الخلاف السعودي-الإماراتي:

خليجي

خلاف سيزول، أم حلقة من حلقات نهاية التاريخ الخليجي؟

4508 مشاهدات 0


 

في حوار معبر في فيلم 'لورنس العرب' أحد روائع ما أنتجته السينما في القرن العشرين يقول عودة أبو تايه شيخ قبيلة الحويطات مخاطبا لورنس :لماذا يجب أن أقاتل العثمانيين ؟

لورنس:من اجل قضية العرب

عودة: ولماذا أقاتل من اجل العرب ؟

يقول ذلك لأن العرب في مفهومه الضيق هم القبائل الأخرى ، التي لم يعرف عدو أو صديق سواها .

 

 وعند تتبع التطور التاريخي لمفهوم أمن واستقرار الخليج العربي، نجد أن عرب الخليج كانوا يعتبرون العرب الآخرون في موانئ البحرين والزبارة ودارين وهرمز وبوشهر ولنجة وبندرريق وراس الخيمة بالنسبة لهم هم العدو والصديق معا مثلما قال الشيخ عودة أبو تايه بالضبط ،حيث حارب آل مذكور من بو شهر العتوب وحارب ناصر الزعابي آل حرمي في البحرين ، وحارب بنوكعب المير ناصر في بندر ريق وهكذا.

ثم دخل البرتغاليون والهولنديون والفرنسيون والبريطانيون المنطقة فعرف العرب ان عدو الأمس هو أخ اليوم في وجه القوى الأوروبية.واكتملت استدارة تلك الحلقة كواحدة من حلقات العلاقات الخليجيةالخليجية .

 

 ثم سيطرت بريطانيا على المنطقة ،ولم تستطع ان تعزل الكيانات الخليجية عن بعضها فقد كانت هناك وحدة اللغة والدين وتشابه التراث والثقافة والعادات والتقاليد والروابط الاجتماعية ووحدة الموقع الجغرافي وتشابه النظم السياسية ومصادر التهديد. حيث تضرب الصلات بين شعوبه بجذورها مرتكزة على الروابط العائلية والقبلية،والفقر الذي وحد طريق بحثهم عن العيش في البحر والصحراء. واستمرت العلاقات الخليجية الخليجية لتكون حلقة أخرى قبل أن نصل إلى حلقة مجلس التعاون لدول الخليج العربية الراهنة .

 

   التعاون بين إمارت الخليج العربي تم على ثلاثة أوجه رغم تداخلها في بعض الأحيان وهي التعاون من خلال سلطات الحماية البريطانية و التعاون الأخوي المباشر تحت الحماية البريطانية  ثم التعاون من خلال المؤسسات الخليجية بعد الاستقلال.   فقد تركت بريطانيا المنطقة في نهاية الستينيات وبعض أجزائها  دون مدارس ولا كوادر بشرية متعلمة ومع ذلك نمت قوة الوعي السياسي بين المثقفين في الخليج في ثلاثينيات القرن العشرين بقيادة التجار والمثقفين خصوصا في الكويت والبحرين ودبي،وفي الخمسينيات والستينيات انتشر الفكر القومي الوحدوي في الخليج، ،ثم ارتفعت وتيرة المطالبة بالوحدة الخليجية خاصة بعد إعلان بريطانيا عن نيتها للانسحاب من الخليج العربي في عام 1968م ،وقد ظهر التعاون الخليجي في  الأزمات مثل  المجابهة السعودية الإيرانية  حول استقلال البحرين ، أوعندما أعلن عبد الكريم قاسم 1961م مطالبته بضم الكويت،وعند قيام دولة الإمارات العربية المتحدة بجهود لجنة وساطة  كويتية سعودية ، بل إن الكويت قد عرضت في عام 1967م أن تقوم سفاراتها في الخارج بخدمة مواطني الإمارات في الخارج .

 

كما كان من أوجه التعاون المشرقة الهيئة العامة للجنوب والخليج العربي،التي بنت  33 مدرسة ومعهدين للمعلمين والمعلمات ومعهدا للدراسات التجارية،وتم إنشاء 4 مستشفيات و5 مستوصفات ،كما أقامت محطة تلفزيون . كل تلك العلاقات الخليجية تمت تحت الحماية البريطانية ، حيث كان من  الملفت للنظر  أن السلطات البريطانية كانت تنظر بحرص شديد إلى التعاون بين الخليجيين، وفي أحيان كثيرة كانت تشجع ذلك التعاون وتراه البديل الأفضل لرياح القومية التي تهب عليها من مصر الناصرية،وعليه كانت بريطانيا تتمنى أن تستقطب جامعة الكويت الطلبة الخليجيون بدل جامعة القاهرة، ،وشجعت قيام الكويت بشراء أسهم شركة الطيران البريطانية العاملة في الخليج، ،وزيادة بث إرسال تلفزيون الكويت ، واستقدام الخبراء من الكويت ، ونشر الثقافة من خلال الصحافة الكويتية.

أما التعاون بين دول الخليج العربي من خلال سلطات الحماية البريطانية فكان  من خلال ما يفرضه البريطانيون من قوانين وإصلاحات واتفاقيات  مثل محاربة ثلاث محرمات هي القرصنة والسلاح وتجارة الرقيق. وقوانين بريطانيا حول المنازعات بين أساطيل الغوص حول حقوق الصيد في البحر،وتسليم الأشخاص المدينين لربابنة سفن الغوص والذين كثيرا ما كانوا يلوذون بالفرار إلى إمارات أخرى، وقوانين الحجر الصحي و مكافحة الجراد الصحراوي  . والتلغراف والبريد البريطاني العام ،ثم جاءت الشركات النفطية ووطنت نظما إدارية مشتركة بين الخليجيين في مجالات الميزانية الحكومية والقضاء والأمن الداخلي أدار بها الخليجيون لاحقا دولهم الفتية عندما توافرت الموارد المالية .
ثم رحلت بريطانيا  ودخلنا في حلقة من حلقات العلاقات الخليجية الخليجية  وكانت في فترة السبعينيات من القرن العشرين وهي فترة الطفرة النفطية ، حيث نجد  التعاون بين دول الخليج العربي من خلال المؤسسات الخليجية بعد الاستقلال  ومنها على سبيل المثال لا الحصر، شركة طيران الخليج1950م، الحوض الجاف1968م، للجنة الدائمة للاتصالات لمنطقة الخليج1971م، مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك1976م، مكتب التربية العربي لدول الخليج1976م، شركة الملاحة العربية1976م ،و اتحاد غرف الصناعة والزراعة الخليجي 1979م وغيرها 33 مؤسسة خليجية مشتركة حتى عام 1981م وهي سنة قيام مجلس التعاون .

 

ونلاحظ من حركة الأحداث في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين أن الترابط الخليجي بشكل مؤسسي كان قائما بالفعل،ولا ينقصه إلا الهيكل التنظيمي، بل إن التنظيم كان معروفا لدى سياسيي المنطقة،ولم يكن التعاون ينتظر إلا إطلاق أسم على المولود الموجود بين يديهم، وكانت رعشة الخوف التي انتابت الخليجيين من جراء الثورة الاسلامية في ايران ثم الحرب العراقية الإيرانية كافية للاجتماع واستخراج شهادة ميلاد باسم مجلس التعاون لدول الخليج العربية .

 

يقول فرانسيس فوكوياما إن الإنسان قد تطلع منذ معركة هابيل وقابيل إلى الرغبة في الاعتراف ثم التقدير،وأن الديمقراطية الحرة  تشبع كرامة الإنسان وتعطيه الاعتراف والتقدير،وعليه فقد حققت الحضارة الغربية الراهنة ذلك ولن تأتي الحضارات القادمة بشي جديد فقد وصل الإنسان الى نهاية طموحه وهي نهاية التاريخ . ولو استعرنا ذلك من منظر المحافظين الجدد وطبقناه  على مجلس التعاون لدول الخليج العربية لوجدنا ان المسئولين في دول مجلس التعاون يعتقدون ان هذه المنظمة الإقليمية بانجازاتها الحالية قد حققت ما حلم به الإنسان الخليجي طوال نضاله في سبيل التعاون الخليجي وماسوف يأتي فلن يخرج عن القوالب الخليجية القائمة،فالهيئة الاستشارية التي هي البعد الشعبي للمجلس يتم تعيين أعضاءها بدل انتخابهم، والسيادة القطرية لا زالت أمضى حدا من السيادة الإقليمية ،وطريقة اختيار مقر للبنك المركزي الخليجي في دولة الامارات العربية المتحدة أو المملكة العربية السعودية ،او اية مؤسسة خليجية اخرى لا زالت دون ضوابط محددة ومعروفة تحد من(الزعل الاخوي) وعليه فتلك نهاية التاريخ الخليجي . ومن جهة أخرى يمكننا القول إن 28 عاما قد مضت  على مجلس التعاون وهو يسير بنفس الوتيرة حتى أصبح من اليسير على تلميذ مدرسة ثانوية أن يتنبأ بأنماط الاستجابة من الأمانة العامة على كل حدث في الخليج .فقد استنفذ المجلس جهده في إكمال الحلقة المرسومة له في العلاقات الخليجية الخليجية، وعلينا ان نبحث عن حلقة جديدة من حلقات التعاون الخليجي غير مجلس التعاون لدول الخليج العربية .


 

 

د.ظافر محمد العجمي – المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج

تعليقات

اكتب تعليقك