#جريدة_الآن محمد العطوان: العفو الشامل وسباق الديات!

زاوية الكتاب

كتب محمد العطوان 863 مشاهدات 0


الراي

لنفترض أن شخصاً ما اقترف جريمة منكرة - قتل أو سرقة أو حتى كتابة مقال سيئ من تلك التي تأخذ صاحبها إلى الجحيم - ومضت عشر سنوات قبل أن تلقي الشرطة القبض عليه بفضل «البصمة الوراثية».
فإذا فقد هذا الشخص كل ذكرى تتعلق بالجريمة، بعد تعرضه لحادث سيارة خطير خلال تلك الفترة، لدرجة انه لم يبق ولا «فجوة» في الذاكرة تشير إلى أن شيئاً ما قد حدث ولم يعد يتذكر منه شيئاً إطلاقاً.
هل يكون من العدل أن يدان هذا الشخص في صيرورته الجديدة من أجل جريمة ارتكبت في الماضي؟
وهل هو الشخص نفسه الذي اقترف الجريمة؟ ما من شك بأنه هو الكائن البشري والجسد الذي اقترف الجريمة، ولكن هل يمكن القول إن الشرطة قد أوقفت المرتكب؟ ألا يجب أن نقول - بالأحرى - إن المرتكب قد مات في حادث السير الذي كلفه ذاكرته؟
تبدي هذه التجربة الذهنية جيداً وجود رابط بين الهوية الشخصية وبين الذاكرة.
هل نعبر الزمن بواسطة ذاكرتنا أكثر مما هو بواسطة جسدنا؟
أم نعبر بجسدنا أكثر من ذاكرتنا؟
هل سجن الجسد المتورط في الفعل الإجرامي، هو ذاته توقيفاً للشخص الذي اقترفه؟
ولو افترضنا أن هذه الجريمة كانت جريمة قتل، فما هو موقف محامي القاتل ومحامي المقتول؟
ما موقف أناء القاتل والمقتول؟
كيف يرى الجيران الأمر....وما هو رأي الإعلام؟
إن هذه التجربة أيضا تأخذنا لتساؤلات أبعد من ذلك وتتعلق بحياتنا اليومية، إنها تأخذنا لأفعالنا التي أصبحنا الآن نتذكرها جيداً... وفي كل مرة نقول:
- لو عاد بي الزمن لما فعلت ذلك.
إنها تأخذنا أيضا إلى التوبة الصادقة، من كونك لم تكن لطيفاً كما ينبغي أن تكون مع أقرب الناس إليك، وتأخذنا للشباب المشارك في عمليات خلال الربيع العربي أدت بهم إلى السجن أو الهجرة، وتأخذنا إلى كل الراغبين في العودة إلى أوطانهم بعد رحلة الربيع العربي، والذي تحول إلى كابوس دموي، وتأخذنا أيضا إلى مفهوم الشاب ومعنى الشباب والمراحل الانتقالية التي تحدث لهم أثناء عبورهم من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرشد.
هناك فيلم قديم بعنوان «12 رجل غاضب» أنصح جميع القراء بمشاهدته، والتأمل في الرسائل التي سعى المؤلف إلى إيصالها، ومنها ضرورة طرح السؤال بعيداً عن أهمية الإجابة.
ولأنني أقف الآن في طابور الجمعية وقد اقتربت كثيرا من «الكاشير»، ويجب أن أتوقف عن الثرثرة - رغم أن شهيتي مفتوحة لها - ولكن دعونا نفترض أن هناك شاباً وشابة يجلسان منفصلين في مطعم صباحي، ومن على بعد أربع طاولات يطلب الشاب من الفتاة أن تشاركه اللاشيء الموجود على طاولته، فتبتسم وتطلب منه أن يشاركها كل الأشياء الموجودة على طاولتها، فيتزوجها بعد أربع سنوات، ولمدة عشر سنوات زواج كان يقتلها كل يوم، ويجعلها شمعة تحترق من الجانبين، ولم يعد يتذكر متى آخر مرة قال لزوجته أحبك أو قالت له زوجته... أحبك.
ثم تعرض لحادث غريب - ذات مساء - حيث ارتطم رأسه بعمود إنارة في شارع جانبي... انطفأ العمود وأضاءت روحه.
فسقط على الأرض مغشيا عليه، ولكنه ظل مفتوح العينين يحدق في «وعيه» وهو يخرج منه متمثلاً في صورة وحش بعشرة رؤوس وعين واحدة وبلا أذن أو حاسة تذوق!
وعندما أفاق... كان إنساناً آخر بوعي جديد تماماً.
فهل يستحق الأمر التوقف قليلاً.
قد يأخذ الأمر نقاشاً طويلاً حول مرتكب الجريمة أو الزوج المسيء أو الراغبين في العفو الشامل أو الخاص، ومدى حقيقة التغير الذي طرأ عليهم جميعهم وعلى وعيهم، ولكن إلى أي مدى نحن في حاجة إلى طرح مثل هذه التمارين الذهنية في وقت أعتقد أننا سندخل فيه زمن سباق «الديات»، لكل الذين ارتكبوا جرائم قتل ورغم ذلك سيخرجون بمبالغ مالية؟
أليس رمضان كريماً على الجميع؟

تعليقات

اكتب تعليقك