#جريدة_الآن - د. سليمان الخضاري يكتب: عط كل رب أسرة نص مليون... وخل يبتلش في أجياله القادمة!

زاوية الكتاب

كتب سليمان إبراهيم الخضاري 384 مشاهدات 0


الراي:

كان جالساً في ركن من أركان الديوانية، شيخاً وقوراً، يستمع بإنصات دقيق - رغم عمره الكبير - لحديثي الحماسي عن تحفظي على مبدأ إسقاط القروض، وأن الدولة يجب أن تقف بقوة أمام هذه الدعاوى الشعبوية، التي لا تزيد أنماط معيشتنا الاقتصادية إلا كماً أكبر من الاستهلاك، وتعيق التحرك الحقيقي نحو بناء اقتصاد مختلف، تتنوع فيه مصادر الدخل للدولة وتتغير فيه ثقافتنا الاقتصادية نحو مزيد من الانتاج والادخار، وتقليل الاعتماد على الدولة والموارد النفطية الآيلة للنضوب أو التحييد... طال الزمان أو قصر.
أثارت فضولي نظراته الحادة وابتسامته المريرة بين الفينة والأخرى أثناء كلمتي، فلم أفوت الفرصة بعد انتهاء الحوار لأقوم من مكاني وأدنو منه، وبعد السلام والتوقير، سألته عن سر صمته وابتسامته أثناء كلمتي، فقال لي بصوت رخيم اجتمع فيه الكثير من تجارب الزمن: «اسمع يا ولدي... أنا عشت أكثر منك وايد... وأخاف كلامي ما يعجبك»!
كم كان ذلك العم العزيز ناجحا في استثارة فضولي بدرجة كبيرة، لدرجة جعلتني أخاطبه بما يشبه الرجاء طالباً منه الاستفاضة في إجابته على سؤالي مع وعد مني بعدم «الزعل» منه، وبعد برهة من التردد، قال لي إنه يؤيد كل حرف قلته... ولكن... ويا ويلنا من «ولكن» هذه!
قال عمنا العزيز: إنه في ظل سوء الإدارة الحكومية والتدهور الحاصل في أغلب مؤسسات الدولة، ومع انتشار الفساد بدرجات لم يعهدها جيله، «جيل الطيبين»، وعدم فهم المواطن لازدواجية النجاح الديبلوماسي الكبير للدولة على المستوى الخارجي وإغداقها للعطايا والمنح في جميع أصقاع العالم، بينما تغرق الدولة في «شبر مية» كما حصل مع موسم الأمطار المنصرم، كيف للمرء ألا يفكر في مصلحته الخاصة ويشعر بالتفاعل مع الأطروحات الشعبوية قصيرة النظر كإسقاط القروض مثلاً، وماذا تبقى من منظومة القيم والشعارات الوطنية التي تجعل الفرد يقدم المصلحة العامة على مصالحه الخاصة! حاولت أن أجادل عمنا العزيز، لكنه استوقفني ليعيد تأكيده على اتفاقه معي، ولكنه أوضح أنه يتكلم عن شعب كامل ولا يتكلم عن نفسه تحديداً، فالسياسات الحكومية المتعاقبة داخلياً هي التي أنتجت هذه الثقافة الجمعية غير المبالية بالأموال أو المصالح العامة، وأنه في ظل كل هذا فلا يجب القسوة على المواطن البسيط، الذي يحلم أن يستيقظ من النوم يوماً، وقد سقط من على كاهله هم الديون المتراكمة عليه، سواء منهم من استدان لأسباب مفهومة، أو أؤلئك الذين ما إن تسقط عنهم القروض فسيستدينون مجدداً، ممنين النفس بإسقاط تلك القروض بعد سنوات! كلام العم العزيز، وإن كان تركني فاغراً فاهي حائراً في الرد عليه، إلا أنه بات يعبر عما وصلت له الأمور في نفوس الكثير من المواطنين... ولا يحضرني في هذا الموقف إلا كلمة الراحل العبقري خالد النفيسي في مسرحية حامي الديار: «يا عمي عط كل رب أسرة نص مليون... وقول له ابتلش في أجيالك القادمة... وخلصونا»!

تعليقات

اكتب تعليقك