#جريدة_الآن خليل علي حيدر يكتب: لماذا لا يستجاب لهم؟!
زاوية الكتابكتب خليل علي حيدر إبريل 3, 2019, 11:15 م 1035 مشاهدات 0
الجريدة
كثير من «الجماعات الإسلامية»، في فكرها العلني والسري أو الاثنين، ليست بعيدة عن تبرير الإرهاب أو ممارسته أو الاكتفاء بالتظاهر بمحاربته. بالطبع، إلى جانب مشاكلها إن تسلطت على البلاد أو صارت مقررة لمصير أي دولة.
اكتشف الإمام المجتهد الأندلسي، المتوفى سنة 463هـ، بعض مآخذ ومثالب الإسلاميين، وربما كان من الأوائل في هذا المجال! جاء في كتاب "مختصر جامع بيان العلم وفضله، وما ينبغي في روايته وحمله"، القاهرة 1902، للإمام المجتهد حافظ المغرب، أبي عمر يوسف بن عبدالبر النَّمَري القرطبي الأندلسي، في باب "جامع القول في العلم والعمل" ما يلي:
"قال رجل للزاهد إبراهيم بن أدهم: قال الله عز وجل "ادعوني أستجب لكم"، فما لنا ندعو فلا يُستجاب لنا؟ فقال إبراهيم: من أجل خمسة أشياء! قال الرجل: وما هي؟ قال: عرفتم الله فلم تؤدوا حقه، وقرأتم القرآن فلم تعملوا بما فيه، وقلتم نحب الرسول وتركتم سنته، وقلتم نلعن إبليس وأطعتموه، والخامسة تركتم عيوبكم وأخذتم في عيوب الناس". (ص96).
لا تنطبق كل هذه المآخذ التي يذكرها "ابن أدهم" على كل الإسلاميين بالضرورة، ولكن ظاهرة "الإخفاق في تحقيق الأهداف" رغم حسن النوايا والإخلاص، لفتت فيما يبدو أنظار عموم المسلمين منذ قرون، وحاول البعض معالجتها بالعمل الجماعي.
وربما كان اللجوء إلى العمل الحركي والحزبي المعاصر، والذي تأثر بلا ريب بالتجارب الحزبية الغربية والشرقية، بعض سبل التغلب على نقاط الضعف في العمل الفردي، ومن هنا بدأ الحرص على تجميع وتوحيد النشاط الدعوي، فبدأ التحزب والالتزام والارتباط، والذي برز في حركة الإخوان بشكل "الطاعة في المنشط والمكْرَه"، والمنشط ما يُخفُّ إليه ويُؤثّرُ فعله، والمكْره ما يكرهه الدهر". (معجم الوسيط).
وظهر في فكر الجماعة البناء الحزبي الهرمي والطاعة للأوامر "ويمين البيعة". ونص اليمين "أعاهد الله العلي العظيم على التمسك بدعوة الإخوان المسلمين والجهاد في سبيلها، والقيام بشرائط عضويتها، والثقة التامة بقيادتها، والسمع والطاعة في المنشط والمكرَه، وأقسم بالله العظيم على ذلك وأبايع عليه، والله على ما أقول وكيل".
(الإخوان المسلمون، ريتشارد ميتشل، ترجمة د. محمود أبو السعود، 1979، ص301).
هل تترجم حركة الإخوان "تقوى وإيمان" سائر أعضاء الحركة، وهل تتحرك كجسم سياسي تحرك الفرد المسلم، أم أن الحزب أو الحركة والجماعة، جسم وجهاز مستقل عن الأفراد، استقلال الدولة كجهاز عن المواطنين والشعب ومؤسسات المجتمع؟
التنظيم الحزبي للإخوان المسلمين، بعد كل هذه التجارب الممتدة منذ عام 1928، شكل جديد في العمل الدعوي مقارنة بما اعتاده المسلمون في تراثهم، بعيد كل البعد عن التلقائية ومستلزمات التقوى الفردية والدعوة الشخصية، وإن كان العديد من منظري الإخوان يرى أن جذور العمل الجماعي قديمة في التراث الإسلامي.
أحد أبرز هؤلاء في الكويت والعراق مثلاً الداعية المنظر محمد أحمد الراشد، يبدأ حديثه عن ضرورة العمل الجماعي لتحقيق الهدف الإسلامي المنشود وتحويل المجتمع، بالتأكيد على أن الباطل يجب أن "يتم تغييره" لا الاكتفاء بشرحه واستهجانه وإبداء الاستياء منه.
يقول في كراس حزبي بعنوان "المنطلق"، بيروت 1997: "الباطل يجب أن يغيّره، الداعية، أي يحاربه، ويزيله، ويهيل عليه التراب ويقبره، إما أن ترجو من الباطل أن يترك مكانه ويعطيه إياك، وإما أن تتكلم معه باللغة الدبلوماسية، فذلك لن يكون ولن يفيد، إنما هو التغيير فقط، ينص عليه قانون الدعوة".
(مؤسسة الرسالة، ص 124).
وقد لا يصلح كل مسلم مهما بلغ من التدين لهذا "العمل الجماعي" المطلوب، ولهذا، يقول الداعية "الراشد"، إن "شأن الداعية أن يترصد أخبار الرجال في المجتمع، فيحتك بهم، ويتعرف عليهم، ويزورهم، ويعلمهم طريق ضم الجهود الإسلامية وتنسيقها، فيجدد بذلك سيرة الإمام الداعية المبجل أحمد بن حنبل".
ويضيف الراشد: "ولا يكون داعية اليوم إلا من يفتش عن الناس، ويبحث عنهم، ويسأل عن أخبارهم ويرحل للقائهم، ويزورهم في مجالسهم ومنتدياتهم، ومن انتظر مجيء الناس إليه في مسجده أو بيته فإن الأيام تبقيه وحيداً. ويتعلم فن التثاؤب". (ص127).
ويتحدث الراشد في كراسه المخصص لبناء الحزب، وعدم الاكتفاء بالتدين الفردي، وذلك أن جماهير المسلمين، فيما يقول ص215، "قد ألفت الفسق والكفر والإلحاد حتى أصبحت ترى كل ذلك فتظنه أوضاعاً لا تخالف الإسلام". ويقول إن أئمة المسلمين عرفوا المقاصد العامة للشريعة، وإن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب "فانخلعوا عن الفردية حيث اقتضى الأمر هذا الانخلاع وتكاتفوا، واعملوا عملا جماعياً، وأوضحوا شرعية العمل الجماعي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مهما تسمى هذا العمل الجماعي بأسماء مختلفة، كالجماعة، والحزب، والكتلة وغير ذلك".
ويتحدث عن ضرورة القيادة لمثل هذا العمل فيضيف: "وإذا كان العمل جماعيا فلابد أن يكون له قائد ورئيس، سواء سمي زعيماً، أو مرشداً، أو رأس الحزب". ويقول الراشد، إن "ابن تيمية" و"الغزالي" أكدا ضرورة العمل الجماعي، ويرى الإمام الغزالي "عدم اشتراط الشريعة إذن السلطة في ذلك".
ويقتبس الراشد من فتاوى الغزالي أن "قمع أهل الفساد جائز، لأن الكافر لا بأس بقتله، وكذلك الفاسق المناضل عن فسقه لا بأس بقتله، ويقال: كل من قدر على دفع منكر فله أن يدفع ذلك بيده، وبسلاحه، وبنفسه، وبأعوانه"، كما يقتبس الراشد من كتاب الغزالي "إحياء علوم الدين"، ولا يكترث "الراشد" بظروف ابن تيمية والغزالي، وما يفصلنا عن زمانهما، ولا أوضاع المجتمعات العربية والإسلامية، بل يشيد بالاقتباس قائلاً: "وهذا نص يكتب بماء الذهب، وعلى الدعاة أن يحفظوه عن ظهر قلب، وهو دليل على أن في كتب التراث مناجم للفقه الحركي كثيرة، ويضيف الراشد "أن للغزالي كلاماً آخر في تفنيد اشتراط إذن السلطان في الأمر بالمعروف". (ص152).
إن "محمد أحمد الراشد" اسم حركي لشخصية بارزة في حركة الإخوان المسلمين بالعراق وهو "عبد المنعم صالح العلي العزّي"، من مواليد 1938، غير أنه من المنظرين الأساسيين للإخوان في الكويت والمنطقة الخليجية وأماكن أخرى.
ويكشف الراشد هنا، وفي سائر كتاباته عن تبعية مطلقة لفكر الإخوان السياسي والحزبي وبخاصة سيد قطب، ويقول عن الأنظمة العربية إنها "حكم مماليك"، أقامتها الجيوش الاستعمارية، وبذلك يستنتج الراشد، "عادت الجاهلية إلى أرض البلاد الإسلامية، وبعودة الجاهلية عادت الحاجة إلى من يجاهدها ويعيد حكم الإسلام" (ص158).
نشر الراشد كراريسه الحزبية هذه عام 1997، بعد مقالات كثيرة في مجلة المجتمع الكويتية، ولم يراجع أو يعدل شيئاً مما كتب فيما يبدو، وتلك قصة طويلة.
كُتُب الإخوان الحزبية والتنظيمية في مقدمة التراث الذي استفادت منه الحركات الأخرى في كل مكان، من أفغانستان إلى أوروبا والعالم العربي، بما في ذلك تنظيما "القاعدة" و"الدولة الإسلامية" (داعش)، فالكثير من "الجماعات الإسلامية"، في فكرها العلني والسري أو الاثنين، ليست بعيدة عن تبرير الإرهاب أو ممارسته أو الاكتفاء بالتظاهر بمحاربته. بالطبع، إلى جانب مشاكلها إن تسلطت على البلاد أو صارت مقررة لمصير أي دولة.
وربما من أجل ذلك كله، ترتفع دعوة هذه الجماعات تطلب النصرة والتمكين من السماء والأرض... فلا يُستجاب لها!
توضيح:
ورد خطآن مطبعيان في المقال السابق "السلطان أورنجزيب... والخليفة الأموي" (2-2)، المنشور يوم الخميس 28/ 3/ 2019، أولهما في نهاية الفقرة الثالثة من العمود الأول وهو حذف عبارة "كانت أميرة هندوسية من الراجبوت" بعد عبارة جدة أورنجزيب، والثاني أن صفة السلطان أورنجزيب "قاهر العالم" وليس "قاهر الظلام" كما نشر.
تعليقات