عن تطبيع العلاقات مع بشار يكتب حمد العصيدان: إعادة تأهيل... مجرم حرب!
زاوية الكتابكتب حمد العصيدان ديسمبر 30, 2018, 11:42 م 594 مشاهدات 0
الراي:
على مدى نحو ثماني سنوات، ارتكب نظام الرئيس السوري بشار الأسد أبشع جرائم الحرب، ومارس أفظع الانتهاكات ضد الإنسانية تجاه الشعب السوري المسكين الذي اتضح أنه وقع فريسة «مؤامرة كونية» لم تكن تستهدف رأس بشار، بقدر استهدافها مقدرات الدولة وسيادتها ووجودها، واستجلب ذلك النظام كل الخارجين على القانون في العالم، سواء مَن حاربوا معه ضد أبناء شعبه، أو مَن صنّفوا أنفسهم معارضة ليحاربوه ويحاربوا الشعب السوري معه، حتى عادت ســــورية عشرات السنين إلى الوراء، وهي التي كانت درّة من درر الشــــرق العربي والأوسط.
واليوم، ونحن على بعد ثــــلاثــة أشـــهر من الــذكرى الســنوية الثامـنــــة لاندلاع الثورة السورية، يبدو بشار الأسد المنتصر الوحيد في الحرب التي قادها على شعبه، واستغل فيها كل الظروف والجهات، ليبقى متمسكاً بكرسي رئاسته، حيث تنازل عن سيادة البلد وسلمها لروسيا، فيما استغل الميليشيات الطائفية، أحسن استغلال، للحرب معه، من جماعة حزب الله اللبنانية، إلى الميليشيات العراقية التي لا تعد ولا تحصى إلى ما اســــتوردته إيران من ميليشيا عابرة للحدود من بلادها وأفغانســــتان وباكـــــستان، في ما عــــاثت دولة الصهاينة فساداً في أرض سورية قصفاً وانتهاكاً.
يبدو بشار منتصراً، وهو يقف على أنقاض بلد، دمر فيها 10 محافظات من أصل المحافظات الأربع عشرة التي تتكون منها سورية، منها 5 محافظات دمرها بشكل شبه كامل بمدينتها وريفها، وخلّف أكثر من 700 ألف قتيل، ونحو 300 ألف مفقود، و4 ملايين لاجئ خارج حدود سورية و10 ملايين نازح داخل البلاد، وبنية تحتية مدمرة، واقتصاد خسر ما قيمته 68 مليار دولار، وعملة فقدت نحو 85 في المئة من قيمتها، وجيش ممزق بين «أمراء الحرب» الذين يتوزعون اليوم مناطق النفوذ وتجري بينهم منافسة كبيرة على ما تبقى من مقدرات البلاد، ويقفون على بعد طلقة بندقية لتشتعل حرب داخلية داخل الجيش نفسه، بين قطبين كبيرين يتقاسمان السيطرة على الجيش، أحدهما ماهر الأسد شقيق بشار الذي يتزعم ميليشيا الحرس الجمهوري، وما ينضوي تحتها من فرق، والثاني سهيل الحسن المعروف بلقب «النمر» المدعوم من روسيا، الذي يحاول بسط سيطرته على مفاصل الجيش، في ظل الحماية الروسية له ووضع «فيتو» على بشار وأخيه من الاقتراب منه أو محاولة تحييده، قتلاً أو عزلاً، كما فعل بغيره من قبل، وهم كثر.
على أنقاض ذلك كله يقف بشار الأسد ليعلن انتصاره على الشعب السوري، وهو انتصار لم يكن ليحققه لولا أمرين اثنين.
الأول يتعلق برغبة العالم ببقائه على سدة الحكم، نظرا للرغبة الصهيونية التي عبر عنها أكثر من مسؤول في الدولة العبرية، لأن بشار يعتبر صمام الأمان لهم على الجبهة السورية، لمنع أي تصعيد فيها، وهو الذي ورث من أبيه وضعاً جغرافياً قائماً منذ 45 سنة، وبالتحديد منذ انتهاء حرب أكتوبر عام 1973، حيث لم يشهد الجولان المحتل إطلاق رصاصة واحدة من الجانب السوري باتجاه الاحتلال، بضمان وجود حافظ ومن بعده ابنه، وقيام الثورة يهدد بتغير النظام، ومعه ستتغير قواعد اللعبة، وهم لا يريدون ذلك، ولذا سمح الصهاينة بمساعدة «أعدائهم المفترضين» لبشار، ونعني هنا الميليشيات الطائفية وعرابها في المنطقة دولة إيران.
وهذا الامر يفضي إلى الأمر الثاني لانتصار بشار، وهو خذلان العالم للثورة، وتركها تواجه مصيرها أمام جبروت القوة الروسية التي رمت بثقلها عندما وجدت الموازين تميل في غير صالح بشار الأسد، فعاث الطيران الروسي قصفاً وتقتيلاً في كل من حلب وإدلب وريف دمشق ودرعا، حتى اضطر أهل الثورة إلى اختيار أحد أمرين أحلاهما مر، إما الاستسلام تحت ما سمي «تسوية وضع» مع النظام، وإما الرحيل إلى حيث يتجمع كل الرافضين لوجود بشار الأسد في محافظة إدلب.
واليوم، وبعد كل ما بدر من الدول العربية والغربية الكبرى عن ضرورة رحيل بشار الأسد، سلماً أو حرباً، وبعد كل المجازر التي ارتكبها بحق الشعب السوري، من أسلحة كيماوية وغير كيماوية مما حرمها القانون الدولي، يُعاد تأهيل مجرم الحرب ليعود إلى الحظيرة الدولية، وكأن شيئا لم يكن، فهل هذا الميزان عادل في مفهوم العدالة والأخلاق وحتى السياسة الدولية؟ وللحديث بقية.
تعليقات