#رأينا_الآن اليابان اعتمدت على اقتصاد الهجرة فلماذا لا نعتمد على استغلال "البدون" لسد نقص العمالة الماهرة في المشاريع الجديدة ؟!

محليات وبرلمان

سيمنع نزيف مليارات الدنانير للخارج وستصرف بالداخل لتنعش الاقتصاد الكويتي ,

الآن 746 مشاهدات 0


افتتاحية جريدة الآن 


تنتشر اليوم في كل الدول ذات الاقتصادات المحترمة فكرة مفادها البحث عن الأيدي العاملة الماهرة والتنقيب عنها والمحافظة عليها حال وجودها ، وتدريب الشباب الموجودين في المدارس وحثهم على دخول مجالات العمل اليدوي والمهني بدلاً من العمل المكتبي في قطاعات الخدمات والتكنولوجيا لمعالجة النقص في الأيدي العاملة الماهرة والمتخصصة.

وتزداد هذه المشكلة ضراوة في الدول ذات العرقية الواحدة، التي لم تتأسس على أساس الهجرات كما هو الحال في دول شرق آسيا مثل اليابان وكوريا وغيرها، مما حدا بدولة عرفت دوماً بأنها دولة مغلقة تعارض استقبال اللاجئين وترفض سياسات الهجرة مثل اليابان إلى تأسيس وكالة لاستقبال المهاجرين من العمال الأجانب ذوي المهارات العملية وذلك في محاولة لسد الناقص الحاصل في سوق العمل نتيجة قلة النمو السكاني وزيادة معدلات الشيخوخة والوفيات في البلد الذي شهد معجزة اقتصادية كبرى في القرن العشرين.

وسيوفر نظام الهجرة الجديد تأشيرات على نوعين للعمالة الأجنبية، الأولى تأشيرات مؤقتة لمدة خمس سنوات والثانية تأشيرات دائمة بمميزات تشبه مميزات الحصول على الجنسية اليابانية، وهو أمر بات يعرف اليوم باقتصاد الهجرات.

ولك أن تتخيل عزيزي القارئ أن هذا يحدث في بلد "مغلق" ذو عرقية واحدة، ظل عصياً على تدخلات الغزاة، ومفتخراً بثقافته الفريدة طوال ٣٠٠ عام من محاولات التدخل الأجنبية، فما بالكم ببلد نعرفه جيداً يحتاج إلى عمالة ماهرة لسد النقص في الكثير من مرافقه الجديدة التي ينوي افتتاحها، ولا يرغب بجلب عمالة أجنبية غريبة عن ثقافته ومجتمعه لأنها قد تخل بالتركيبة السكانية التي تزعم حكومته أنها تحاول حل موضوعها، وفي الوقت نفسه يتم تجاهل أبناء البلد الذين تنحدر دمائهم من نفس دماء مواطنيه ، بل ويتداخلون مع المواطنين في علاقات النسب والجيرة والصداقة ويحرمون من فرص العمل والحصول على وظائف توفر على الدولة مشقة كبيرة.


البلد هي الكويت , والذين تنحدر دماؤهم من نفس دماء مواطنيه هم "البدون" ، فنحن في الكويت، لا نحتاج لإنشاء وكالة هجرات لأننا بلد هجرات، هاجرنا جميعاً - من الكبير إلى الصغير - وجئنا إلى هنا طمعاً في الرزق ورغد العيش لأن هذه البلاد كانت واحة أمن وأمان، ولا نحتاج للبحث عن الأيدي العاملة في التخصصات الدقيقة والصعبة والتي تفوق حاجتنا لها أعداد المواطنين العاملين فيها لدينا، مثل وظيفة الطبيب والممرض وبقية التخصصات الطبية، ووظائف الأمن وإدارة المنشآت، والتدريس في بعض التخصصات النادرة والصعبة، فلدينا أبناؤنا من فئة البدون الذي يستطيعون إشغال هذه التخصصات.

ولا بد للقارئ الكريم أن يعرف أن الحكومة اعترفت بعد بنائها للعديد من المشاريع الضخمة وأهمها مستشفى جابر ومدينة صباح السالم الجامعية أنها لا تملك الكوادر الكافية لتشغيل هذه المنشآت وتحتاج إلى عقود تجلب فيها آلاف الممرضين والممرضات والكوادر الطبية لتشغيل المستشفيات والكثير من العقود الأخرى لجلب المعلمين والإداريين والفنيين في المدينة الجامعية.

الغريب والمضحك أن المئات بل الآلاف من شباب وشابات البدون، دفعوا الغالي والنفيس من أموالهم في سبيل الدراسة الجامعية داخل الكويت وخارجها، بل إن بعضهم قبلته الحكومة في جامعتها وصرفت عليه مبالغ طائلة، وفي النهاية يجلس هؤلاء عاطلين عن العمل بسبب تعنت الجهات الحكومية في توظيفهم رغم اعترافها في الوقت نفسه بحاجتها للكفاءات والكوادر!

لو سمعت اليابان التي تدفع الملايين من الدولارات وتنشئ وكالات خاصة لتعليم المهاجرين الوافدين لديها لغتهم وعاداتهم وتقاليدهم في محاولة لدمج العمال داخل المجتمع الياباني، بأن لدينا أكثر من ١٢٠ ألف شخص من بني جلدتنا وفيهم نسبة كبيرة من الكفاءات والكوادر، وأننا لا نستثمرهم رغم أنهم هم من تعبوا على أنفسهم وأخذوا شهاداتهم بأيديهم، فإن اليابانيين سيصابون بالجنون بكل تأكيد.

ولو سمع اليابانيون بأننا في الوقت نفسه نعترف بأن لدينا عجزاً في الكوادر، وبدلاً من توظيف الممرضين البدون مثلاً، نقوم بجلب ممرضات وممرضين من الهند والفلبين ودفع الملايين من الدنانير في محاولة تهيئتهم وتدريبهم، لقرروا تدريس منهج في كيفية هدر الطاقات وتضييع رأس المال البشري وكانت الكويت مثالاً لها.

إن الكويت مقبلة بحسب تصريحات المسؤولين -التي لا نعلم حقيقتها حتى نراها رأي العين – على مرحلة مهمة تتمثل في بناء مدن اقتصادية شمال الكويت بالاعتماد على الكوادر الوطنية من شباب وشابات، ولنكن واقعيين فإن الكوادر الكويتية مهما كثر عددها فإنها لن تصل إلى العدد الذي يؤهلها لتأسيس مشاريع بهذا الحجم بسبب قلة عدد سكان الشعب الكويتي، لذلك فإن في البدون خامة طيبة واستثماراً بشرياً ممتازاً سيفيد البلاد على المدى الطويل.

وإذا أردت أيها القارئ أن تتسائل عن الفائدة المرجوة في استثمار كفاءات البدون بدلاً من الحاصل الآن، وهو طمسها ومحاولة تهميشها وتناسيها وتركها تعاني البطالة، فستجيبك بالأسباب البديهية لذلك :

أول هذه الأسباب أن البدون هم شعبنا وأخوتنا، شاركوا معنا في حروبنا ووقفوا معنا في أحلك أوقاتنا، ولا يمكن تمييز أحد منهم عن الكويتيين سوى بالمظاهر المادية التي حكم الزمن عليهم بها .

ثاني الأسباب أن توظيف البدون سيؤدي لتخفيف الضغط على الحكومة أمام الرأي العالمي العام، حيث أن هذه القضية باتت محرجة للكويت، ومصدر قلق كبير لها في أروقة المنظمات الدولية، وقد يستغلها أعداء الكويت شر استغلال في تشويه سمعتنا وتلطيخها إذا أرادوا ذلك ، ولنعلم فإن الدول المؤثرة عالمياً وهي الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا تتحرك على بعض الدول الملفات الحساسة فيها متى أرادت الابتزاز وقد شهدنا هذا الأمر مراراً مع بعض الدول وأبرزها اليوم ما يمارس ضد تركيا .

هذا سببان قد يكونان عاطفيان، ولا يقتنع الجميع بهما، أليس كذلك؟ حسناً لنتجه إلى الأسباب العملية والاقتصادية التي يتبجح دوماً معارضو البدون بها، أول هذه الأسباب "العملية" أن توظيف الوافدين بدلاً من البدون يعني نقل كميات ضخمة من الأموال سنوياً خارج الكويت عبر التحويلات التي يقوم بها الوافدون لذويهم في الخارج، وهو حق من حقوقهم بلا شك لأنهم جاءوا لهذه البلاد طمعاً في تحسين مستوى معيشة عائلاتهم، بينما سيبقي البدون رواتبهم التي يستلمونها داخل البلاد، لأنه وبكل بديهية لا يملكون بلدًا آخر سوى الكويت، وسينعش هذا العديد من المشاريع والصناعات، وكلما تحسن سلم رواتب البدون فإن ذلك سيؤدي إلى تحسن القوة الشرائية في البلاد.

السبب "العملي" الثاني هو أن جلب العمالة من الخارج يأخذ وقتاً طويلاً ويؤدي إلى شبهات مالية في العقود كما حدث في ملف "الممرضات الهنديات" كما أن تعليم هؤلاء وتدريبهم على اللغة العربية والتعامل مع المرضى يأخذ وقتاً طويلاً وتكلفة عالية، وفي نهاية الأمر تتجه الكثير من هذه الكوادر إلى البلدان الغربية بعد أن تكتسب قدراً كافياً من الخبرة طمعاً في الحصول على جنسية غربية وهو أمر من حقها بلا شك.

إننا ندعو في الحكومة بأن تكون أكثر وعياً بحقوق الإنسان أولاً، وبتغيرات الاقتصاد العالمي، وما يعرف اليوم باقتصاد الهجرات الذي باتت دول صناعية ضخمة مثل اليابان وألمانيا تتبعه بشكل كبير.

ولهذا ندعو الحكومة إلى استثمار رأس المال البشري الضخم الذي نمتلكه , والمتمثل في فئة البدون ,والذي سيؤدي استثماره ليس فقط لحل المشكلة الاقتصادية، بل سيتعدى ذلك إلى حل مشكلات اجتماعية وسياسية أخرى .

تعليقات

اكتب تعليقك