عصام الفليج يطالب الحكومة بالانتباه للاختراق الفكري الذي يهدد استقرار البلاد

زاوية الكتاب

كتب عصام الفليج 527 مشاهدات 0


الأنباء:

لم تكن الهجرة أمرا مستجدا على العالم، فقد بدأت منذ الخليقة، لأسباب عدة لا حصر لها، تختلف مع الزمان والمكان. ومع انتظام الدول والأمم والحدود، أصبحت هناك إجراءات أمنية ينبغي الالتزام بها، والتي منعت من استمرار الهجرة العشوائية.

ولعل السبب الرئيس للهجرة هو طلب الرزق، بالذات لدول أوروبا الغربية وأميركا الشمالية وأستراليا، وقد استقبلت تلك الدول المهاجرين من كل مكان بشكل منظم قبل أكثر من قرن، دون النظر للجنس والدين، وذلك بهدف المساعدة في البناء لقلة عدد السكان فيها، مقابل مساحات الأرض الشاسعة، وكانت الأعداد بكل الأحوال قليلة لصعوبة السفر آنذاك (أنظر فيلم الجذور).

وارتفع «طلب» تلك الدول للمهاجرين بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، لانشغال السكان الأصليين بالحروب، وقيام الوافدين بتغطية النقص في المصانع والمعامل، ثم كثرة قتلى الحروب، ثم الثورة الصناعية والانفتاح الاقتصادي، مما احتاج إلى استيراد عمالة متوسطة المستوى وأقل، للقيام بأعمال البناء والصناعة والطرق والبنية التحتية والزراعة، وذلك لقلة الأيدي العاملة الأصلية، ولكونهم وافدين كانوا يشغلونهم (جبرا) ساعات أكثر في المصانع، ويقسون عليهم في العمل، وتقديرا لدورهم تم منح عدد كبير منهم الجنسية المحلية، علما بأنهم كانوا يعاملون معاملة مواطن من الدرجة الثانية، إلى أن صدرت قوانين تنظم العلاقة الوظيفية، ولولا هؤلاء المهاجرون، لما قامت الصناعة والريادة والاقتصاد في كل دول الغرب.

واستقرت خلال هذه السنوات العديد من الأسر الوافدة، وأصبح الجيل الثالث لا يعرف لغته ولا تاريخه، إلا أن معظمهم حافظوا على عاداتهم وتقاليدهم ودينهم، فرأينا الحيين الصيني والهندي، وتنوع المطاعم ومحلات الملابس والأطعمة الخاصة بهم، واتخذوا دور عبادة لهم، وكان الزواج من المواطنين الأصليين في أضيق الحدود.

ومن أبرز العادات التي حافظ عليها المهاجرون كثرة الإنجاب، فالأسرة الغربية الآن لا تنجب سوى طفل واحد، مع ازدياد مطرد للمواطنين المهاجرين.

وبعد ارتفاع المستوى الاقتصادي في الألفية الثالثة، ارتفع المستوى المعيشي للمواطن الغربي، وارتقى عن العمل الوظيفي المتدني، فكان لا بد من استمرار استيراد العمالة، والتي غالبا تكون من آسيا وأفريقيا وأوروبا الشرقية، ومن هنا كان سبب ارتفاع عدد المهاجرين أو مواطنين جدد.

وأما استقبال اللاجئين في أوروبا، فهو بناء على اتفاقيات دولية مع الأمم المتحدة، تلتزم بها كل دولة بنسبة معينة كل عام، مساهمة منها في الجانب الإنساني.

وظهرت في السنوات الأخيرة نعرة غريبة من الأحزاب اليمينية الأوروبية، ومن الرئيس الأميركي، تستفز فيها الشعب الأصلي، وتعتبر الوافدين مواطنين من الدرجة الثانية، وهو تصنيف ممقوت يمارسه المتطرفون في أوروبا، وأن عليهم طرد المهاجرين واللاجئين لأنهم ضيقوا عليهم في الوظائف والمدارس والرزق!

وللأسف يتناسق مع ذلك تصعيد إعلامي موجه يستفز المواطنين، بدعم من اللوبي الصهيوني، وكلنا يعرف من يملك الإعلام في العالم.

ولعل هذا الأسلوب الانتهازي والتهديد يثير قلق المهاجرين حتى لو كانوا من الجيل الثالث، يعيشون الخوف والهلع من وصول الأحزاب اليمينية (والمتطرفة منها) لرئاسة الحكومة، خوفا من الفوضى والإضرار بهم والاعتداء عليهم، كما حصل بعد أحداث 11 سبتمبر، وغيرها من الأمثلة.

أعتقد أنه على الحكومات أن تنتبه لذلك الاختراق الفكري الذي يهدد استقرار البلاد، وضرورة توعية المواطنين بكل ما مضى، وأن التعايش وقبول الآخر هو السبيل الأمثل لاستقرار البلاد.

تعليقات

اكتب تعليقك