تعزيز النزاهة يأتي بعد مكافحة الفساد! برأي د. حمد إسماعيل الأنصاري

زاوية الكتاب

حمد الأنصاري 795 مشاهدات 0


الراي:

عقدت الحكومة قبل يومين ملتقاها الأول تحت عنوان «تعزيز النزاهة»... وجاء هذا العنوان كما ذكرت الحكومة لقناعتها بالانعكاس الإيجابي لتعزيز النزاهة على بقية القطاعات، والحقيقة يجب الإشادة بهذا التحرك الحكومي وظهور رئيس الوزراء في هذا الملتقى للحديث، فقد اعتدنا غياب رئيس الحكومة عن التصريحات طوال فترة رئاسته، وافترض أن ظهوره الآن يعد خطوة ايجابية.
الحقيقة لقد شدني عنوان ذلك الملتقى... فعندما تختار الحكومة كلمة «تعزيز النزاهة» كعنوان لملتقاها، تصلني رسالة بأن الحكومة قد أنهت مهمتها الأساسية بالقضاء على آفة الفساد، وبدأت بالمرحلة التالية وهي تعزيز النزاهة، فهل فعلاً وصلت الحكومة لهذه المرحلة؟ ولكن لم تمض دقائق حتى جاء تصريح رئيس الوزراء في ذلك الملتقى، ليؤكد أن الفساد موجود كما كان يؤكد عليه ويبين استياءه من انتشاره منذ سنوات، ولم يكتفِ سمو الرئيس بتأكيده على وجود الفساد وانتشاره، بل أكد أيضاً عجز الحكومة عن مكافحة الفساد من خلال إقرار القوانين التي قد تحد من الفساد أو تغليظ العقوبات، ورجح سمو رئيس الوزراء بأن السبب هو وجود مغريات كبيرة تجعل الفاسد يتجاهل تلك القوانين وتلك العقوبات المغلظة، لكن الأهم في خطاب سموه أنه حمّل المسؤولية «كلها» على أبنائه القياديين وتمنى عليهم أن يكافحوا الفساد أو أن يتركوا تلك المناصب ويبتعدوا عن مواقع المسؤولية.
بداية، أتمنى أن يكون هذا الملتقى هو نقطة انطلاق للحكومة في مكافحتها للفساد، وليس مجرد إبرة «بنج» موضعي للشارع السياسي، فقد اعتدنا على تلك التحركات التي تسبق أي دور انعقاد حافل بالاستجوابات؛ كدور الانعقاد المقبل، فهل اكتفت حكومتنا من الاستياء وقررت أن تبدأ التحرك فعلياً؟ ثم ما مدى صلاحيات ذلك الملتقى وحدود إمكاناته، فهل سيخرج بتوصيات أم باقتراح قوانين؟ أم هو تجمع للفضفضة وإلقاء اللوم على بعض المسؤولين لرفع الحرج؟ وأين ستذهب تلك التوصيات أو القوانين وكيف سيتم تطبيقها؟ تلك الأسئلة الملحّة بحاجة لإجابات واضحة من الحكومة، كي نشعر بقليل من الثقة المفقودة بهذه الحكومة.
الشاهد في الأمر، لقد جاءت كلمة سمو الرئيس صريحة وواضحة بتحميل القيادات لمسؤولية مكافحة الفساد والحد منه، ورسالته كانت واضحة بأن من لا يستطيع تحمل تلك المسؤولية فعليه أن يتنحى ويبتعد، لكنني أتساءل: ماذا عن الحكومة التي فشلت مراراً وتكراراً في مكافحة الفساد أو الحد منه على أقل تقدير، فمنذ تسلم سمو الرئيس للحكومة عام 2011، وترتيب الكويت يتراجع بشكل مخيف في مؤشر مدركات الفساد، فمن المسؤول عن هذا التراجع؟ وما هي الخطوات التي قامت بها الحكومة منذ ذلك الحين؟ فالقوانين والعقوبات التي تطرق لها سمو الرئيس ليست كافية ما لم تطبق، والمسؤول الأول والأخير عن تطبيق القانون هي الحكومة، فهي السلطة التنفيذية؛ أي المعنية أساساً بالتنفيذ وتطبيق القانون، فهل يسري كلام رئيس الحكومة بتنحي المسؤولين العاجزين عن مكافحة الفساد على مجلس الوزراء أيضاً؟
في النهاية، إن مسألة مكافحة الفساد ليست ترفاً أو قضية اختيارية يمكن تجاهلها، بل هي أمر جدي وضرورة ملحّة، وعلى الحكومة أن تقوم بتحركات ملموسة وحاسمة للحد من تلك الظاهرة المخيفة التي لم تعد تقتصر على التنفيع الشخصي، بل باتت أسلوباً وثقافةً ونهجاً يمارس يومياً في جميع مؤسسات الدولة ونجده في جميع فئات الموظفين والقيادات، ومن غير الممكن أن نتقدم إلى الأمام ونطالب بالتنمية دون أن نبدأ بمحاربة ذلك الفساد بدءاً بأعضاء الحكومة ونهاية بأصغر موظف في الدولة، أما تعزيز النزاهة الذي تتحدث عنه الحكومة الآن فمن الممكن أن نتحدث عنه بعد القضاء على آفة الفساد، أما الآن فإن الحديث عن تعزيز النزاهة مثل «اللي ينفخ في قربة مقضوضة».

تعليقات

اكتب تعليقك