56 عاماً بلا ملامح - غانم النجار يكتب عن تعديل الدستور
زاوية الكتابكتب غانم النجار نوفمبر 11, 2018, 11:04 م 792 مشاهدات 0
الجريدة:
لو كان الدستور إنساناً، لبلغ من العمر 65 عاماً، ولقلنا إنه بدأ يحصد ثمار العمر والخبرة. إلا أننا مازلنا حتى هذه اللحظة نتجادل في مدى صلاحية الدستور، ونشكك في أهليته لإدارة شؤون البلاد والعباد، ونستمرئ الاقتصاص منه. هذا الدستور الذي بين أيدينا هو ليس سوى دستور حد أدنى، يحتاج إلى مزيد من التطوير والحريات، فيه نواح إيجابية وأخرى سلبية، فهو ليس إلا انعكاساً لموازين القوى، وليس لما يفترض أن يكون. وبدلاً من تطويره يسعى الساعون إلى تقويضه، مع أنه حين أكبر أزمتين: الغزو والحكم أثبت فعاليته.
كانت مراحل ولادة الدستور عسيرة بكل ما يعنيه ذلك من معنى، ولكنها في خواتيمها استقرت، ونما عودها، وصار غضاً، وجاءها الناس من كل حدب وصوب، ليس لأن فيها مصدر رزق فحسب، ولكن لأن فيها أيضاً مناخ حرية نسبية تفوق أقرانها. رحبت الكويت بأولئك الذين لم تتحملهم دولهم، فوجدوا فيها مستقراً ومجالاً للنشاط الفكري والأدبي والثقافي، فتلاقحت الرؤى والأفكار فأنجزت وأوجزت وأنتجت حالة مختلفة متميزة عن جيرانها. وتقاطر كبار الفنانين والمثقفين والمفكرين لتصبح حقبتهم في الكويت حقبة ذهبية.
في ذلك المناخ ظهر الدستور الذي كان حامياً لحمى الوطن، وقيمه، الحامية لحرياته، وعدالته، يقول الشيخ عبدالله السالم، رحمه الله، إن سبب صدور الدستور "رغبة في استكمال أسباب الحكم الديمقراطي لوطننا العزيز..."، كما قال عبداللطيف ثنيان الغانم، رئيس المجلس التأسيسي، رحمه الله، "إنه لشرف كبير أن نتقدم إلى سموكم في هذا اليوم التاريخي، نيابة عن المجلس التأسيسي، بمشروع الدستور الذي رأيتم وضعه للبلاد على أساس المبادئ الديمقراطية المستوحاة من واقع الكويت"، كما تنص المادة السادسة من الدستور على أن "نظام الحكم في الكويت ديمقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعاً".
في الرؤية التدرجية للأشياء كان ذلك إنجازاً تاريخياً. وليس هناك أكثر دلالة على ذلك من أن يكون رئيس المجلس التأسيسي هو عبداللطيف ثنيان، الذي كان قبل نحو 24 سنة من صدور الدستور مسجوناً لأربع سنوات ونصف، على خلفية أحداث المجلس التشريعي 1938 ، وأمير الكويت هو عبدالله السالم الذي كان رئيساً للمجلس التشريعي ذاته. لابد أنها دلالة قوية تلك التي جعلت من ذلك المعارض بعد 17 عاماً من خروجه من السجن يقف كالرجل الثاني في الدولة، ليقدم مشروع الدستور للأمير، الذي كان رئيساً لذلك المجلس. وقف الرجلان، السجين السابق ورئيس المجلس السابق، بصفتين مختلفتين هذه المرة، ليدشنا الدستور، ليحاولا مرة أخرى. وليردا على مزاعم أن الدستور كان مفروضاً من الخارج. ذلك المنظر المثير للاستغراب، الذي كان مدعاة للتفاؤل والأمل، لم يعد عاكساً لما جرى منذ إقرار الدستور حتى يومنا هذا.
56 عاماً مضت على الدستور والإعلان بالتمسك بالديمقراطية، فأين نحن وأين الديمقراطية؟ هي بطة عرجاء في أحسن الأحوال، وعصفور يحتضر في أسوأ الأحوال، نسمع عن الديمقراطية ولا نرى إلا سراباً.
تعليقات