#رأينا_الآن التعليم.. بين واقع خَرِبْ وأملٌ بالإصلاح

محليات وبرلمان

الآن 972 مشاهدات 0


لقد دُق ناقوس الخطر إذاً وتبين لنا حقاً مقدار المأزق الذي يعيشه واقعنا التعليمي بعد اكتشاف فضيحة الشهادات المزورة قبل أشهر ، ففي البداية، كنا نظن أن الاكتشاف متعلق ببعض الفاسدين، الذين أغراهم الطمع في المكافآت المالية المقدمة لحملة الشهادات العليا في أروقة وزارات الدولة، أو الذين أغراهم "البريستيج" الملحوق بحرف "الدال" الذي يفترض أن يكون حرفاً دالاً على العلم وحب التعلم والاجتهاد ، لكننا فوجئنا بعد ذلك أن هذه الفضيحة ما هي إلا ظاهرة منتشرة وأن الشهادات المضروبة وحملتها يتوغلون في كافة أجهزة الدولة بعد أن استغلوا تراخي الحكومة أو دعونا نقول تساهلها معهم لينهبوا من ميزانية الدولة ومكافآتها ويحتكروا المناصب القيادية آخذين إياها من مستحقيها.

هذا الحديث لا ينطلق من افتراءات أو تخرصات أو تخيلات، معاذ الله، إنه ينطلق من محضر اجتماع لمجلس الوزراء قبل أسبوعين، حيث أعلنت الحكومة في إطار "تعدادها" لقضايا الفساد في البلد، وكان منها الحصى المتطاير والشهادات الدراسية المضروبة، وكأنها تقول إن هذه علامة الجودة الخاصة بنا كحكومة ! تبيّن أن الحكومة تحقق في سلامة نحو 15514 شهادة علمية !

لا، ليس هذا الرقم ناتجاً من توهم، أو خطأ في كتابة الأرقام، نعم 15 ألف و514 شهادة علمية "تشك" الحكومة الموقرة في صحتها، مما يعني أننا قد نعالج عند طبيب ذو شهادة مضروبة، أو أننا نسكن في بيت بناه مهندس ذو شهادة مضروبة، يطل على شارع بناه مهندس آخر ذو شهادة مضروبة، وقد نكون نعمل في مؤسسات قد يكون من يديرها مسؤولون ذوو شهادات مضروبة، بينما قد يدرس أبناؤنا عند معلمين قد يكونون من ذوي الشهادات المضروبة.

لقد شخَص مركز الشال للاستشارات الاقتصادية في تقريره الاسبوعي مؤخراً المشكلة في نظامنا التعليمي الذي زحف إليه غول الفساد مع الأسف الشديد، فيقول التقرير الذي اطلعنا عليه، وقررنا نقل جزء من حقائقه المرة لكم حتى يكون بمثابة صرخة النذير لكل من يهتم بهذا البلد ومستقبله، يقول التقرير " إن كثيرًا من مخرجات التعليم في المستقبل سيتعلمون على أيدي حملة شهادات مضروبة وبقيم عمل مضروبة لدى القطاع العام تحت نظر قيادات "باراشوتية" ومحاصصية " .

نعم إنها صرخة تحذير كبرى، أنقذوا التعليم، تنقذوا البلد، أما إذا أهملتموه فسينهار كل شيء، لأن التعليم لا يعلم الإنسان العلم فحسب، ولا يعطيه المعلومات حول جغرافيا البلدان، وطريقة الحساب، وتفاعلات المواد الكيميائية، بل هو في حقيقته غرس يُغرس في نفوس الأجيال، فيعلمهم القيم، وحب العمل والصدق والولاء والإخلاص في الوظيفة التي يناط بها أي فرد من أفراد الوطن، وما تردي حالتنا اليوم، وانتشار الفساد بيننا إلا مظهر من مظاهر سوء التعليم.

لقد أدت المنظومة التعليمية الفاشلة، ومن بعدها منظومة التوظيف في القطاع العام ,والتي تربط بين الشهادة التعليمية وبين الأجر الذي يتلقاه الموظف دون اعتبار للعلاقة بين قيمة التعليم ومستواه وقيمة ذلك الأجر , إلى كارثة كبرى في المجالين التعليمي والوظيفي على حد سواء وفق ما يقول تقرير الشال.

لقد أدت التعيينات غير المستحقة لأساتذة الجامعات المزورين، والتلاعب في العملية التعليمية عبر الواسطات والتلاعب بنتائج الاختبارات والتساهل في اعتماد الشهادات المزورة تحت ضغوط سياسية أو اجتماعية، أدت إلى سحق العملية التعليمية في البلاد وتحولها لأضحوكة في مؤشرات التصنيفات الدولية.

ففي تقرير مستوى التنافسية العالمية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي «دافوس» طبعة 2017 /2018، صنفت الكويت خامسة في مستوى التعليم العام لديها بالمقارنة مع دول مجلس التعاون الست، أي أننا في المركز قبل الأخير خليجياً، يا  له من مؤشر مشرّف!

ومن أصل 137 دولة شملها التقرير فإن الكويت تحتل المرتبة 89 في نظام التعليم، والمرتبة 106 في تعليم العلوم والرياضيات، والمرتبة 111 في مستوى إدارة المدارس، رغم أننا ننفق على التعليم مليارات الدنانير سنوياً، ونبني المدارس في كل مكان، لكن الاهتمام بالكم دون الكيف يؤدي إلى هذه الحال المزرية.

إن تردي العملية التعليمية لدينا لا ينحصر في المراحل الابتدائية للتعليم، بل يمتد إلى التعليم العالي مع الأسف الشديد، فليس لدينا في الكويت سوى جامعة حكومية واحدة، وتصنيفها لا يبشر بخير أبداً وفق تقرير الشال، حيث أن جامعتنا العتيدة التي مضى عليها ٥٤ عام تقع في مركز بين الـ800 والـ 1000 أي أننا في القعر، في أبعد قعر ممكن في مجال التعليم العالي.

لقد آن الأوان لنا أن نبعد التعليم عن المجال السياسي، عن المحاصصات الطائفية، وعن الاعتبارات القبلية، وأن نجعله كما يفترض به ليكون حراً نزيها بعيدًا عن كل اعتبار غير علمي.

لقد حان الوقت لأن تضع الحكومة مشروعًا عظيماً لها يكون فيه الإنسان لبنتها الأولى، ويكون التعليم هو المكون الأساس لهذه اللبنة الصلبة، إذ لا يمكن للأوطان أن ترقى إلا بالإنسان المتعلم ولا يمكن للإنسان المتعلم أن يتعلم إلا بوجود نظام تعليمي نزيه وصارم وحر لا مدخل فيه للفساد.

إن فهم الحكومة لأهمية التعليم، ودوره في بناء الوطن هو خطوة مهمة في سبيل الإصلاح، لكن معرفة بواطن الخلل من دون تمرير مشرط الجراح عليها أمر لا نفع منه ولا طائل، وتمرير مشرط الجرّاح على الحقل التعليمي يستلزم الكثير من المواجهة، إنه يستلزم محاربة الفاسدين ذوي الشهادات المزورة أولاً ومن ثم ملاحقة من سهل لهم هذا التزوير ومن بعدها محاربة كل إمكانية لتزوير أي شهادة مستقبلاً، وبعد ذلك يتم  وضع أسس لتعليم الطفل يتم معها نسف كل القوالب التعليمية الجاهزة التي بتنا معها في آخر الركب.

ليس الأمر مستحيلاً، فهناك تجارب ناجحة لتطوير التعليم سبقتنا بها دول كان بعضها دولاً فقيرة و جائعة ومتخلفة مثل ماليزيا وسنغافورة , وبعضها كان خارجاً من حروب مزقتها مثل كوريا الجنوبية ، قد يدفعنا لرؤية بصيص الأمل الذي يلوح في آخر النفق خصوصاً وأننا نمتلك كافة الأشياء اللازمة لهذا، نمتلك شعباً يريد أن يرى وطنه ناهضاً، ونمتلك نعمة الله التي حبانا بها، النفط، ونمتلك إرادة لا تلين.

إن هذه الرسالة من "الآن" هي تحذير من فساد العملية التعليمية، وترغيب في بناء الإنسان، وبالتالي بناء الوطن عبر إصلاح التعليم، فلنكن "قدها".

تعليقات

اكتب تعليقك