#رأينا_الآن من الخطورة المضي بمشروع قانون " إقليم الحرير " : يلغي السيادة ويبعثر الأموال العامة
محليات وبرلمان"الفوائد المرجوة مجرد وعود لا يمكن تخيل تحقيقها "
الآن إبريل 23, 2019, 2:34 م 929 مشاهدات 0
افتتاحية الآن
سنوات طويلة ونحن نحلم في الكويت بالتحول من دولة ريعية تعتمد على مصدر واحد للدخل وهو النفط الذي تمر أسعاره كما تمر أسعار أي سلعة في العالم بتقلبات كبيرة بالإضافة إلى كونه سلعة ناضبة ، إلى دولة اقتصادية ناجحة تحوّل مأزق موقعها الجغرافي بين الدول الكبرى في المنطقة إلى استثمار ناجح ، وتجعل نفسها محطة عبور وتبادل تجاري كما كانت كذلك قبل اكتشاف النفط بسنوات طويلة.
ومنذ استماعنا للهمسات وظهور الشائعات والألغاز حول مشروع "مدينة الحرير" - الذي تحول إلى "إقليم" فيما بعد - تأملنا خيراً بوجود قيادات افكر بتطويع موقعنا الجغرافي الصعب والحرج ، وتحويله إلى نعمة عبر بناء الموانئ والجسور وفتح مجالات الاستثمار في الكويت وتمكين الرأسمال الأجنبي من العمل في البلاد بأريحية تامة، وليس كما يحدث اليوم من تطفيش الاستثمارات الأجنبية والتضييق عليها.
لكن نشر مشروع قانون "إقليم الحرير" في إحدى الصحف وقراءة الكويتيين له ، جعلتهم يصابون بصدمة كبيرة، صدمة أدت بهم إلى الاستفاقة من حالة الحلم التي كانوا يعيشونها طوال سنين على أمل أن يكون هذا المشروع بادرة لتخليص البلاد من سطوة النفط ومن سطوة "دولة السلعة الواحدة" ، فتبين أنه يخلص البلاد من سطوة النفط ليسلمها إلى سطوة المستثمرين الأجانب، سماسرة شركات الاستثمار العالمية ذوي البدلات الرسمية، الذين لا يعرفون في الحياة سوى شيء واحد، تعبئة جيوبهم وخزائن شركاتهم بأكبر قد ممكن من أموال الدول "الساذجة" في الخليج والعالم.
لقد احتوى مشروع القانون المقدم على طوام كبيرة، فهو يشجع صراحة وبشكل علني على تقسيم البلد لدولتين، حتى أن التسمية لم تكن موفقة أصلاً، فلقد تحولت من "مدينة الحرير" أو "مشروع الشمال" إلى "إقليم الحرير" وهو أمر لا يحدث إلا في الدول التي تكثر فيها النزعات الانفصالية ودونكم "إقليم كردستان" في شمال العراق أو "إقليم البصرة" الذي يحاول أهل جنوب العراق تأسيسه على حساب الدولة المركزية في بغداد ! وهذه هي الطامة الأولى !
ويحق للمواطن الكويتي الذي بح صوته وهو يطالب الحكومة بتكويت المناصب الاستشارية والقيادية التي سيطر عليها بعض الوافدين، يحق له أن يتساءل عن الفائدة المرجوة من "إقليم الحرير" إذا كان "يجوز" أن يكون محافظو "الإقليم" السبعة من جنسيات أخرى، وله الحق في أن يتساءل عن الهدف في إمكانية جعل "المدير التنفيذي" للإقليم غير كويتي، فإذا كانت المناصب العليا لغير الكويتيين فما الذي سيحدث للوظائف العادية؟ الأكيد أنها ستعج بغير الكويتيين بحجة الكفاءة والخبرة وغيرها، مما يجعل الهدف الرئيسي المعلن للمشروع وهو "توفير الوظائف للكويتيين" غير صحيح لأنه غير متحقق ويدفعنا للبحث خلف الأسباب الخفيّة لذلك ! وهذه واحدة من طوام الاقليم !
ولنفرض أننا تجاهلنا مسألة توظيف الكويتيين، وأن "سادة إقليم الحرير" قاموا بحل هذه المشكلة، فماذا عن السيادة؟ أين هي السيادة الوطنية إذا كنا سنسمح لمدراء الشركات العالمية بالتحكم في نصف أراضينا الوطنية في الشمال، بل وبالتحكم بالموانئ وحركة النقل البري والجوي، والسماح لهم بتوقيع الاتفاقيات مع البنك المركزي! نعم توقيع الاتفاقيات بين "إقليم" داخل البلد وبين بنك الدولة المركزي للسماح للدينار بالتداول! وكأننا بحاجة لإذن بأن نستخدم دينارنا على جزء من أراضينا ! وهذه طامة ثالثة من طوام الاقليم !
إذاً ماذا استفدنا من الاستقلال - الذي مضى عليه نحو اكثر من ستة عقود من الزمن - إذا كنا سنسلم مقدراتنا وأملاك الدولة من أراضٍ وموانئ وبنية تحتية لصالح المستثمرين الأجانب ونعطيهم إعفاء ضريبياً مدته عشر سنوات قابلة للتمديد وفق ما يقول مشروع القانون؟ وماذا إذا تعارضت المصالح الوطنية البحتة مع مصالح هؤلاء المستثمرين الأجانب؟ لمن تكون كلمة الفصل؟ للقضاء داخل "إقليم الحرير"؟ هذه هي الطامة الرابعة ! فلتسمع أيها المواطن الطامة الأخرى.
إن القضاء في "إقليم الحرير" مؤسسة خاصة، لها أحكامها الخاصة وقوانينها الخاصة وبنص العبارة فإن الإقليم له "استثناء من القانون رقم 23 لسنة 1990 في شأن تنظيم القضاء وتعديلاته" ويشترط في جميع العاملين من قضاة ووكلاء نيابة أن يجيدوا اللغة الإنجليزية، ويجوز للإقليم أن يوظف القضاة الأجانب لديه للعمل وفق قوانينه الخاصة لا قوانين دولتنا !
أما نضال الشعب الكويتي الطويل، واستجوابات النواب الوطنية الكبيرة تجاه سراق المال العام والمتلاعبين به فإنها ستضيع وستصير هباءً منثوراً لأن المشروع المزمع تدشينه يعطي "الإقليم" استثناءات من قانون المناقصات العامة ومن قوانين أمن الدولة! ولن تمتد أي يد رقابية للإقليم ، وسيحق للتجار الأجانب والمستثمرين الذين يقومون بتعيين الرئيس التنفيذي الأجنبي والمحافظين الأجانب ببيع أملاك الدولة لكل تجار الأرض بثمن بخس نظير عمولات وصفقات الله أعلم بها، والشعب الكويتي الذي يبحث عن قطعة أرض يسكن عليها بعد أن أعيته القروض والإيجارات ليس له نصير إلا الله.
وبالطبع فإن "الإقليم" لن يكتفي بإنشاء نظام قضائي وأمني خاص به، بل إنه يفرض الضرائب والرسوم والخدمات، ويقوم بتحصيلها بنفسه، وهذه السمات هي من سمات الدولة المستقلة ! أي أن الإقليم قام بكل شيء يجعله دولة لكن دون أن يسمي نفسه دولة.
إن القصة باختصار أيها القراء الأعزاء، بعد تمحيص وتدقيق، وبعد قراءة سياسية وقانونية واقتصادية سريعة ، فإن خلاصة المشروع "بالعربي الفصيح" هو أن تقوم الدولة بتسليم نصف أراضيها للمستثمرين الأجانب بعد أن تقوم ببناء البنية التحتية لهذه الأراضي، وتترك هؤلاء المستثمرين يبيعون في أملاك الدولة ويعبثون بها، وإذا احتاجوا لحماية أمنية قمنا بنجدتهم، وإذا احتاجوا لسيولة نقدية قمنا بمدهم، والنتيجة؟ أننا ندفع لمن يتعدى على سيادتنا دون أن نحصل على مكسب واحد، اللهم مكسب "البهرجة" التي لن تعطينا كسرة خبز حتى !
إن التفريط بأموال الشعب خطيئة لا تحتمل، لكن التفريط بسيادة البلد، وخصخصة نصف أراضيها هو خطيئة الخطايا، وضربة بالرأس لن نصحو بعدها أبداً، لذلك فإن المناشدة للمواطن الكويتي قبل غيره، أرجوك استفق "إن الملأ يأتمرون بك".
تعليقات