د.محمد الرميحي يكتب عن محاولات تركيا منع تطور المشروع الإصلاحي السعودي

زاوية الكتاب

كتب الآن 913 مشاهدات 0


الإهرام

كثير من أخبار تركيا حول قتل المرحوم جمال خاشقجى تقع فى إطار التوجيه لا الأخبار، فهى تتم على دفعات وبتسريبات وتكهنات وتناقضات، تجعل المتابع يقرأ فيها توجيها يمكن رصده أكثر مما هى إخبار يمكن الركون اليه. وهنا تكثر التحليلات، وهى فى الغالب محقة، لأن طريقة التوجيه توحى بأجندة خفية تعمل بدقة، علينا ان نسبر غورها بتؤدة، وليس بأهواء عاطفية

تركيا الأردوغانية لديها مشروع فى منطقتنا العربية غير خاف، وهو مشروع مغلف بالإسلام السياسى كما تفهمه، والذى تناصره وتعطف على مقتنعيه خارج حدودها، كما تجد فيه سُلما للانتشار فى الجوار. فى الجانب الآخر هناك تيار يرى أن الإسلام السياسي، كما تجلى فى السلطة لفترة منذ سنوات فى مصر وفى غيرها من بلدان العرب هو مشروع خارج العصر، تستعصى عليه المواءمة بين علم اليوم، واجتهادات الغابرين، يستجلب فى صيرورته مقولات إسلامية تراثية من عصور التقهقر، ويوظفها من أجل هدفه الانقلابى للقفز على السلطة القائمة او تعطيل التقدم المرجو من الشعوب، وبالتالى إدخال الشعوب فى فوضي، وهنا جاءت مواقف بعض الدول العربية من هذا المشروع، فمصر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات على سبيل المثال تمنع اصحاب هذا النشاط السياسى ذا المشروع الانقلابي، وبعض الدول الاخرى تمتعض منه، لانها ترى فيه عوامل تخلف وتراجع، فى الوقت الذى يسير فيه العالم الى آفاق رحبة من التطور والرقي. فجماعات الإسلام السياسى تعمد إلى تفسير الإسلام والانتقاء منه من أجل ترويج مشروعهم ، ذلك هو الإشكال الذى يواجه التطور فى منطقتنا، وليس الإسلام بحد ذاته، فقلب المعركة هى المعركة الثقافية التى تلبس ملابس سياسية.

هذا الفهم السياسى المنغلق على الماضي، والذى تحمله تلك الجماعات هو الذى يعضد من المجموعة الحاكمة فى تركيا، مع خليط من الفكر القومى التركي، لذلك جاءت قضية قتل الصحفى والتى هى بحد ذاتها شنيعة، كى توظف فى الوقوف او ربما محاربة المشروع المضاد، وعلى رأسه الخطوات الإصلاحية التى تتخذ فى المملكة العربية السعودية.

لقد بدأ ذلك الهدف يظهر شيئا فشيئا من طريقة التسريبات (بالنقطة) القادمة من تركيا، وهى ما زالت مستمرة، فبعد كل تلك الايام التى مرت على الحادث، من المفروض ان تُقدم تركيا الرسمية سجلا واضحا لما تعرف عن القضية، شاملا، أما ما يحدث من تسريبات، فيأخذ المتابع إلى أن الأجندة هى ابعد ما تكون عن إجلاء الحقيقة او الاهتمام بحياة شخص، هى محاولة لإيقاف أو منع التطور للمشروع الإصلاحى السعودي، حتى لا يؤتى أُكله، هى محاولة للضغط عليه وإجباره الى التراجع! حتى تتسيد تركيا فى المشهد الإسلامي، قبل ان يكتشف الجميع ان هناك طريقا آخر للنهضة والتقدم ليس بالضرورة أن يمر من خلال مشروع الإسلام السياسي!. عدد الصحفيين المحتجزين فى تركيا يفوق المئات، وان الحريات ليست فى أحسن أحوالها هناك! وهو فى حد ذاته قتل للحريات.

المعادون للإصلاحات التى تحدث فى المملكة العربية السعودية كُثر، منهم جماعات الصحوة فى الداخل الذين فقدوا مبرر وجودهم. بجانب هؤلاء الحركة الدولية للإسلام السياسى التى يجب ألا يستهان بها أو بقدراتها الإعلامية، وقد ملكت منذ فترة ناصية توظيف وسائل التواصل الاجتماعى الحديثة كى تستخدمها كمنصات للدعوة والتشهير والنيل من المشروع الإصلاحى وتعطيل أصحابه، لأنه المشروع الصحيح فى الوقت الصحيح، والذى يجب ان يكتمل، اما ثالثة الاثافى فان مناصرى مشروع الولى الفقيه يناصرون ذلك التوظيف ويزيدون عليه من خلال وكلائهم، متناسين كل الدماء التى لطخت بها ايدى قادتهم ولوغا فى حياة أبرياء من العرب والإيرانيين. المشروع المضاد للإصلاح ينتهز هذا الظرف من اجل الضغط بقوة على زر الخوف فى أذهاننا، واختطاف المنطق من ذهن مئات بل الآلاف من العقلاء وتعطيل ملكتهم التحليلية ،من أجل ضمهم الى الصفوف او على الاقل تحييدهم!

الفرصة المواتية هى الشروع فى تسريع خطوات الإصلاحات، على رأسها الإصلاح الثقافى والذى هو حجر زاوية فى كل تجارب الإصلاح الاقتصادى والاجتماعى والسياسى فى عالم الدول التى أنجزت مشروعها التحديثي، لأن الإصلاح الثقافى يزيد من قدرة الناس على اكتساب المناعة ضد التضليل.


تعليقات

اكتب تعليقك