غانم النجار يكتب: هل تختلف الجنسية عن «الليسن»؟

زاوية الكتاب

كتب غانم النجار 946 مشاهدات 0


الجريدة :

أظن، والله أعلم، أن حجم الاستهتار في مسألة الجنسية قد بلغ بعداً مؤسفاً، حتى كادت الجنسية تتحول إلى ما يشبه رخصة قيادة السيارة "الليسن"، كما وصفها ضابط شرطة متقاعد. يعلن الناس صباحاً ومساءً أن سبب التلاعب، وحتى التزوير، هو الهيمنة الحكومية الكاملة على الجنسية منحاً وسحباً وإسقاطاً، سلطة مطلقة لا راد لها ولا معقب عليها، حتى لو كان هناك ظلم فادح فلا توجد محكمة لرفعه، بل مساومات سياسية، على شاكلة المسلسل التركي الطويل، لسحب الجناسي، فهل علمنا لماذا تم سحبها أو لماذا تمت إعادتها؟ أما المفارقة فهي أن ذات الأشخاص الذين يشتكون من وضع الجنسية السائب، نجدهم يستذبحون في تثبيت الهيمنة الكاملة لذات السلطة، التي يشتكون من تجاوزاتها. كيف نشتكي من تجاوزات السلطة ونصر على إبقاء الحال بيدها دون ضوابط؟ الله أعلم.

الحديث الجاد حول الجنسية قليل في بلادنا، مرتان كانتا استثناءً، الأولى في لجنة الدستور ١٩٦٢ بين وزير العدل حمود الزيد الخالد، رحمه الله، الذي طالب بحماية الجنسية من التعسف الحكومي، وخصوصاً للحاصلين عليها بالتأسيس، وبين الشيخ سعد العبدالله، رحمه الله، الذي كان له رأي مخالف. والثانية كانت في مجلس ١٩٧١ حين تم ربط التجنيس بالتعليم، لكن ذلك لم يطل به الزمن. خلافاً لذلك، فإن أغلب ما جرى ويجري من الحكومة أو في المجلس أو الساحة العامة، كان عبارة عن مزايدات أضرت بقيمة الجنسية، وجعلتها نهباً للمساومات السياسية، وأبعدتها عن طبيعتها كعلاقة قانونية بين إنسان له حقوق وعليه واجبات تجاه دولة تحميه وتعزز كرامته.

في هذا الإطار يأتي قرار اللجنة التشريعية المستحق بإلغاء ربط الجنسية بالدين، والذي تم إدخاله قسراً على قانون الجنسية، ولا علاقة لذلك بالدين ذاته، بل بأهواء السياسيين، وذلك بجلسة ٢٢ ديسمبر ١٩٨٢، حيث أضيفت مادة تحظر تجنيس غير المسلم، فجاءت غير متسقة، ومتناقضة مع البناء العام للدستور، ولا علاقة هنا للموضوع بالتدين من عدمه. ولتصحيح خطأ شائع فإن ذلك لم يتم بسبب هيمنة التيار الديني حينها، فمقدمو الاقتراح الثلاثة لم يكن من بينهم ممثل للحزبين الإسلاميين اللذين دخلا رسمياً البرلمان للمرة الأولى، بمقعدين لكل منهما. كما لم يلعبا دوراً ملحوظاً في المناقشات التي قادها نواب غير منتمين للأحزاب الإسلامية.

ولعل ربط الحصول على الجنسية بالدين، يفتح باباً قد يعني ضمن ما يعنيه أن حصول المسلم على الجنسية هو أصل، لا انتقائي. يعني، أن أي مسلم يحق له الحصول على الجنسية الكويتية بالمطلق.

إلغاء ربط التجنس بالدين، أمر يمثل مصلحة وطنية واتساقاً مع روح ومبادئ الدستور، إضافة إلى كونه متسقاً مع احترام كرامة الإنسان وحقوقه بابتعاده عن التمييز، الذي كان سبباً لرد سمو الأمير قانون إعدام المسيء في ٢٠١٢. ويفترض أن الإلغاء ليس إلا تصحيحاً لخطأ حدث في زمن مضى، كما حدث في إلغاء قانون البصمة الوراثية، ولا علاقة له بكم عدد الذين سيحصلون عليها من غير المسلمين أو كفاءتهم، فقد لا يحصل عليها أحد، ولكن له كل العلاقة بمبدأ دستوري ثابت بعدم التمييز.

أما الأهم من إلغاء المادة فهو التحرك الجاد لإنهاء مأساة البدون المستحقين للجنسية، وإضفاء نظام شفاف لإجراءات الجنسية، وتوفير الوسائل القانونية لحماية تلك الجنسية من التعسف لأسباب سياسية ومزاجية، مما سيؤدي إلى الارتقاء بالجنسية لوضع مغاير لـ "الليسن".

تعليقات

اكتب تعليقك