#جريدة_الآن حسن فتحي يكتب: أسرار الصحة في غذاء أجدادنا!

زاوية الكتاب

كتب حسن فتحي 750 مشاهدات 0


الأهرام المصرية:

كل إنسان هو ابن بيئته الغذائية، فلكل شعب موروثه الغذائي الذي يتناقله عبر القرون والأجيال، فلا غرابة أن يكون تعديل هذا الموروث الغذائي ضمن أدوات وأساليب غزو الدول أو توجيه دفة تبعيتها نحوها، بفرض نمط غذائي مستورد، لم تعتده لا بيئة ولا بنية البشر في دولة أخرى.

ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك، أن مطاعم الوجبات السريعة، كانت جزءًا من تصدير الثقافة الأمريكية، كإحدى قواها الناعمة، لغزو عقول وبطون كثير من شعوب العالم، خاصة بعد الحرب الباردة، حيث سمح انهيار الاتحاد السوفيتي بالاجتياح الواسع لمطاعم الوجبات السريعة الأمريكية في الدخول إلى المناطق التي كان يضمها، قس على ذلك، كل الشعوب الواقعة في "دائرة الدول الصديقة" لأمريكا.

لذلك لحق العالم ركب أمريكا في ارتفاع نسب السمنة المفرطة "البدانة"، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل جلب نمط الغذاء الأمريكي معه، أمراضًا كانت نادرة في هذه الدول، فضلا عن أنها لم تكن تصيب الناس في سن مبكرة، مثل أمراض القلب والشرايين والسكر وأمراض الكلى والضغط المرتفع، والتي تنتشر بين شباب اليوم!!

وأتذكر هنا ما قاله لي يومًا الدكتور حسني سلامة أستاذ الكبد والجهاز الهضمي بطب القاهرة، من أنهم كأطباء في السبعينيات كانوا نادرًا ما يرون حالة سرطان كبد، واليوم أصبح مألوفًا أن يكتشف طبيب الكبد في عيادته أكثر من 5 حالات أسبوعيًا!!

وهناك كتاب للصحفي الأمريكي إريك شلوزر بعنوان "أمة الوجبات السريعة" يكشف فيه عن الممارسات الخطيرة في صناعة اللحوم الأمريكية والمجهولة لكثير من المستهلكين مثل تقديم الخنازير والخيول النافقة ومخلفات الدواجن في تغذية الماشية، والتي اعتبرها مسئولة عن مرض جنون البقر.

بالطبع فتش عن الغذاء والتلوث، وقبل ذلك هجر نمط غذاء الأجداد والآباء، وهو فحوى الرسالة الرائعة التي وردتني من الدكتور أسامة حمدي أستاذ السكر والباطنة بجامعة هارفارد الأمريكية، والتي يقدم فيها بأسلوبه السهل الممتنع، ويكشف بالدليل القاطع كيف أن طعامنا التقليدي الذي اعتاده أجدادنا وهجرناه كان خير وقاء لنا من كثير من الأمراض..

رسالته الرائعة عن طعام أجدادنا وسر الصحة فيه أنقلها مع بعض التصرف وفق ما تقتضيه المساحة:

كان آباؤنا وأجدادنا يفطرون يوميًا على طبق الفول، وكانوا غالبًا "يدمسونه" في منازلهم، وهو مصدر رائع للبروتين النباتي الذي يحتاجه الجسم بكثرة، كما أنه مصدر للألياف المتوافرة في قشره، وهي من النشويات التي لا تؤثر على مستوى السكر في الدم.

ومن المعروف الآن أن البروتين يزيد من إفراز هرمونات الشبع PYY و GLP-1، لذا فإن الفول يعطيك شعورًا بالامتلاء لفترة طويلة، وهو ما جعله طبق السحور الرئيسي في رمضان، وأروع ما يمكن إضافته للفول هو زيت الزيتون والليمون والطماطم والبقدونس فكلها مفيدة صحيًا.

كانوا يأكلون الجبن القريش ويشربون اللبن كامل الدسم والقشدة، وأثبتت الأبحاث في السنوات الخمس الماضية أن منتجات الألبان خاصة كاملة الدسم تقلل من فرصة الإصابة بـ"سكر الكبار"، كما أنها تقلل من نسبة الإصابة بانسداد شرايين الدماغ، والجبن القريش لا يحتوي على الملح الذي يرفع ضغط الدم.

كانوا يأكلون المش ويصنعون الزبادي في منازلهم، وأثبتت الأبحاث أن الجبن المخمر يحتوي على البكتريا الحميدة لاكتوبسيلاس lactobacillus التي تفيد المعدة والأمعاء، وتقلل فرصة الإصابة بالسكر، مما يقلل من البدانة ويحسن مستوى السكر في الدم.

كانوا يطهون طعامهم بالسمن البلدي، وأثبت العلم الحديث أن هذا النوع من السمن أفضل بكثير من السمن الصناعي القاتل والمُصنع من الزيوت المهدرجة، فالدهن المشبع من منتجات الألبان على عكس ما يعتقد الكثيرون مفيد للجسم.

كانوا يأكلون الزيتون ويخللونه في منازلهم ويستخدمون زيت الزيتون وزيت بذرة القطن والزيت الحار وكلها مفيدة صحيًا، وخاصة زيت الزيتون الذي يرفع مستوى الكوليسترول المفيد HDL ويخفض مستوى الكوليسترول الضار LDL وهو أفضل الزيوت على الإطلاق، كما كانوا "يهرسون" الجبن القريش في زيت الزيتون ويضيفون له الطماطم ليكون إفطارًا أو عشاءً شهيًا.

كانوا يأكلون الخبز الأسمر بالردة، وهو أقل تأثيرًا على مستوى السكر في الدم، وكانوا يأكلون الخبز الفلاحي المُصنع من القمح والذرة، وهو أفضل بكثير من الخبز الأبيض المُصنع من القمح المطحون فقط.

كانوا يأكلون السلاطة الخضراء، إلى جانب الجرجير والفجل والسريس والبصل الأخضر والخس والجزر، وكلها مصادر للألياف المفيدة للقولون، وتقي أيضًا من سرطان القولون، وتمنع الإمساك وتبطئ امتصاص السكر من الأمعاء.

كانوا يأكلون القليل جدًا من اللحوم الحمراء، وكان نصيب الفرد لا يتعدي قطعة واحدة، والمعروف الآن أن أكل اللحوم بكثرة يزيد من معدل الإصابة بالسكر ويزيد فرص الإصابة ببعض أنواع السرطانات.

كانوا يأكلون الطيور والأرانب والبيض والأسماك، وكلها مصادر جيدة للبروتينات الحيوانية والتي يحتاجها الجسم لبناء العضلات؛ فالبيض مصدر مهم للبروتين الخالص، والكوليسترول في صفار البيض سيء الامتصاص، ولا يؤثر كما كنّا نعتقد في السابق على نسبة الكوليسترول في الدم، والأسماك هي أفضل البروتينات على الإطلاق.

كانوا يأكلون الكثير من الخضار والبقوليات المطبوخة كالفاصوليا والكوسة والباذنجان والبسلة واللوبيا والملوخية، وكلها مصادر رائعة للنشويات الجيدة التي لا تؤثر على مستوي السكر في الدم، وهي مصادر عظيمة للبروتينات النباتية المفيدة للجسم.

كانوا يشربون الماء ولم يعرفوا المشروبات الغازية والعصائر المحتوية على كمية عالية من السكر، والتي تزيد من البدانة وفرص الإصابة بالسكر، كانت تسليتهم لب البطيخ والشمام واللب السوري، وكلها تؤثر إيجابيًا على الكوليسترول بالدم.

آبائنا وأجدادنا المصريون، قبل أربعين عامًا فقط لم يكونوا يعرفون اللانشون والببروني والسلامي وأنواع السجق المختلفة، ولم يأكلوا البيتزا والشيبسي وأكياس الشيتوز وأصابع البسكويت والسوداني المغطاة بالشوكولاتة والمغلفات والمعلبات والمحفوظات في الثلاجات من الأطعمة سابقة التحضير والمضاف إليها عشرات من المواد الكيميائية السامة لتراكمها في الجسم وسكر الفركتوز الضار جدًا بالصحة.

باختصار كانوا يأكلون يوميا في بيوتهم ولم يعرفوا" التيك أواي"، وقد أثبت العلم الحديث أن كل ما كان يأكله أجدادنا في مصر هو أصح طعام يمكن أن يتناوله الإنسان، لذا ليس من المستغرب أنهم تمتعوا بصحة أفضل بكثير من صحتنا، ولم يعرفوا طريق الطبيب كما عرفناه، ولم يعانوا من البدانة والسكر وأمراض القلب كما نعاني نحن الآن.

في ختام رسالته العلمية الرائعة، يطالب العالم المصري وزارة الصحة والإعلام الصحي الواعي، ونحن معه، بحملة قومية للرجوع إلى أكل الأجداد، حتى نطعم أبناءنا طعامًا صحيًا بدلا من خلق جيلً عليلً آخر، وحث الشباب على مقاطعة الوجبات السريعة وغيرها من الأطعمة الضارة والعودة إلى طعام أجدادهم الصحي، فإن فعلنا ذلك، سنوفر المليارات المهدرة في استيراد هذه الأغذية، فضلا عن علاج الأمراض المزمنة التي جلبتها لنا، والتي نفخت أبداننا وأرهقت جيوبنا وأفرغتها.

تعليقات

اكتب تعليقك