#جريدة_الآن سلطان الخلف يكتب: النهضة العلمية لا هوية لها ولا وطن

زاوية الكتاب

سلطان الخلف 1506 مشاهدات 0


الأنباء:

العلم ليس له وطن ولا هوية وحيثما وجد مجتمع يهتم به ترعرع وازدهر.

ومن الخطأ الاعتقاد بأن المجتمعات المتدينة متخلفة علميا بسبب تمسكها بالدين لأن هذا الاعتقاد ليس قانونا علميا حتى نحتكم إليه كقانون الجاذبية.

وما الذي يمنع أن يكون المجتمع متقدما علميا وفي نفس الوقت محافظا أو متدينا إذا كان يقدر العلم ويوليه اهتمامه ويعرف أهميته في دفع عجلة التنمية ورفع مستوى المعيشة ودعم قدرات الدولة العسكرية والدفاع عن سيادتها؟ وهذا الأمر ينطبق على المجتمع اللاديني أو غير المتدين.

وقد ظهرت دعوات في مجتمعاتنا العربية كدعوة الأديب طه حسين تنادي باتباع خطى الغرب في كل شيء حتى التحلل من الرابطة الدينية من أجل الالتحاق بركب الحضارة الغربية، وهي دعوة لا يقبلها العقل ولا المنطق السليم وتكذبها التجربة الهندية وتجارب الأمم الأخرى.

وقد قاد الزعيم غاندي بلاده نحو التحرر من الاستعمار الإنجليزي ولم يكن معنيا بالتنازل عن هويته كمواطن هندي يفخر بتراث وعراقة بلاده الهند ولم يتعرض لعشرات الأديان في بلاده أو يطالب شعبه بالتخلي عنها من أجل التقدم والالتحاق بالغرب، كما كان يعتز بلباسه الشعبي البسيط وعنزتيه اللتين يشرب من لبنهما ليعبر في كل ذلك عن مدى حبه لشعبه وتقديره لحياته البسيطة وتمسكه بهويته الهندية.

والهند اليوم تعتبر من أكبر الدول الديموقراطية في العالم رغم تعدد الأديان فيها وتعدد ثقافاتها ولغاتها، ولم يمنعها تقديس الفئران أو القرود أو الاغتسال التطهيري في نهر الكنج المقدس (الملوث) أو العمامة التي يلبسها السيخ أو الساري الذي تفتخر به نساء الهند من اندفاعها العلمي، حيث أصبحت الآن عضوا في نادي الفضاء العالمي بعد أن حققت نجاحات ملموسة في برنامجها الفضائي الذي يعتمد على صواريخها المحلية الصنع وعقول علمائها وما أنجزوه من رحلات فضائية إلى القمر والمريخ وما يعدونه من خطط استعدادا للقيام برحلات مأهولة إلى الفضاء.

كما أن الهند حققت قفزات متقدمة في معدلات التنمية ومرشحة كي تصبح من بين أقوى الاقتصاديات العالمية والدول الصناعية، ومن الأجدر لهؤلاء العلمانيين أو الليبراليين العرب الذين يرون الدين أو العمامة أو اللحية أو الحجاب سبب تخلف مجتمعاتنا العربية أن يطلعوا على تجربة الهند في نهضتها العلمية وأن يتعلموا من الهنود أن تعدد الأديان فيها والثقافات لم يقفا حجر عثرة أمام انطلاقتها العلمية وأنه لا يوجد في الهند ناشطات نسائية كهدى شعراوي ـ كان شغلها الشاغل تخلي المرأة العربية عن لباسها الإسلامي ـ تدعو إلى التحلل من الساري بحجة أنه يعرقلها أو ينتقص من مكانتها في المجتمع أو ناشط سياسي يحتقر عمامة السيخ ولحاهم الطويلة ويحذر من أصوليتهم علما بأن مان موهان سينغ رئيس الوزراء الهندي الأسبق كان من طائفة السيخ ويضع عمامة على رأسه ومن قبله رئيسة الوزراء أنديرا غاندي كانت متمسكة بلبس الساري بكل فخر واعتزاز رغم مكانتها السياسية.

ربما وجد هؤلاء الليبراليون أو العلمانيون في الدين شماعة لتعليق فشل مشروعاتهم في بلادنا العربية فجعلوا من الدين أو التدين كبش فداء، لكن ذلك لن يغير حقيقة أن تخلف مجتمعاتنا العربية علميا مرده قلة كفاءتهم القيادية وانبهارهم الأعمى بالنهضة الغربية الذي جعلهم لا يقدرون طاقات شعوبهم الكامنة وتراثهم العظيم.

ترى ماذا لو حكم الهند عقليات شبيهة بالعقليات العلمانية أو الليبرالية العربية؟ طبيعي ستعاني الهند من معارك فكرية طاحنة مع عشرات الأديان والعادات والتقاليد التي حتما ستبدد طاقتها وتحيلها إلى دولة ضعيفة من دول العالم الثالث التي تمزقها الصراعات السياسية والديكتاتوريات القمعية.

تعليقات

اكتب تعليقك