#رأينا_الآن انهيار التعليم ينذر بانهيار الدولة
محليات وبرلمانالآن مايو 19, 2019, 11:37 ص 966 مشاهدات 0
افتتاحية
التعليم .. لا شك أن التعليم هو أساس كل أمة وكل شعب يطمح إلى أن يكون شعباً رائدًا ينافس الأمم والشعوب الأخرى، ولا يقوم التعليم في أي مكان حول العالم وينهض إلا عبر إرادتين، إرادة شعبية تتمثل في منظمات المجتمع المدني والمجاميع المدنية ، وإرادة سياسية تأتي من قبل جانب القوى السياسية والحكومة .
لكن واقع الحال في الكويت يختلف اختلافاً كبيراً ، فالحكومة التي تتحكم بالعملية التعليمية من الألف إلى الياء لم تكتف بإهمال التعليم ، بل قامت بتدميره وسحقه ، حتى غدى النظام التعليمي الكويتي من المدرسة الابتدائية إلى الجامعة مثار سخرية من حولنا في دول الجوار، وبات التعليم الكويتي تعليماً "مغشوشاً" كما هو الحال في بعض الدول العربية التي قمنا باستيراد أسوأ الطاقات العمالية فيها ثم قمنا بتوجيهها نحو تدريس أبنائنا ووضع المناهج والتحكم بالتعليم كاملًا.
إن أهم مظاهر انحطاط التعليم في الكويت هو سوء المناهج التي يتم تدريسها والتخبط في وضعها، ففي سنة من السنوات يقرر عباقرة وزارة التربية تلقين الطلاب القصائد وتحفيظهم إياها، ثم يقررون في السنة التي تليها أن التحفيظ والتلقين لا يناسب الطلاب فتُلغى شروط حفظ القصائد ويتخرج الطالب من مادة اللغة العربية وهو لا يحفظ شيئاً فضلاً عن كونه لا يجيد القراءة الفصيحة البليغة أصلاً.
ودونكم المعلمون الكويتيون لتسألوهم عن "منهج الكفايات" الذي قررته وزارة التربية، ليجيبكم الأكثر بأن المعلمين فضلاً عن الطلاب لا يعرفون منهج الكفايات ولا طريقة تطبيقه وتدريسه، فكيف لوزارة تحترم نفسها، وجهة هي المؤتمنة على التعليم أن تقوم بكل هذا التخبط في المناهج الدراسية دون وجود محاسبة لها من قبل أي جهة رقابية؟!
وليست المناهج هي المشكلة الوحيدة، فالمباني والمرافق والمدراس، كثير منها بات اليوم غير آهل للاستخدام الآدمي، فما بالكم بدراسة الأطفال فيها، إذا علمنا أن المدرسة يفترض بها أن تكون مكاناً هادئًا ووادعاً ولطيفاً مثل المنزل، لا أن تكون مثل السجن بأسواره العالية، وليشاهد القارئ مع بداية كل عام دراسي مناشدات المدرسين والمدرسات في الصحف وفي مواقع التواصل الاجتماعي التي تطالب وزارة التربية بإصلاح التكييف في المنطقة الفلانية، أو ترميم الجهة الفلانية من المدرسة الفلانية بسبب أنها آيلة للسقوط على الطلاب، مع العلم أن ميزانية وزارة التربية السنوية تبلغ ٢،٢ مليار دينار كويتي، وهو رقم مهول بكل المقاييس.
ومن المعروف أن دول العالم تسعى لجلب أفضل الكفاءات التعليمية لتدريس أبنائها ولتطوير نظامها التعليمي، لكن العكس تماماً هو ما يحدث في الكويت، فوزارة التربية ترسل كل عام وفوداً للدول المتخلفة دراسياً والتي يكون ترتيبها أدنى من ترتيب الكويت في مؤشرات جودة التعليم وتجلب منها مئات المدرسين في التخصصات الصعبة والدقيقة مثل الفيزياء والكيمياء، حيث أشاع هؤلاء المدرسون، بالتعاون مع وزارة التربية التي تهاونت معهم، أشاعوا ثقافة التدريس الخصوصي التي أدت إلى تدمير التعليم وإنهاء قيمة المعلم داخل الفصل الدراسي.
وحتى لا نُتهم بالعنصرية وإلقاء اللوم على بعض الفئات من المعلمين، فإن الأمر لا يختلف كثيراً في المدارس الأجنبية الخاصة، التي تكلف أولياء الأمور عشرات الآلاف من الدنانير، فالمهازل هناك أكبر، إذ يقوم خريج تسويق بتدريس الطلاب اللغة الإنجليزية والأدب، ويقوم خريج الرياضيات بتدريس الطلاب الكيمياء، وهو ما يدل على أن سبب سوء المعلمين وفشلهم هي وزارة التربية وسوء اختياراتها في التعليم الحكومي، وضعف رقابتها في التعليم الخاص.
أما الحديث عن مؤشرات التعليم، فهو حديث ذو شجون، فالكويت بفضل العباقرة الذين يديرون العملية التعليمية حطمت كافة الأرقام القياسية في المؤشرات المنخفضة تعليمياً، وبات وجودنا سنوياً في ذيل قائمة مؤشر جودة التعليم أمراً لا يمكن نسيانه، فالكويت تحتل المركز الـ٩٥ من أصل ١٣٧ في آخر أحصائية لجودة التعليم، ناهيك عن عشرات الإحصائيات الأخرى المتعلقة بالمناهج وجودة الطلاب ومدى معرفتهم بالرياضيات والفيزياء، وعند السؤال عن آلية تعامل وزارة التربية مع هذه الإحصائيات، لن نجد جواباً واحداً عن كل هذا، لأن الوزارة بكل بساطة لا تهتم بالتعليم.
والطامة الكبرى في فشل السياسات التعليمية هو ما أثير مؤخراً في موضوع الشهادات المزورة، حيث اكتشفت الحكومة أخيراً أن هناك عشرات الشهادات المزورة في بعض مؤسسات الدولة التعليمية والتي تعود لأعضاء هيئات التدريس فيها، كما أن وزارة التعليم العالي صادقت على مئات الشهادات المزورة للعاملين في قطاعات الدولة المختلفة لأشخاص من كافة الجنسيات، بل اعترفت الوزارة في سنة من السنوات بجامعة ليس لها مقر أو وجود في اليونان!
إن تدهور التعليم في الكويت وانحطاطه لم يعد مقتصراً على المناهج أو المباني الآيلة للسقوط رغم الترميمات الواسعة أو سوء الطاقات التدريسية أو الشهادات الجامعية المزورة ، بل إن السبب الرئيسي بالإضافة إلى الأسباب السابقة هو تحول وزارة التربية إلى مصدر استنزاف للدولة عبر مصاريفها الضخمة التي يمكن تلافيها بعد تفكيك الكثير من أجهزتها البيروقراطية وتحويلها إلى إدارات مستقلة مع وجود هيئة تنسيقية عليا، وهذه الإدارات المستقلة يمكنها أن تركز في عملها سواء كانت إدارة لتطوير المناهج أو إدارة لدفع الرواتب أو إدارة للإنشاء والتطوير دون ارتباط معقد ببقية الوزارة كما يحدث الآن.
حان الوقت لأن تجلس الحكومة مع نفسها، وتضع استراتيجية جديدة للتعليم، تفصل بين كتابة المناهج وطرق التدريس، وبين الإدارة الروتينية لأعمال الوزارة من إنشاءات ومقاولات ورواتب وغيرها، بشرط أن تعلن الحكومة عن هذه الاستراتيجية كاملة أمام الشعب، ويصوت عليها مجلس الأمة، بعد مناقشة شعبية ونيابية، وبعد سؤال كافة الخبراء التربويين الأكفاء الذين اختارت وزارة التربية تهميشهم لسنوات طويلة وعدم سماع آرائهم.
إن أي مشروع سياسي أو اقتصادي تطمح الحكومة إلى بنائه يجب أن يتضمن الجانب التعليمي ومسألة الاهتمام به، وإلا فإننا سنكون مثل من يشتري مكتبة ضخمة لطفل لا يجيد القراءة، ولا يكلف نفسه عناء تعليم هذا الطفل القراءة.
#شرح_الصورة :
رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك في الأعلى وعن اليمين وزير التربية ووزير التعليم العالي حامد العازمي ووكيل وزارة التربية سعود الحربي
تعليقات