#جريدة_الآن فهد البسام يكتب: النواب حولوا المجلس إلى مكتب خدم!

زاوية الكتاب

كتب فهد البسام 697 مشاهدات 0


الجريدة:

بدلاً من أن يعالج نواب الأمة أزمة الخدم، بعد الحملة الفلبينية الشهيرة، بما يؤمن لهم كرامتهم وإنسانيتهم، يبدو أنه انتقلت إليهم، بالمقابل، لغة الخدم وأساليبهم ومناكفاتهم الصغيرة وتفاخرهم بغنى ومستوى معازيبهم، لكن بالمقلوب هذه المرة، فكنتيجة طبيعية لافتقاد أغلبهم لمقومات النيابة الشخصية كسعة الصدر وطولة البال وسعة الأفق والرصانة المطلوبة لأي مشرع واعٍ في أي برلمان محترم بالعالم، صار واحدهم مع أول اختلاف أو ارتفاع لحدة النقاش يسرع بمعايرة زميله بمعزبه، والكل يعاير الكل، لا فرق بين حشدي أو حدسي أو حكومي إلا بقوة الحبال الصوتية، حتى صارت مثل هذه الاتهامات العشوائية هي التي تزيد من سوء الفهم والخلط والالتباس لدى الشخص العادي بين أدوات العمل السياسي، ومنها التحالفات كصيغة مقبولة وبين الملكية أو الكراء كآلية قديمة ومستقرة ومستمرة ومرفوضة في العمل السياسي الكويتي.

لا اعتراض من الأساس على مبدأ المعايرة بحد ذاته، فهي من عاداتنا وتقاليدنا، لكن حتى هذه لها أصول وقواعد ومبررات، فالمعايرة والتجريح يوجَّهان مبدئياً للموضوع، ثم ننظر بعد ذلك إلى صاحبه إذا ما أعيتنا الحيلة، فنوجه سهامنا لغباوة الفكرة أو ضحالة الطرح أو انحطاط الأسلوب أو أي أمور أخرى تتعلق ذاتياً بصاحبه وتصدر منه، وما أكثرها! لكن موضة المعايرة بالمعازيب وحقوق التبعية أمر مستحدث نسبياً، وكأن الغباوة والضحالة والانحطاط أصبحت أموراً مفروغاً منها وسمة مشتركة بينهم، وبالتالي لا يرون فيها ما يشين حتى أصبحت لا تستحق الالتفات والمعايرة البناءة.

ثم إن القفز للمعايرة بالمعازيب قبل نقد الرأي أو الموقف محل الخلاف والتغاضي عنه يحمل في جوانبه إبراءً لذمة المستهدف، وتهويناً من مسؤوليته بشكل أو بآخر، فكأنك حين تقفز عن الموضوع لتقذف أحدهم بالتبعية لمعزب ما، تنفي عن عقله صدور مثل هذه الآراء والمواقف التي تراها غبية أو خاطئة وتنسبها إلى معزبه المفترض، وأنه مجرد رسول مجبر مغلوب على أمره، ونحن هنا فقط نفضحك ليعرف الناس حجمك الطبيعي، بينما في الواقع الكثير ممن يعبر عن هذه الأفكار والآراء هو مقتنع بها فعلياً، والخطأ والغباء فيها ذاتي المصدر ومن دون الحاجة إلى راعٍ رسمي خارجي، وبالتالي لم يتحقق من هذا الفضح المزعوم سوى الإساءة للشخص المستهدف والمؤسسة البرلمانية التي تجمع كل هؤلاء الصبيان تحت قبتها، بينما قد تظل الأفكار والآراء التي عبر عنها "الصبي" المفترض لتعيش من بعده وتروج، بل وقد يزيد التعاطف معها وتسقى بمياه المظلومية، لتنمو وتكبر وتتحول إلى حقائق راسخة مع الوقت من باب أنها لو لم تكن صحيحة لما تعرض صاحبها لهذا الاتهام، ولأنها في الأساس لم تتعرض للدحض الكافي والتشريح المستحق من البداية.

كل يوم تجد هناك من يلقي على السلطة كومة الاتهامات الجاهزة عن عدم إيمانها بالدستور والديمقراطية وسعيها المبرمج لوأد التجربة، ولا نختلف كثيراً معهم في هذا، لكن ما نراه اليوم أن الأخطر من أعداء الديمقراطية عليها هم من يظنون أنهم أبناؤها وحماتها، فلا تزيدوا بتنابزكم هذا من خسائرنا، ولا تدعونا نصل إلى مرحلة نقول فيها إن الفارق الوحيد بينكم أنه في مكتب الخدم المعزب هو مَن يختار خادمه، ولديكم الصبي هو مَن يختار معزبه.

تعليقات

اكتب تعليقك