#رأينا_الآن إثارة قضايا الجنسية .. لعبٌ بالنار

محليات وبرلمان

الآن 810 مشاهدات 0


افتتاحية الآن 

يعيش بعض نواب مجلس الأمة اليوم حالة كبيرة من التخبط السياسي مما أدى لبروز التناقضات الكبيرة في خطابهم السياسي أمام الشعب وتقديمهم لمعلومات مغلوطة لا تستهدف سوى تجييش الشارع الانتخابي والحصول على أكبر قدر ممكن من الانتباه دون مراعاة أمن الوطن وهويته وسيادته ووحدته بل وحتى سلمه الداخلي .



وكان من أكثر الأشياء التي تدعو للدهشة والتعجب، وتجعل الولدان شيباً، هو تقديم بعض النواب لمقترح بإنشاء هيئة للهوية الوطنية تختص ببحث قضايا الجنسية الكويتية، وإدعاء وجود ٤٠٠ ألف جنسية كويتية مزورة ودخيلة، والمطالبة بسحب هذه الجناسي بعد البحث والتدقيق في ملفاتها.

المضحك في الموضوع والمبكي في آن واحد، أن الكثير من مقدمي هذا الاقتراح – الذي سنبين أثره الكارثي على الكويت – قد رفضوا قبل مدة ليست بالبعيدة مقترحاً تقدم به أعضاء آخرون بالسماح للقضاء ببسط سلطته وولايته على الجنسية ببحث قضايا الجنسية وقضايا سحبها بالتحديد من المواطنين، واليوم يدعون حرصهم على الهوية الوطنية! لكنه التناقض والتخبط.

إن هذا المقترح بإنشاء هيئة للهوية الوطنية، مع رفض تدخل القضاء في قضايا الجنسية، يعني أن هذه الهيئة ستتحول إلى سيف مسلط على رقاب الكويتيين، والهدف منها بالطبع هو جعل كل مواطن كويتي، مهما علت رتبته أو مكانته الاجتماعية أو ثروته، صيداً سهلاً، وعرضة للابتزاز في أهم ما يملك الإنسان في وطنه، وهي مواطنته وانتماؤه وانتماء أبنائه وأحفاده من بعده، وستكون هذه الهيئة التي يثير اسمها الشك، ويثير المبشرون بها الريبة، ستكون كياناً موازياً للأجهزة المختصة بالدولة، وستصبح مثل الجهاز المركزي للمقيمين بصورة غير قانونية، يعمل بأمر نفسه، ويضرب توجيهات الحكومة، ووزارة الداخلية تحديداً بعرض الحائط.


وبالتالي، وبدلاً من أن نقوم بحل مشكلة الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية، والذي عقّد المشكلة، وأدخلها في نفق مظلم بسبب عدم التنسيق مع الحكومة، فإننا سننشئ جهازاً مركزياً خاصاً للكويتيين، لنوسع نطاق الأزمة من ١٢٠ ألف بدون، ونضيف عليهم أكثر من مليون ونصف مليون مواطن!

إن الادعاء أصلًا بوجود ٤٠٠ ألف مزور للجنسية داخل الكويت، يعني أن أكثر من ثلث المواطنين مزورين، وأن من بين كل ١٠ أشخاص تصادفهم في الشارع كل يوم ٣ مزورين! وهو أمر لا يمكن لأي عقل أن يتقبله، بل وإن كل مواطن بسيط لا شأن له في السياسة يعي أن هذا الاقتراح بتأسيس الهيئة الوطنية، وهذه الأرقام التي يحاول هؤلاء ترويجها هي محض خيال ومحاولات زائفة لتهييج الجماهير واستعطاف الدعم والحصول على أصوات في الانتخابات.



إن استسهال إصدار قوانين خطيرة من أجل تهييج الشارع وكسب أكبر عدد من الأصوات لن يؤدي إلى حدوث انقسام كبير داخل البلد فحسب، بل يؤدي إلى تشويه صورة الكويت أمام المجتمع الدولي، وستصير الكويت -الدولة التي تلاحق مواطنيها في انتمائهم وهوياتهم وتشكك فيهم – وإذا أردتم أن ندلل على فشل هذه الهيئات التي تعبث بالهوية الوطنية بدلاً من أن تحميهم، فدونكم الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية كما أسلفنا! انظروا إلى نتائجه ومعطياته في أرض الواقع واحكموا، لقد ضرب توجيهات الحكومة بعرض الحائط وأدخل المشكلة في نفق مظلم لن يخرج فيه أي طرف بانتصار، وجلب سخط منظمات حقوق الإنسان على الكويت.


وإذا أردتم أن ندلل عن الحرج الذي تسببه هذه القوانين في الكويت، فدونكم قانون البصمة الوراثية الذي مرره المجلس السابق بموافقة الجميع تقريباً، والذي تحول إلى فضيحة عالمية لسمعة الكويت، حتى أن أساتذة القانون حول العالم لم يصدقوا أعينهم حينما قرأوا مشروع القانون وانتهاكه الفاضح لخصوصية الناس وبيوتهم وكأنهم مجرمون مدانون، حتى أبطلت المحكمة الدستورية هذا القانون لعدم دستوريته في حكم قضائي يشهد له التاريخ بالعقلانية والمحافظة على الدولة ومكتسباتها من جنون اللاهثين خلف سعار الأصوات الانتخابية.


ولن ينكر أحد وجود حالات تزوير وفساد في ملف الجنسيات، ففي كل مكان يحدث التزوير والتبديل والتزييف، لكن الحل سهل وبسيط، وسبق له أن قُدم من النواب ورُفض من الذين يتباكون على الهوية الوطنية ، وهو تمكين القضاء من النظر في أمور الجنسية من تجنيس وسحب ومنح وكشف للتزوير والتلفيق والتبديل، أم أن هؤلاء النواب لا يثقون بالنظام القضائي الكويتي؟ وهل يريدون بنا أن نترك القضاء ونثق بنواب يقدمون مقترحات، ثم يقومون بالتصويت ضدها في قاعة البرلمان؟ إنه لأمر عجاب.


لقد بات ملف الجنسية الورقة الرابحة لملوك "الكوميدي شو" من بعض السياسيين الذي انتخبهم الناس لتمرير القوانين التي تفيد المواطنين وقضاء حاجياتهم ومصالحهم، فتحولوا لما يشبه الممثلين الهزليين، يقولون رأياً ثم يخرجون بعد أقل من أسبوع ليناقضوه برأي آخر، وسط لغة مليئة بالعاطفة لا تقدم أي حقائق ملموسة.

وبات من اللازم على الجميع، من حكومة وبرلمان ومواطنين من كافة الفئات والانتماءات أن يجتمعوا على كلمة واحدة لإغلاق هذا الملف بشكل نهائي وإعطائه إلى يد أمينة لا تقبل التدخل أو الوصاية ولا يمكن للباحثين عن المجد الشخصي أو الصوت الانتخابي التحكم فيها وهي المؤسسة القضائية.

أما إن استمر الوضع على ماهو عليه اليوم، فإن هذا السلاح النووي، وهو ملف الجنسية، سيقع في يوم من الأيام بيد سفيه من السفهاء أو شرير من الأشرار وسيمزق البلد إلى قطع صغيرة مفتتة، ليرضي غروره، أو ليطبق أهدافه، أو ليحصل على أكبر عدد من الأصوات في انتخابات هي أمام الوطن: لاشيء.

لا تستغربوا أيها القراء الأعزاء من إثارة مقترحات عقيمة وخطيرة مثل هذه المقترحات في مثل هذه الأوقات، فالبعض على استعداد لأن يحرق البلد ويثير الفتن فيه مقابل زيادة مئتي صوت في صندوق من الصناديق الانتخابية ليعزز حظوظه بوصول البرلمان، وكأن الغاية الكبرى هي الوصول للكرسي لا الإصلاح الحقيقي.

تعليقات

اكتب تعليقك