#رأينا_الآن فساد التسليح .. غول يلتهم ثرواتنا
محليات وبرلمانالآن مارس 11, 2019, 3:08 م 931 مشاهدات 0
تختلف النظرات الموجهة للوطن من شخص إلى آخر، باختلاف مآربه وأهدافه وطموحاته وشخصيته، فالمواطن الشريف يراه ملاذاً آمناً، وأرضاً قاتل أجداده من أجل الدفاع عنها، والوافد يراه ملجأً للعمل وتدبير معيشته في بلده الأصلي بعد أن ألجأته الظروف إلى وطنه الجديد والمؤقت، لكن تجار الفساد لا يرون في الوطن سوى مغارة كبيرة مليئة بالذهب، وهم في سباق مع الزمن، سباق طويل لنهب أكبر قدر ممكن من الأموال وكأن البلد سينتهي في يوم من الأيام، وفي مسيرة النهب هذه، لا يتورع هؤلاء التجار الفاسدون عن تعريض الأمن الوطني للخطر، ونهب الميزانيات المخصصة للدفاع عنه عبر صفقات الأسلحة المشبوهة.
صفقة اليورو فايتر، وهي طائرات أوروبية مقاتلة مخصصة للأغراض الحربية، كانت دول الخليج قد بدأت بشرائها بعد إصدارها لأول مرة عام ٢٠٠٣ ونزولها في الأسواق العالمية.
وتتعدد أسباب شراء الدول الخليجية لهذه الطائرات، فمنها محاولة تقوية القوة الجوية من الأخطار المحدقة للخليج العربي، ومنها تقوية العلاقات السياسة والاقتصادية مع الدول الأوروبية المنتجة لهذه الطائرات، لكننا في الكويت لدينا سبب آخر غير موجود في أي دولة في العالم، وهو جعل وسطاء تجارة السلاح – الذين لا نفع منهم – أثرياء عبر العمولات المليونية الضخمة التي يتلقونها رغم أنهم لم يقوموا بأي شيء تقريباً.
وكان النائب السابق خالد سلطان بن عيسى قد فضح جزءاً من لعبة " تجارة السلاح " على حسابه في موقع تويتر فقال: " المملكة اشترت 76 طائرة يورو فايتر مع الخدمات بمبلغ 9مليار ، والكويت 28طائرة يورو فايتر بمبلغ 9 مليار بنفس الخدمات والفرق لا يفسر إلا بوقة كبيره من احتياطي الأجيال ، فقفوهم انهم مسؤولون ولقد تم تداول اسماء المتورطين في هذه السرقة ويجب عقوبتهم وتجريدهم من مناصبهم العامة والأموال " .
وأضاف موضحاً بعض الملابسات : " سرقة أموال الأجيال من صفقة اليورو فايتر تصل الى 4 مليار يورو فالسعر ل 28 طائره لا يجب أن يتجاوز 5 مليار في حين تم دفع 9مليار واختيرت إيطاليا لأنه ليس لديها رقابة على العمولات، يجب محاكمة كل من تورط في هذه الصفقة ويجردون من تلك الأموال وفوقها تعويض وتجريدهم من مناصبهم العامة وعقوبتهم " .
إننا نتساءل بكل براءة هنا، عن السبب الذي جعل الدول الأوربية تبيع ٧٢ طائرة يورو فايتر (وهو الرقم الصحيح وليس الذي ذكره السلطان) بمقابل ٨.٩ مليار دولار للسعودية وفي نفس الوقت تبيعنا تقريباً ثلث هذا العدد من الطائرات بنفس السعر، مع العلم بأن الخدمات المقدمة لما بعد البيع هي نفس الخدمات المقدمة، والسعودية قد تحتاج لخدمات أكثر بسبب دخولها في الحرب ضد ميلشيات الحوثي الواثبة على الشرعية اليمنية، بينما نحن في الكويت لا نخوض أي حروب ولله الحمد.
ولماذا تم اختيار إيطاليا رغم وجود مصانع أكثر جودة في دول الاتحاد الأوروبي؟ أم أن السبب الذي ذكره النائب السلطان صحيح، وهو برلماني وسياسي مخضرم وله اتصالاته بكبار رجال الدولة، وليس مثل أي مغرد عادي، وبالتالي فإن معلوماته تكون أكثر دقة ، فهل اختيار إيطاليا التي تصل فيها معدلات الفساد إلى نسب كبيرة مقارنة بدول الاتحاد الأوروبي هو لتسهيل الحصول على العمولات من "تحت الطاولة" عوضاً عن العمولات التي توضع فوق الطاولة !؟
ثم يأتي السؤال المهم، يا وسطاء صفقات السلاح، من أنتم؟
نعم يبدو السؤال غريباً بعض الشيء، لكنه حقيقي، لقد حان الوقت لأن نتساءل عن صفقات السلاح في الكويت، لماذا يجب أن تتم عبر وسطاء؟ هل نحن دولة مغضوب عليها في المجتمع الدولي حتى نحتاج لوسيط يقنع هذه الشركات؟ الجواب هو كلا بالطبع، فالكويت بحكمة سمو الأمير وسياسته الخارجية التي باتت مضرب المثل ، وباتت أكثر الدول الخليجية قابلية في العالمين الغربي والشرقي، ويكاد يتفق العالم أن الكويت ليس لها أعداء اليوم، حتى العراق، ذلك البلد الذي خضنا معه صراعات تاريخية حول الحدود والحقوق التاريخية ، باتت الكويت اليوم أقرب دولة خليجية له مع اعترافه بكل الذي طالبنا فيه طوال ١٠٠ عام.
أم أننا بحاجة لوسيط كي يقنع الشركات الأوربية ومن خلفها دولها بأننا نملك القدرة على دفع الأموال ولدينا رصيد احتياطي يؤهلنا تمويل صفقة السلاح هذه؟ إن هذا سبب لا يمكن أن يقتنع به عاقل، فالقاصي والداني يعلم أن الاقتصاد الكويتي اليوم قوي ومتماسك، إلى الدرجة التي نستطيع فيها إغلاق آبار النفط وتمويل أنفسنا عبر أرباح صناديقنا السيادية الضخمة.
أم أننا بحاجة لوسطاء السلاح كي يقنعوا دول العالم بأننا لن نستخدمها في أغراض حربية هجومية والاعتداء على دول الجوار؟ وهذه حجة سخيفة لن نرد عليها، لأن العالم كله يعلم أننا بلد السلام الذي يمد يديه لوقف الحرب والعنف في كل مكان حول العالم.
إن السبب في وجود وسطاء السلاح غير موجود أصلاً، فالدولة تملك جيوشاً من المستشارين وآلافاً من الشباب الخبراء في كل الإدارات الذين بإمكانهم صياغة العقود، والتفاهم مع الشركات الخاصة وتوفير مبالغ العمولات إضافة إلى الحصول على عروض أفضل من ٩ مليارات دولار لـ٢٨ طائرة.
هل وجود وسطاء صفقات السلاح هدفه أمر واحد، وهو محاولة نهب أكبر قدر ممكن من موازنة الدولة العسكرية والاغتناء منها، غير عابئين بأنها أموال هي من أملاك الشعب الكويتي ، بل هي أموال مخصصة من الأمة للدفاع عن الأمة وسيادتها؟ لكن كيف يعرف التاجر الجشع مفهوم الأمة والسيادة والوطن وهو ليس لديه هم إلا ملئ جيبه.
المشكلة في أن هؤلاء التجار، أنهم لا يختارون الصفقات والأسلحة حسب جودتها أو قوتها أو جدواها بالنسبة لجيشنا، بل يختارونها بحسب المبلغ الذي سيربحون منه لو عقدوا الصفقة بين الدولة وشركات الأسلحة، وما نبأ طائرات الرافال عنا ببعيد.
هؤلاء الوسطاء قد يبيعوننا في يوم من الأيام أسلحة فاسدة، بل إن صمتنا عنهم، وتوقفنا عن فضحهم، قد يجعلهم يبيعون لنا سيوفاً خشبية إذا ما رأوا عمولة جيدة من ورائها.
يمكن لأي فساد أن يمر، ويمكن لأي فساد أن يقوّم، لكن الفساد المتعلق بأمان الشعب وسيادته هو فساد وخيانة في نفس الوقت فلا تسامح في هذا.
تعليقات