#رأينا_الآن مشروع مدينة الحرير ... محاكاة لتجارب الآخرين من دون رؤية حقيقية
محليات وبرلمانمطلوب خطة تناسب واقعنا بدلا من تسليم الأمر لشركات استشارية أجنبية استعمارية
الآن مارس 25, 2019, 8:39 ص 1395 مشاهدات 1
لا شك أن الاعتماد على النفط كمصدر دخل وحيد للبلاد بعد أكثر من ٨٠ عاماً من اكتشافه وتصديره بكميات تجارية للعالم، هو خطأ لا يغتفر على الصعيد التنموي، ويعتبر مغامرة اقتصادية كبرى ارتكبناها طوال عقود ، رغم أننا كبلد ومنذ اليوم الأول كنا نعي خطورة هذه المغامرة، لكن الانشغال بالصراعات السياسية الداخلية ردحاً من الزمن ، بالإضافة إلى ظروف الحرب العراقية الإيرانية في عقد الثمانينات من القرن الماضي ، ومن ثم غزو العراق للكويت عام ١٩٩٠ كل تلك الأحداث أدت لتأجيل مواجهة هذا الخطأ الإقتصادي الكبير .
ومؤخراً ، ابتكرت أطراف في الحكومة خطة "المدينة الشمالية الاقتصادية" والتي ستجعل الكويت , حسب الخطة المعلنة , مركزاً مالياً واقتصادياً ومنطقة عبور تجاري ، كما أنها ستؤهل مشروع الجزر الخمس الذي سيجعل الكويت منطقة سياحية أيضاً ، بالإضافة إلى أنه سيحولنا " فجأة " إلى ميناء مهم في المنطقة ، بعد إنشاء " مدينة الحرير " ، وجعل القوى العظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية والصين وبريطانيا تتسابق علينا كما تتسابق على منجم للذهب !
لكن المخيب للآمال أنه ومنذ الظهور الأول لفكرة " مدينة الحرير " وتصميماتها التي انتشرت انتشار النار في الهشيم في الصحف الكويتية وعلى موقع اليوتيوب وغيرها قبل سنوات، وإلى ساعة كتابة هذه السطور ، بعد تشكيل ما يسمى مجلس أمناء المنطقة الاقتصادية الشمالية ومجلس أمناء تطوير مدينة الحرير وجزيرة بوبيان فإننا لم نشاهد أي خطوات فعلية على الأرض، فكل ماشاهدناه مجرد عناوين براقة وتصاميم جذابة، وخطابات مدغدغة للعواطف ومؤتمرات صحفية تنبئ بأن هناك دولة عظمى على وشك أن تُصنع !
وبما أننا لا نملك أية معطيات حقيقية سوى العناوين والرتوش التي تُقال في مؤتمر صحفي هنا، ولقاء مع مؤسسة أجنبية هناك، وتصريح من قبل مستشار في جهاز ما، تابع لما يسمى بالمنطقة الاقتصادية، فإننا سنحاول أن ندرس هذه التصريحات ومدى جديتها ومطابقتها للواقع الذي نعرفه ,ولظروف المنطقة وللتاريخ الاقتصادي والسياسي للأمم .
العنوان الأول، وهو سيد العناوين، أن هذه المدينة وهذه المشاريع لن تكلف المال العام شيئا، بل سيتكفل القطاع الخاص، والمستثمرون العالميون (الذين يتلهفون بشوق وحرقة للاستثمار في صحراء قاحلة تبعد عن العاصمة ١٠٠ كيلو متر)!!
المشكلة ليست في أننا لا نعرف هؤلاء المستثمرين ، بل ولم نسمع بشركة عالمية أو رجل أعمال من الوزن الثقيل عالمياً أعلن رغبته بالاستثمار في هذا المشروع كما هو الحال مع مشروع نيوم في السعودية والذي أعلنت الصحف العالمية استثمار التاجر الفلاني والتاجر الفلاني فيه على رؤوس الأشهاد .
والمشكلة ليست في أنه ليس هناك مدينة في العالم تم تأسيسها بالكامل على يد القطاع الخاص والاستثماري ، ولا تكلف الدولة فلساً واحداً ! فهذا أمر يناقض بديهيات الاستثمار وتأسيس البنية التحتية للمشاريع الكبرى أصلاً.
والمشكلة ليست في أن المستثمرين (غير الموجودين أصلاً) لن يستثمروا في دولة لم تستطع حل مشكلة الحصى المتطاير لديها منذ ٤ شهور تقريباً رغم أنها تنتج كافة المواد النفطية التي يتكون منها الأسفلت.
والمشكلة ليست في أن رائد الأعمال في الكويت يحتاج إلى ألف وساطة ليفتح بقالة صغيرة، أو مصبغة أو مطعماً، ويحتاج إلي طن كامل من المعاملات الورقية تتوزع بين كافة وزارات ومؤسسات الدولة حتى ينهي إجراءاته، بل ويضطر أحيانا لدفع رشوة لبعض ضعاف النفوس من الموظفين الفاسدين.
والمشكلة ليست في الثقة العمياء التي يتمتع بها المخططون لهذه المدينة حينما قالوا أنها ستتكفل على الأقل بـ٣٠ ٪ من موازنة الدولة ! وهو إجراء يناقض كل تخطيط اقتصادي ، ودونكم أساتذة الاقتصاد في كل جامعات العالم لتسألوهم، بل أن بعض هؤلاء كشف أن مشروع خط الحرير الصيني الذي يهدف إلى خلق طريق تجارة عالمي وضخم في السنوات الخمسين المقبلة لن يمر بالكويت وأنه ليس لدى الصينيين أي اهتمام حقيقي فيها !!
المصيبة الأكبر هي أن معظم أعضاء مجلس الأمة ، الذين صمتوا عن كل القضايا الاقتصادية التي مست المواطنين طوال سنوات، نطقوا أخيراً من هول الصدمة حينما اجتمعوا مع مسؤولي مدينة الحرير والمنطقة الشمالية الاقتصادية وقالوا بالحرف الواحد – على اختلاف مشاربهم وقناعاتهم- أنهم لم يشاهدوا أي شيء ملموس وحقيقي على الأرض ، بل شاهدوا عرضاً عادياً وصفته النائبة صفاء الهاشم بأنه " عرض ضعيف ويحتوي جملاً خطيرة " ، وقال عنه النائب الحميدي السبيعي " إننا لم نطّلع على بيانات تفصيلية عن المشروع " !
تصريحات النائبين الحميدي السبيعي وصفاء الهاشم كانت مؤشراً خطيراً على أن ما كنا نسمعه طوال سنوات لم يتعدى عناوين المانشيتات البراقة والفيديوهات - التي نعترف أنها صممت بطريقة جيدة - بل والإعلانات على قنوات عربية حول " الرؤية الكويتية الجديدة " وكأننا بحاجة للاستعراض قبل أن نكون بحاجة إلى أن نصوغ قوانين هذه الرؤية !
ووزع مسؤولو المشروع مذكرة زعموا أنها تشرح هذه الرؤية الاقتصادية لكن بالإطلاع على المذكرة نجد أنها خالية من أي رؤية حقيقية، وإنما هي مجرد ذكر لحقائق اقتصادية حول الكويت نعرفها جميعاً، ورص وحشو للكلمات بطريقة منمقة، فمثلاً جاء في أحد فقراتها : " سيكون هناك نمط جديد ومبتكر لتنفيذ المشروع بخبرة تنفيذية وحوكمة عالية الجودة مع تشكيل مجلس أمناء على مستوى عالمي، يتمتع أعضاؤه بسير ذاتية مليئة بالإنجازات العالمية، وترشيح وتعيين جهاز تنفيذي محترف من خلال مجلس الأمناء وتنفيذ وتمويل غالبية المشاريع من خلال القطاع الخاص والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، إلي جانب تنفيذ عناصر أساسية من البنية التحتية وغيرها".
بماذا تذكرنا هذه الكلمات؟ تذكرنا بالطبع باللجان الحكومية الاستشارية التي تعقد كل عام طوال ال٥٠ عاماً الفائتة دون فائدة تذكر، وبدون أي إنجاز حقيقي، بل تذكرنا بخطط كبيرة وطموحات عالية تم الترويج لها بنفس الطريقة، وعلى نفس الوسائل الإعلامية، وبذات الزخم، ثم اكتشفنا أنها كانت هباء منثوراً، والخاسر الأكبر هو الشعب الكويتي، الذي خسر ثقته في الحصول على مصدر دخل جديد يقيه تقلبات سوق النفط الشرسة في ظل الحروب الاقتصادية، وفقد ثرواته التي صرفت كرواتب ومكافآت لأعضاء اللجان ومن "يعز عليهم".
إننا لا نريد التحبيط، أو تكسير "المجاديف" بل نريد رؤية حقيقية، صياغة واضحة، أمرًا ملموساً يمكن للشعب أن يناقشه ويوافق عليه أو يرفضه، أما أن تكون الخطة الاقتصادية محصورة في العناوين فقط، فهو أمر لا يخرج من اثنان، إما أن من يخطط له لا يهتم لرأي الشعب وهو أمر كارثي، وإما أنه ليس هناك خطة أصلاً – وهو ما نعتقده- وتلك هي أم الكوارث !
لقد أصبنا بمرض خطير، مرض محاولة محاكاة التجارب التي حولنا، لكن بدون دراسة حالتنا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والجغرافية، وبدلاً من أن نعالج هذا المرض عبر التحاور مع الشعب، اتجهنا إلى المكاتب الاستشارية الأجنبية – التي نعلم علم اليقين أنها من صمم مشاريع الحرير ومشروع المنطقة الاقتصادية ومشروع الجزر - وهذه المكاتب، أو دعونا نقول هذه الوكالات الاستعمارية الشبيهة بشركة الهند الشرقية التي كانت أداة البريطانيين لتدمير اقتصادات الدول ومن ثم احتلالها، هذه الشركات لا تهتم سوى بمقدار ما تجنيه من عقود مليونية، وليتها تقوم بإعداد الدراسات حقاً! بل تقوم بنسخ تجارب الدول الخليجية مع تبديل الأرقام والأسماء وبعض العناوين الفرعية ومن ثم تعيد بيعها.
أيها الكويتيون، لا نريد لبلدنا أن يصبح بلداً ريعياً غارقًا في الديون إذا ما هبطت أسعار النفط لا سمح الله، لكننا في الوقت ذاته لا نريد أن يتم استغفالنا وبيعنا الوهم واستغلال مخاوفنا لتمرير قوانين الله وحده أعلم من غايتها ونهايتها.
أدركوا الدار قبل أن تضيع، وأدركوا ثروة الدار قبل أن تتبدد، لا نريد أن نبكي على اللبن المسكوب بعد فوات الأوان، وأي أمة تبكي لبنها المسكوب بعد أن تشاهده يدلق من الأوعية دون أن تحرك ساكناً فهي أمة عاجزة لا تستحق العزة، لا نريد أن نكون كذلك
ألا هل بلغنا؟ اللهم فاشهد
نايف براك مارس 26, 2019, 5:39 ص
الحقيقة التي لم تتطرق اليها الجريردة هي ان التجار لا يريدون مستثمرين من الخارج واذا كان لابد يريدون ان يكونوا هم الوكلاء لاي شركة استثمار تفوز بعقد , والمشكلة الاكبر ان هؤلاء التجار يريدون ايضا ان يكون التنفيذ بعقود من الباطن بمعنى انهم لن ينفذوا المشاريع بل يعطونها لمقاول اخر وهم يستلمون قيمة العقد يعني مدخل للفساد . الموضوع يحتاج قرار سيادي من الدولة لتستقل برأيها وتطرح مشاريعها بحرية تامة وتتخلص من هيمنة التجار على باب المشاريع في الميزانية وهذا لن يتم حاليا مادامت الاوضاع على ماهي عليه