#جريدة_الآن رأينا الآن صندوق التنمية .. " عين عذاري "

محليات وبرلمان

الآن 1286 مشاهدات 0


لا صوت يعلو هذه الأيام فوق صوت المواطنين الكويتيين المطالبين بالنظر في ملف القروض وإسقاطها ، أو على الأقل إعادة جدولتها ، خصوصاً وأنها باتت تثقل كاهل الأسر الكويتية وتتسبب بكابوس عميق لهم، حيث لم يعد يكفي راتب المواطن لسداد احتياجاته الأساسية فضلًا عن الرفاه المفترض أن يتمتع به وفق ما قرره الآباء المؤسسون لهذا البلد.


لكن ومع تزايد وتيرة هذه المطالبات الشعبية ورفض "الخبراء الاقتصاديين" الحكوميين لها، نشاهد تزايد وتيرة التبرعات الخارجية التي يقوم الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية بمنحها - بكل همة - لدول معظمها نائية ليس بيننا وبينها أي صلة أو مصالح دبلوماسية وسياسية وعسكرية واقتصادية، وهو ما يخلق حالة استفزاز و"قهر" جديدة للمواطنين الذين يعانون من وطأة الديون.

فماذا نقول للمواطن الكويتي وهو يشاهد الصندوق في شهر واحد يعطي قرضاً لدولة بنين بـ٥ ملايين دينار وجمهورية توغو بـ٧ ملايين ! كما أن الصندوق يمنح الصين! نعم أيها المواطن، الكويت تعطي قرضاً للصين ، هذه الدولة العظمى الذي يعد اقتصادها ثاني أقوى اقتصاد في العالم، تعطيها قرضاً بقيمة ٣٠ مليون دولار لتوسعة أحد المستشفيات الشعبية هناك!

وليت أن الأمر وقف على القروض، التي لا نعلم هل تسترد أم لا، بل توسع إلى المنح غير المستردة حيث منح الصندوق العراق ٨٥ مليون دولار لإعادة إعمار بعض المناطق المدمرة في العراق، وكلنا يعلم أن هذه الأموال لن تصل إلى مستحقيها ، لأن العراق يعد من أقل بلدان العالم شفافية وفق كل المؤشرات والإحصائيات الدولية، إضافة إلى منح الأردن الكثيرة التي كان أحدها بمبلغ ٦ ملايين دولار "لاستيعاب تداعيات اللجوء السوري".

وليكن في علمك أيها القارئ الكريم، أن هذه المبالغ ليست على مدار عام واحد أو ٦ أشهر على الأقل، لا بل هي في مدى شهر واحد فقط! نعم أيها القارئ، نعم أيها المواطن، في شهر واحد فقط يوزع صندوق الكويت للتنمية هذه الأموال على شعوب الأرض قاصيها ودانيها.


وقد يقول البعض، إن الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية يمول نفسه بنفسه، فنقول لماذا لا تنشئ الحكومة صندوقاً يمول نفسه بنفسه لصالح المواطنين، يفك كربات المكروبين وينجد المستضعفين والمستضعفات من المواطنين والمواطنات؟ بدلاً من أن نتركهم للجمعيات الخيرية التي يوزع بعضها الأموال وفق الانتماءات والمذاهب والتيارات الإسلامية السياسية! وإذا كانت الحجة إننا بهذه القروض الميسرة والمنح التي لا تسترد نقوم باسترضاء هذه الدول – التي في غالبها لا تهش ولا تنش في ميزان القرار الدولي – ومحاولة استمالتها، فمن باب أولى على الحكومات أن تستميل شعوبها على الأقل وتحاول إرضاء مواطنيها.


وحتى نعرف حجم الأزمة - ووفقاً لبيانات رسمية صادرة عن وزارة العدل - فإن عدد المواطنين الذين صدر بحقهم أمر ضبط وإحضار بين عامي ٢٠١٤ و٢٠١٨ هو ١٤٣ ألف مواطن! أي ١٠٪ من تعداد الشعب الكويتي مطلوبون للقضاء بسبب الديون ، وإذا كان كل فرد من هؤلاء يمثل أو ينتمي إلى أسرة مكونة من خمسة أفراد ، فهذا يعني أننا نتحدث عن نصف الشعب الكويتي !

ليس هذا فحسب – فالمآسي كثيرة أيها المواطن الذي تتطاير أمواله على بنين وتوغو- فإن عدد المواطنين الذين صدرت بحقهم أوامر منع من السفر على خلفية الديون هو ١٦١ ألف مواطن ومواطنة، وعدد المواطنات المطلوبات على ذمة ديون تتراوح بين مبلغ الألف دينار وعشرة آلاف دينار هو ٢٩ ألف مواطنة، ٢٩ ألف ربة منزل، ٢٩ ألف أسرة أيها المواطن تعيش على أوامر الضبط والإحضار بحق نسائهن اللاتي يربين الأجيال ويعددنها للمستقبل ، فماذا بقي لنا بعد؟


ورغم كل هذا وذاك، رغم لغة الأرقام التي حرصنا في "الآن" على تتبعها، ولغة الحقائق التي حرصنا على كتابتها، ولغة العاطفة التي حرصنا على سردها، فإن هناك حقيقة أبلغ من كل الأرقام والحقائق والعواطف، وهي أن الصندوق الذي يبعثر الأموال في اليمين والشمال عليه ملاحظات كثيرة يشيب لها الرأس، وأن ديوان المحاسبة ومن بعده لجنة الميزانيات قد ملّوا من تكرار هذه الملاحظات وتنبيه القائمين على (صندوق إغاثة كل دولة في العالم عدا الكويت) بتقديم تفسيرات لكثير من المخالفات المالية والإدارية في عمل الصندوق.


أحد أبرز هذه المخالفات بحسب لجنة الميزانيات في اجتماعها في الأول من مايو لعام ٢٠١٨ هو عدم تسوية ٥٧ مخالفة سجلها جهاز المراقبين الماليين للسنة المالية السابقة بحق الصندوق، وعدم توصل الصندوق لاتفاق مع ديوان الخدمة المدنية لوضع اللوائح المالية للصندوق ومزاياه المالية، بدلًا من الفوضى الحاصلة فيه الآن.

لكن كل هذا يهون أمام المعضلة الأهم التي سبق وأن واجهت الدولة في عدد من الصناديق الاستثمارية المملوكة لها، وهي عدم وجود آلية واضحة للاستثمار، والدخول في استثمارات خاسرة، بل وبحسب لجنة الميزانيات فإن الصندوق قام بالدخول في ذات النشاط الاستثماري مرتين رغم وضوح الخسارة ! يعني أن الصندوق لم يكتف بتوزيع أموال الكويت على القاصي والداني، بل فرّط باستثماراتها، وأضاعها في مشاريع عقارية خاسرة - بحسب التقرير - وقيامه بإخفاء بعض الملفات عن ديوان المحاسبة! في موقف قد يعيد لنا "سرقة العصر" في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية.


ناهيك عن النقطة الأهم وهي عدم تأسيس الصندوق لمكاتب في الدول التي يقوم بمنحها القروض الميسرة أو المنح غير المستردة لضمان تنفيذ المشاريع على الوجه الأمثل ، فما الذي يضمن لنا أن تقوم هذه الدول التي يعشعش فيها الفساد وتسيطر عليها المافيات السياسية تنفيذ هذه المشاريع التي دفعناها من أموالنا؟ فنخسر كل شيء في النهاية، فلا نحن الذين حصلنا على حقنا، ولا استفادت الشعوب المفترض على الصندوق أن يساعدها .


في نهاية الأمر، نحن في "الآن" ندرك أهمية الصناديق التنموية في إغاثة الشعوب المنكوبة التي عانت لسنوات طويلة من وطأة الفقر الناتج عن الاستعمار والطغيان، وندرك أهمية هذا الصندوق لعلاقاتنا الدولية، لكننا لن نقبل أن تعيش شعوب الأرض في رغد من العيش في وقت يخرج فيه المواطنون لساحة الإرادة مطالبين بإسقاط قروض لا يتجاوز قيمتها ١٪ من القروض الممنوحة لدول العالم.

تعليقات

اكتب تعليقك