محمد العوضي يكتب: أمطار الخير... ومنظومة الفساد الطاغي!
زاوية الكتابكتب محمد العوضي نوفمبر 19, 2018, 11:10 م 789 مشاهدات 0
الراي:
عانت الكويت منذ ما بعد الغزو العراقي - وما زالت - من تراجع قيمي كبير أدى إلى نشوء ظواهر سلبية كثيرة، ألقت بظلالها على كل مناحي الحياة حتى أصبح الفساد السمة الأبرز الغالبة على المجتمع.
أعلم يقينا أن أسباباً كثيرة وراء تراجع منظومة القيم وانحسارها لصالح الفساد الإداري والمالي والأخلاقي، بل وحتى المجتمعي والديني، مما خلق حالا من انعدام الثقة بين المواطنين والحكومات المتعاقبة منذ العام 1991 وحتى الآن، والملاحظة الأشد مرارة أن كل حكومة تأتي تكون أسوأ من سابقتها لجهة محاربة الفساد، وتوفير أسباب الحياة الكريمة لبلد هو الأغنى مادياً قياساً لعدد السكان والمساحة الجغرافية.
كل الدلائل والقرائن والمؤشرات تؤكد أن دولة مثل الكويت بمساحتها وعدد سكانها يجب أن تكون في المراتب العشر الأولى بكل شيء، تعليمياً وصحياً وأمنياً ورفاهية، لكن الواقع بعكس ذلك تماماً، فالكويت تتراجع سنوياً على جميع الصعد، والحكومات المتعاقبة عاجزة عن وقف هذا التدهور الذي يشعر به المواطن والمقيم، بل وحتى الأشقاء في دول مجلس التعاون الذين أصبحنا عندهم مادة للتهكم بعدما كنا مضرب المثل في التقدم والرقي والمبادرة واقتناص الفرص الحضارية والإبداع في كل مجالات الحياة حتى العام 1990، حيث أصابنا غدر الشقيق بالشلل والتراجع في كل منظومة الحياة، وكأننا نعاني من موت إكلينيكي على فراش المرض. فواحسرة على كويت الماضي!
اليوم - ونحن نستشعر طعم المرارة بعد أمطار الخير الكاشفة لمنظومة الفساد المالي والإداري وما نتج عنها من هبوط الشوارع وانجراف السيارات وغرق الأنفاق ودخول المياه إلى المنازل لعجز منهولات الصرف الصحي من استيعاب وتصريف المياه والخسائر المادية الجسيمة وتعطل الحياة - قفز إلى ذهني مباشرة مقالات البرلماني والوزير السابق الدكتور أحمد الربعي رحمه الله، التي كان يكتبها في جريدة «القبس» تحت زاوية (الهرم المقلوب)، وما زلت أتذكر مقاله عن أمطار العام 1997 الذي دعا الله فيه بالمزيد من الأمطار، ليس فقط لتنقية الجو وإنبات الربيع، وإنما لكشف حجم التلاعب بالمشاريع وسلسلة المفسدين والساكتين عنهم والمتواطئين معهم.
ورحل الزميل الربعي إلى دار الحق، وما زال الفاسدون يرتعون بالباطل، حتى كاد اليأس من إصلاح الأوضاع المقلوبة في الكويت يفتك بنا.
نعم، هناك فساد مستتر لا يعرفه ولا يحس به إلا من كان قريباً منه أو متخصصاً ومهتما بالكشف عن مواطنه وساعيا لإصلاحها وهذا يحتاج إلى جهود مخلصة وعمل دؤوب لوقفه واستئصاله... لكن ثمة فساد مكشوف للجميع يراه المواطن والزائر والعابر، مثل تخلف المطار في إجراءات السفر وتأخر الحقائب وغرق المدرج وتوقف الحركة الملاحية بسبب كميات بسيطة من الأمطار هطلت علينا، في حين أن كميات أكثر بكثير من أمطار الخير تتنزل على بلدان أكثر فقرا من الكويت مثل البلدان الشرق آسيوية لكنها لا تغرق بشبر ماء - كما يقال - ولا تتأثر الحياة عندهم أو تتوقف كما حصل عندنا، ومن المشاريع الكبيرة التي يحس بها الشعب بأكمله وكل من هو على أرض الواقع، هو ما كشفه المطر من مأساة متكررة ناتجة عن سوء نوعية الإسفلت وصناعة الطرق العامة، التي فضحت آلية قائمة للنهب والتلاعب والاعتداء على المال العام، وكشفت أساليب الالتفاف على القانون بالقانون وممارسة السرقة والنهب بشكل قانوني!
المسؤولون عن هذا الفساد كثيرون بدءاً من القياديين في وزارات الخدمات والمديرين، الذين يتسلمون المواقع الإنشائية والطرق، مرورا بالمقاولين الفاسدين، وصولا إلى الوزراء العاجزين عن إصلاح وزاراتهم، ولا يمكن استثناء الشعب من المشاركة في هذا الفساد، فنحن، من خلال تصويتنا لمن لا يستحق شرف تمثيل الأمة في البرلمان، ومن خلال سكوتنا عن إهدار الأموال العامة على مشاريع مستحقة لكن نتائجها كارثية، ومن خلال صمتنا عن انتشار ظاهرة الرشوة والتنفيع المتبادل وعدم التفاعل الإيجابي والتعاون المطلوب لوقف هذه الأخلاقيات الدخيلة على مجتمعنا الآمن، شاركنا في توطين الفساد واعتباره كأنه جزء أصيل من واقعنا المجتمعي حتى ألفناه وألفنا!
الواجب على نواب الأمة التصدي بحزم لمنظومة الفساد، والسعي لاقتلاع مخالب شرها التي تفسد في المجتمع، من خلال الالتزام بأوامر وتوجيهات صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد حفظه الله في محاربة الفساد، حتى تعود الكويت كما كانت درة الخليج ولؤلؤة الشرق.
يا سادة:
الكويت تستحق منا الأفضل، وأهلها الطيبون يستحقون أن يكونوا في مقدمة الأمم، فلنتق الله فيها ولنعطها حقها ولنكن يدا واحدة في مساندة الحق ومحاربة الفساد حتى نقتلعه من جذوره ونطفئ جذوة ناره.
تعليقات