#جريدة_الآن حسان القبي: قراءة في حريق كاتدرائية نوتردام دوباري
زاوية الكتابحسان القبي إبريل 17, 2019, 9:21 م 487 مشاهدات 0
بالعودة إلى حادثة حريق كاتدرائية نوتر دام باريس هي ليست اول حريق تشهده العاصمة الفرنسية باريس في المدة الأخيرة, فبعد حريق المخبزة في الدائرة التاسعة و الحريق الذي تلاه انفجار في الدائرة التاسعة عشر، جاء حريق كاتدرائية باريس ليلامس الذاكرة الجماعية ليس للشعب الفرنسي فقط بل لكل سكان العالم خاصة من زار منهم هذا المعلم الأثري الرائع الذي يحكي خصوبة و جمال الهندسة المعمارية التي إمتدت على مدى أكثر من سبعة قرون، تراكمت من خلالها العديد و العديد من الأعمال الفنية سواء كانت الهيكل الخارجي للبناية أو التماثيل العظيمة للسيدة العذراء و السيد المسيح و العديد العديد من القديسين، زيادة على اللوحات البلورية التي تعود لميئات السنين حاول من خلالها الفنانين تصور الزهور في العالم الأخر أي الجنة من دون مغادرة عالمنا هذا.
فيكتور هيغو الذي عاد هو الآخر للذاكرة الجماعية الفرنسية خلال أحداث السترات الصفراء من خلال رواية البؤساء و
بالعودة إلى الحدث، إستحضرت الذاكرة الجماعية للشعب
الفرنسي الأعمال الأدبية للكاتب فيكتور هيغو في notre dame de Paris أو أحدب باريس التي ترجمها الكاتب المسرحي ليك بلاموندون الي مسرحية غنائية سنة 1998.
هذا الحريق الذي مس معلما دينيا للمسيحيين الكاتولكيين دفع بالعديد من رجال المال و الأعمال لتقديم المساعدات المالية لترميم الكاتدرائية، حيث أفتتح رجل الاعمال و زوج الممثلة الشهيرة سلمى الحايك مزاد المساعدات بمبلغ قدره 100 مليون أورو تلاه بعدها مجمع LVMH للماركات الشهيرة بمبلغ 200 مليون أورو إضافة إلي عمدة باريس التي تعهدت بمساعدة مالية ب 50 مليون يورو، ليبقى الوازع الديني أفيونا للشعوب سواء في العالم العربي أو الغربي على حد السواء، نفس هاته الشركات و خلال أزمة السترات الصفراء التي تزامنت مع أعياد الميلاد لم تقدم سوى 100 أورو لعمالها كهدية رأس السنة و الفرق شاسع بين 100 أورو و 100 مليون أورو.
أما على المستوى الدولي فقد غرد كعادته دونالد ترامب ليعرب عن تضامنه مع أهم الكنائس في العالم، إضافة إلى المستشارة ميركل و رئيس وزراء اليابان، حيث تمكنت الكاتدرائية من توحيد مواقف زعماء العالم بعد أن بعثرت و شتت بين الملفات الإقليمية الشائكة.
و لئن تمكنت هاته الحادثة من توحيد المجتمع الفرنسي الكاتوليكي في أغلبه حول تاريخه و حضارته، سواء من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار خاصة صحيفة libération و المحسوبة على اليسار الفرنسي التي عنونت اليوم غلافها الخارجي بحريق باريس، و كأن إشعال الكنيسة أشعل قلوب كل سكان العاصمة الباريسية و لولا جهود رجال الإطفاء لخسرت العاصمة الفرنسية معلما من أهم معالمها يرتادها قرابة 14 مليون سائح سنويا.
من جهة أخرى قام المدعي العام بفتح تحقيق حول الأسباب الحقيقية لإندلاع هذا الحريق الضخم خاصة أن الكنيسة كانت تشهد أعمال صيانة للسقف حيث اندلع الحريق، حريق ليس الأول من نوعه كما أشرنا منذ البداية بل هو الثالث في فترة زمنية وجيزة يصيب إحدى أكبر عواصم العالم، فهل أصبحت فرنسا اليوم غير قادرة على إرساء سياسة وقائية ضد الحرائق أم أنها حرائق مفتعلة بفعل فاعل رغم ترشيحنا للإحتمال الأول و هو ضعف القدرة الوقائية لبلد ضاع بين مشاكله الداخلية العديدة و صعوبة التحديات الإقليمية الشائكة و المتشعبة، حتى الخطاب الذي انتظره الفرنسيين للرئيس ماكرون و الذي كان مبرمجا للحديث حول نتائج الحوار الوطني الكبير لأزمة السترات الصفراء، جاء البارحة مقتضبا ليأكد عزم الحكومة الفرنسية على ترميم و تدارك كل هاته الخسائر التي لحقت الكنيسة على مدى الخمسة السنوات القادمة.
عموما فرنسا اليوم ليست في أحسن أحوالها، سواء على المستوى الداخلي، الأروبي و حتى الإقليمي فكيف سيتصرف الرئيس الشاب أمام كل هاته الملفات و خاصة كيف سيتم ترتيب الأولويات بين كل ما هو داخلي و كل ماهو خارجي.
حسان القبي
كاتب من تونس
أستاذ و باحث في الاقتصاد السياسي
تعليقات