د. غانم النجار يكتب: حقوق الإنسان... فكرة مستحيلة؟

الجريدة:

هل بالإمكان أن تسود فكرة احترام حقوق الإنسان في العالم أم أنها فكرة مستحيلة، يرددها السذج، ويستغلها الطغاة لتغطية أفعالهم المريعة بحق الناس؟ وهل كرامة الإنسان مطلقة أم نسبية؟ بمعنى آخر هل هناك موقع لكرامة الإنسان وحقوقه بصرف النظر عمن يكون لا علاقة لها بالدين والمذهب والعرق واللغة واللون والأصل، وغير ذلك من مكونات الإنسان التي تؤصل للتمييز والإحساس بالتفوق والنظرة الدونية للآخر، وما ينتج عن ذلك من حروب ومعاناة وخطاب كراهية وقتل وإبادة جماعية؟

هل هناك حقوق للإنسان، يتمتع بها، ويقيم على أساسها؟ وهل هناك كرامة للبشر، ينطلقون منها وإليها، ويجعلونها معياراً للتعامل فيما بينهم؟ وهل هناك قيم إنسانية لها الأولوية في التنمية والتطور، ويتم على أساسها رصد التقدم المحرز في هذا المجتمع عن ذاك؟

الملاحظ أنه خلافاً لما يزعمه الناس من إعلاء القيم الإنسانية على ما عداها، إلا أن السائد في التعامل بين البشر، هو قيم الغلبة والقوة والهيمنة والسيطرة. فإن استقامت تلك القيم واستقر الأمر لها، كان هناك ربما "فائض قوة" أو "فائض ثراء" يرفع شيئاً من قيم إنسانية لعلها توحي بالمساواة والعدالة.

نحن الآن في سنة 2018 ، أي 70 سنة على صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أول وثيقة تتوافق حولها المجتمعات على أساس أنها المعيار الإنساني الذي بموجبه يتم تقييم المجتمعات، فيتم وضع المجتمعات التي تطبق المفاهيم الواردة في الإعلان في مقدمة الدول الإنسانية التي تحترم كرامة الإنسان، كما تتم إدانة الدول التي لا تلقي بالا للمبادئ الواردة في تلك الوثيقة. فهل لذلك وقع فعلي على الساحة العامة؟ وهل لذلك أثر حقيقي على مجريات الأمور بين البشر؟

جاء كمبررات لصدور الإعلان قبل 70 سنة متأثراً بمجريات الحرب العالمية الثانية الدموية التالي:

"لما كان تناسي حقوق الإنسان وازدراؤها قد أفضيا إلى أعمال همجية آذت الضمير الإنساني، وكان غاية ما يرنو إليه عامة البشر انبثاق عالم يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة ويتحرر من الفزع والفاقة".

إلا أن الإعلان أعطى أيضاً مبرراً ومشروعية للتمرد. فلماذا يتمرد البشر؟ وهل التمرد مشروع ومبرر؟ يجيب الإعلان في مقدمته بأن للتمرد أسبابه وأبرزها عدم حماية القانون لحقوق الإنسان:

"ولما كان من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان لكي لا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم".

إلا أنه بدلاً من أن يصبح العالم أكثر التزاماً بقيم حقوق الإنسان، صار يعاني تراجعاً ملحوظاً، في دول الشمال، وهو ما ينبئ بما حدث وما سيحدث من مآس وكوارث من صنع البشر ذاتهم في القادم من السنوات.