 الذي أنشئت بموجبه المؤسسة العامة للرعاية السكنية، وألزمها بتوفير الرعاية السكنية لمستحقيها في مدّة لا تجاوز خمس سنوات بالنسبة للطلبات الجديدة، ولا تجاوز ثماني سنوات بالنسبة للطلبات القديمة.
رغم نواياهم الطيبة وجهودهم المضنية لصالح إقرار القانون، إلا أن أهدافه لم تتحقق، بسبب عدم مراعاتهم لعدد من معوقات تنفيذه. لذلك لجأ المجلس نفسه إلى تشريع قانون مكمّل، وهو القانون رقم (27) لسنة 1995 في شأن إسهام نشاط القطاع الخاص في تعمير الأراضي الفضاء المملوكة للدولة لأغراض الرعاية السكنية.
تميز هذا القانون بتضمنه لبرنامج زمني تفصيلي لمسلسل الإجراءات المطلوبة لتعمير الأراضي، حيث ألزم البلدية تنظيم وتجهيز الأراضي المخصصة لأغراض السكن الخاص، وتسليمها للمؤسسة بمعدل طموح جدا يبدأ بتسليم 30 ألف وحدة سكنية، أي ما يقارب نصف طلبات الإسكان آنذاك، خلال مدة لا تتجاوز ستة أشهر من تاريخ العمل بالقانون. كما حدد البرنامج الزمني تفاصيل أخرى خاصة بدعوة الشركات والمؤسسات المحلية والعالمية لتقديم عروضها لتعمير الأراضي، والمهلة المتاحة لتقديم عطاءاتها... الخ.
ولكن للأسف هذا القانون أيضا لم يعالج بواقعية جوانب أخرى للمشكلة الاسكانية، لذلك لم تتمكن الحكومة من الالتزام بالبرنامج، ليس تقصيرا منها بل بسبب عجزها عن التنفيذ نتيجة لقصور تشريعي. وهذا العجز والقصور تم إثباتهما خلال الاستجواب الذي قدّم في مجلس 1999 إلى وزير الدولة لشؤون الإسكان آنذاك الدكتور عادل الصبيح. حيث كان أول محورين في الاستجواب متعلقين بعدم التزام الحكومة بتنفيذ القانونين أعلاه. ولكن المفاجأة كانت في انتهاء الاستجواب المقدم من أقطاب كتلة العمل الشعبي، بتجديد الثقة بالوزير، رغم أن النائب السابق مسلم البراك كان في تلك المرحلة قادراً على إنهاء الحياة السياسية لأي وزير. ما يهمني في ذلك الاستجواب هو أن أدلة تقاعس الحكومة تجاه القانونين لم تكن مقنعة، وفي المقابل ردود وحجج وأدلة الوزير كانت أكثر إقناعا للمراقب الموضوعي. وهذا ما يفسّر انسحاب رئيس اللجنة الإسكانية النائب أحمد السعدون بعد استماعه لمرافعة الوزير. بل أن ضعف موقفهم كان واضحاً من خلال استعانتهم بمحور التشكيك بذمة الصبيح المالية لتدعيم استجوابهم حول الأزمة الإسكانية. وكان أكثر وضوحاً عندما طالبوا هم - وليس الوزير - تأجيل جلسة الاستجواب.
المراد أن القانونين اللذين كنا نعتقد أنهما إنجازان كبيران لمجلس عظيم، تبين لاحقا أنهما أجمل من أن يكونا حقيقة. ولكن ثقافتنا المجتمعية السياسية في تلك الايام حصّنت النواب المستجوبين وأولئك المعنيين بإقرار القانونين، وجعلتنا نسقط كامل مسؤولية فشل الخطة الإسكانية على الحكومة. ولو طبقنا ثقافتنا السياسية الحالية في تقييم القانونين والمجلس الذي أقرهما لخرجنا بتقييم مقارب لتقييمنا للمجلس الحالي. وهذه الحقيقة يرفضها بشدّة بعض أصحاب الأجندات السياسية.
لذلك أجدد دعوتي للحذر ممن يضخم إنجازات مجالس سابقة، ويبالغ في إسقاط المجلس الحالي... «لأن وراء الأَكِمّة ما وراءها».
تعليقات