#جريدة_الآن الباحث مبارك الجري يفسر لماذا تقوم مؤسسة لوياك بأنشطتها في الكويت ؟
محليات وبرلمانتساءل : "لماذا تربط فارعة السقاف بين المجتمع المحافظ والتيار الجهادي ؟ هل بحثت قبل ذلك في إثنوغرافيا التيارات الجهادية؟"
الآن إبريل 11, 2019, 1:45 م 839 مشاهدات 0
بقلم الباحث مبارك الجري
( باحث دكتوراه في العلوم السياسية -
رسالة الماجستير : تحولات حركة النهضة التونسية)
قبل عامين تقريباً كتبت مقالاً عن (الأزمة الخليجية وأطروحة الإسلام المعتدل)، وأعترف بأنني كنت بعيداً عن تحليل أحد أهم جوانب هذه الأطروحة وأهدافها. ولكن لا بأس فالأحداث سريعة – كالصراع السياسي والاجتماعي والفكري بمنطقتنا ولا سيما في جغرافيا الخليج العربي –وكفيلة في شرح وتفسير المقصود (بالإسلام المعتدل).
تقترح الباحثة النمساوية شيريل بينارد زوجة خليل زاد السفير الأمريكي السابق في كل من أفغانستان والعراق في كتابها (الإسلام الديمقراطي المدني) الصادر من (مؤسسة راند) عام 2004،عدة استراتيجيات للتعامل مع عدة قضايا من بينها (التيار الإسلامي الأصولي). وعلى الرغم من قِدم الحوارات والكتابات التي تناولت تفاصيل هذا الموضوع، إلا إنها أصبحت مادة لصياغة بعض الخطابات السياسية والاجتماعية والإعلامية والصحفية العربية في الوقت الراهن. ما تضمنه هذا الكتاب هو بمثابة وصفة لتجديد أفهام المسلمين وتعاملهم مع قضايا دينهم، أو كما تذكر الكاتبة ” تشجيع العناصر الإسلامية المتوائمة مع السلام العالمي والمجتمع الدولي، والتي تحبذ الديمقراطية والحداثة “. ولكن كيف يتم ذلك؟
ترى الكاتبة بضرورة دعم الحداثيين والعلمانيين من خلال نشر أعمالهم، وتشجيعهم على الكتابة والظهور الإعلامي، ودمج أطروحاتهم في مناهج التعليم الإسلامي، ومساعدتهم في تأويل الدين لجموع الجماهير لمنافسة الأصوليين والتقليديين، وطرح العلمانية والحداثة باعتبارهما الخيار الثقافي البديل للشباب المسلم الساخط، ودعم وتطوير منظمات المجتمع المدني المستقلة من أجل تعزيز الثقافة المدنية والعلمانية.
لا أجد أي مشكلة في هذه التوصيات، لأنها ليست جديدة وليست من ابتداع الكاتبة، وهي نتاج لمقترحات بعض المكونات العلمانية والليبرالية العربية وخاصة الخليجية، وهي من حقوقهم، فلست ضد حرية التعبير عن الأفكار وتبنيها. ولكن أليس من المفروض أن توضح الكاتبة ما المقصود بالثقافة العلمانية، ومن يحدد معاييرها؟ وما المقصود بمصطلح الأصولية التي تستخدم بشكل كبير في نقد التيارات الإسلامية؟
قبل شهر تقريباً، أنتجت شركة هولندية Vpro فلماً وثائقياً اسمه Kuwait The Next Generation، تناول هوية المجتمع الكويتي، وموقع الجيل الشاب من الإنتاج، وتم اختيار منظمة لوياك – منظمة كويتية غير ربحية أحد غاياتها الاهتمام بجيل الشباب والعمل على تطوير أفكارهم، وقدرتهم الإنتاجية – كمادة أساسية في هذا الفلم لفهم ماهية المجتمع الكويتي، على الرغم من أن عضوية هذه المنظمة قائمة على شروط ومعايير معينة.
أحد محاور هذا الفلم الرئيسة (ولعله المحور الوحيد) جاء في المقدمة، على شكل تساؤل: لماذا يعتبر المجتمع الكويتي من أكثر المجتمعات المحافظة –وتستمر مشكلة المصطلحات –بين دول الشرق الأوسط؟ وما علاقة ذلك في دعم الجماعات أو الحركات الجهادية؟
تقول مديرة منظمة لوياك، السيدة فارعة السقاففي هذا الفلم: بأن العمل في منظمتها غيّر من مفهوم الجهاد لدى أحد الشباب الأعضاء، فعندما كانت سعادة هذا الشاب قائمة على الاستجابة للجهاد في ساحة القتال، صارت نابعة من الإنتاج في العمل بمنظمة لوياك.
ما سبق نتيجة مهمة، ولكن لماذا الربط ما بين المجتمع المحافظ والتيار الجهادي؟ وهل بحث منتج هذا الفلم والسقاف عن إثنوغرافيا التيارات الجهادية، حتى يصلان إلى هذا الربط؟ وماذا عن المحافظ الذي يرفض ما تقوم به التيارات الجهادية؟ وما هو نوع التحول المجتمعي المراد دعمه، وما هي وسائله؟
يبدو أن الوسائل المتبعة في هذا الوقت تأثرت إلى حد ما بتوصيات الباحثة شيريل بينارد، ومن بينها: ١- خلق نموذج لإسلام معتدل مزدهر وترويجه، بدعم الدول أو المناطق أو الجماعات ذات الرؤى المناسبة؛ والتعريف بنجاحاته. ٢- ونقد عيوب الرؤية التقليدية (وتستمر مشكلة المصطلحات)؛ بإظهار العلاقة السببية بينها وبين التخلف، وكشف ما إن كانت الرؤيتان الأصولية والتقليدية تمثلان مستقبلاً صحياً ومزدهراً للمجتمع الإسلامي.
لم يقدم الفلم الوثائقي السابق، شرحاً لتنوع المجتمع الكويتي (الذي يفترض أن يكون الجوهر، كما هو واضح من الاسم)، بل ركز على صعود التيارات الإسلامية لا سيما الإخوان المسلمين عبر الانتخابات البرلمانية وتأثيره السلبي على الحياة والمجتمع الكويتي، وتؤكد ذلك السيدة فارعة السقاف بقولها : أن التراجع والتخلف في الكويت يعودان إلى نهاية السبعينات، خاصة بعد وصول الإخوان المسلمين إلى البرلمان، وهؤلاء منعوا الموسيقى والرقص والفن بعد تحكمهم بمفاصل الدولة باعتبارها حرام شرعاً.
وتتساءل السقاف حول انتشار لبس العباءة والنقاب ” أليس هذا الأمر مخيفاً؟ “.
أعتقد أن خلف هذا السؤال عدة رسائل للمجتمع ولأجهزة الدولة الأمنية لا سيما بعد ربطها لهذا اللباس -وهي حرية شخصية، يفترض أن تكون السقاف أول المدافعين عنها- بصعود التيارات الأصولية. هل درست السقاف هذه العلاقة؟ وماهي نتائج هذه الدراسة حتى يمكن أن يستفيد منها الباحثين؟ وهل يمكن استخدام مصطلح الأصولية كمرادف للتيارات الإسلامية؟
يمكن أن يلاحظ الباحث المختص، أن مصطلح (الأصولية) مؤخراً يستخدمه البعض لوصف جميع الحركات السياسية الإسلامية، وهذا يضعنا في اشكال بحثي ومنهجي. يشير الأكاديمي الفلسطيني عزمي بشارة في كتابه (في الإجابة عن سؤال: ما السلفية؟) إلى أن ” الأصولية مفهوم مستورد من تسمية كنائس بروتستانتية أمريكية لعودتها إلى أصول الدين والنص التوراتي…لقد مول الاخوان الشديدا التدين ميلتون وليمان ستيوارت، المغتنيان من التنقيب عن النفط، عملية كتابة سلسلة من كراريس وكتيبات سجاليه، وإصدارها وتوزيعها مجاناً.
وكان عنوان هذه السلسلة (الأصول -أو الأسس- شهادة حق : وهي سلسلة من المعالجات الفكرية المدافعة عن المسيحية وعقائدها. إنها الكراسات التي ساهمت في إيجاد المصطلح وتعميمه”.
لقد وقعت السيدة فارعة السقاف بإشكالية الربط ما بين صعود الإخوان المسلمين والتغيرات التي طرأت على الهوية المجتمعية، فالتدين ليس نتاجاً لنشأة هذا التيار. ستصبح محاولة إثبات فرضية العلاقة الطردية ما بين قوة الاخوان المسلمين السياسية بازدياد مظاهر التدين في الكويت أكثر موضوعية إذا تم وضعها تحت المجهر البحثي أفضل بكثير من الكلام المرسل و الجدال الشفهي.
تعليقات