‏⁧‫#جريدة_الآن‬⁩ النقل المستدام يشهد نقلة نوعية في إسبانيا للحد من التلوث البيئي

عربي و دولي

الآن - كونا 604 مشاهدات 0


مع ازدياد الوعي بضرورة الحد من التلوث البيئي والأضرار الناجمة عنه بدأت المدن الاسبانية تبحث عن بدائل لتعزيز وسائل النقل المستدام بغية تحسين جودة الهواء وحماية الصحة العامة والحد من مستويات التلوث.
ففي عام 2015 جاءت اسبانيا في المرتبة السادسة من بين دول الاتحاد الأوروبي في عدد الوفيات الناتجة عن تلوث الهواء بزيادة بنسبة 23 في المئة مقارنة بالعام الذي سبقه وذلك وفقا للوكالة الاوروبية للبيئة فيما اكدت الوكالة ايضا ان 15 مليون اسباني يستنشقون هواء "غير صحي" خاصة في مدينتي (مدريد) و(برشلونة) اللتين جاءتا على رأس قائمة أكثر المناطق تلوثا في البلاد. ووفقا لتقديرات حكومة (مدريد) في عام 2015 توفي 4116 شخصا بسبب التلوث في العاصمة اي ما يمثل نحو 15 حالة وفاة يومية فيما اشار تقرير أصدرته محافظة (برشلونة) في عام 2017 الى وفاة 354 شخصا بسبب تدهور جودة الهواء مقارنة بوفاة 266 شخصا عام 2016.
وفي محاولة منها للتقليل من آثار تلوث الهواء أعلنت الحكومة الاسبانية في نوفمبر الماضي عزمها منع بيع وتسجيل المركبات التي تسير بالبنزين والديزل بحلول 2040 ومنع سيرها بشكل كلي اعتبارا من 2050 بغية تحقيق أهداف (اتفاقية باريس للمناخ).
كما فرضت بلدية (مدريد) في 30 نوفمبر الماضي المزيد من القيود على حركة السيارات في المدينة وأطلقت خطة أسمتها (مشروع مدريد المركزي) تهدف إلى الحد من وجود السيارات الخاصة في شوارعها على امتداد 472 هكتارا في قلب المدينة. وتسعى الخطة الى تعزيز التنقل المستدام والنقل العام وركوب الدراجات وتقليل عدد السيارات الخاصة إلى جانب توسيع مناطق المشاة وتعزيز حركتهم وتسهيلها في قلب المدينة بهدف تحسين جودة الهواء وحماية الصحة العامة وتقليل الضوضاء علما ان الخطة انطلقت في ديسمبر الماضي لكن تطبيقها سيبدأ بشكل صارم مع مخالفات مالية اعتبارا من الأول من شهر مارس المقبل.
ومع بدء تطبيق ذلك أكدت البلدية ان وسائل النقل العام تجري 25 ألف رحلة إضافية في اليوم الواحد فيما ازداد تدفق المشاة في المناطق الحيوية.
وفي ضوء تزايد الوعي والرغبة في تجنب تلك القيود أقبل المواطنون على اقتناء السيارات (الهجينة) والكهربائية فيما تشير تجمعات التجار وبائعي السيارات (فاكوناوتو) والمصنعين الاسبان (انفاك) إلى ان عدد السيارات الكهربائية في إسبانيا ارتفع في نهاية 2017 إلى 6ر27 ألف سيارة مقارنة ب 4ر10 ألف سيارة في 2013 كما تم بيع 8ر13 ألف سيارة كهربائية جديدة في إسبانيا على مدار عام 2018. ومع القيود المتزايدة ظهرت كذلك مبادرات جديدة مثل شركات الدراجات الهوائية والكهربائية التشاركية فيما وجدت شركات السيارات الكهربائية والدراجات النارية التشاركية مساحة نضرة للعمل والازدهار في المدن ليأتي ذلك مترافقا مع تعزيز المواصلات العامة من الحافلات ومترو الأنفاق والقطارات التي تصل الضواحي بمراكز المدن. ووظفت التكنولوجيا بشكل شاسع مع إطلاق التطبيقات التي تسهل الاستخدام والتنقل والبحث والدفع في مرونة كبيرة تزيد من جاذبية تلك الوسائل وتشجع المواطنين على استخدامها.
وتم إطلاق أول خدمة سيارات تشاركية في إسبانيا في 2015 وذلك في العاصمة مدريد مع اسطول من 350 سيارة كهربائية في مشروع شهد نجاحا كبيرا ليصبح أعدادها بالآلاف في 2018 كما انطلقت خلال العام الماضي خدمة الدراجات النارية التشاركية والدراجات الهوائية التشاركية التي تعد خيارا مثاليا في التنقلات اليومية الصغيرة داخل المدينة.
كذلك نجحت الدراجات الهوائية الكهربائية التشاركية العامة التي أطلقتها بلدية مدريد في 2014 في التغلب على جميع العقبات لتحظى اليوم بأسطول من 2028 دراجة مع 64 محطة في العاصمة. ونجحت محافظة (برشلونة) في تعزيز المسارات المخصصة للدراجات الهوائية بنسبة 20 بالمئة في السنوات الأخيرة لتبلغ اليوم 200 كيلومتر وهي مدينة يزدهر فيها بشكل خاص (السكوتر) الكهربائي على عجلتين لكونه وسيلة تنقل جذابة للسياح في المدينة.
ووفقا لدراسة أجرتها شركة الاستشارات (أركاديس) في عام 2016 فقد جاءت (مدريد) و(برشلونة) في المرتبتين 20 و24 على التوالي في قائمة ترتيب المدن الأكثر استدامة في العالم. وهناك مدن اسبانية اخرى لحقت بركب التنقل المستدام ولاسيما (إشبيلية) و(فالنسيا) لكونهما مدينتين مسطحتين وتحظيان ب 2600 و2750 دراجة تشاركية عامة على التوالي كما تحظى مدن أخرى في الشمال الاسباني بأساطيل من الدراجات والسيارات التشاركية.
ومما لا شك فيه ان مدريد وبرشلونة شهدتا تغييرات كبيرة في طرق تنقل سكانهما الذين تكيفوا بسرعة مع الواقع الجديد الذي تحتل فيه وسائل النقل التشاركية المختلفة مساحة مهمة لا تنفك تزداد شعبيتها مع ازدياد التنافسية وازدياد القيود الإدارية على المركبات التي تعمل بالاحتراق الذاتي.
وتشير احصائيات مختلفة إلى ان نسبة 45 في المئة من الاسبان استخدموا وسائل النقل التشاركية في عام 2016 فيما تشير جمعية (بونز) الإسبانية إلى ان نسبة 94 في المئة من سكان (مدريد) استخدموا تلك الخدمات حتى الآن.
وقالت الجمعية التي تعنى برفع مستوى الوعي بأهمية التقدم الاجتماعي والابتكار في مجال الاعمال والبحوث ان نسبة 58 في المئة من المواطنين الاسبان مستعدون لبيع سياراتهم الخاصة لقاء ضمان وسائل نقل فعالة مستدامة في المدن مشيرة إلى ان المواطن الاسباني لم يعد يرى في السيارات الخاصة ضرورة أو انعكاسا للقدرة الشرائية أو المستوى الاجتماعي مما قد يدعم رفاه النقل المستدام في السنوات القليلة المقبلة.

تعليقات

اكتب تعليقك