150 قلافاً واستاداً أداروا صناعة خلال الحرب العالمية الثانية

محليات وبرلمان

الآن - كونا 1116 مشاهدات 0


ازدهرت في الكويت قديما صناعة السفن وخصوصا نوعي (العشارية) و(الدوبة) ولاسيما خلال فترة الحرب العالمية الثانية حيث بلغ عدد (القلاليف) أي عمال بناء السفن الذين عملوا في صناعتها آنذاك نحو 150 إضافة الى 16 (استادا).

وفي هذا السياق قال الباحث في التراث الكويتي محمد عبد الهادي جمال في كتابه (الحرف والمهن والأنشطة التجارية القديمة في الكويت) انه ابان الحرب العالمية الثانية أي في الثلاثينيات من القرن الماضي تم اختيار عدد من القلاليف الكويتيين المهرة لعمل (عشاريات) للقوات البريطانية التي كانت مرابطة في شط العرب.

وأوضح أن (العشارية) هي سفينة نقل كبيرة ويعود اصلها الى منطقة الكوفة بالعراق وقد استخدمت قديما لنقل المؤن كما استخدمتها القوات البريطانية للتنقل عبر الأنهار وكذلك استعملت جسورا او عبارات  لمرور الدبابات والعربات عليها ابان الحرب العالمية الثانية لا سيما في منطقة شط العرب.

وأضاف جمال انه في البداية تم جلب نموذج من سفينة (العشارية) من العراق ليقوم القلاليف الكويتيون بالتمرن على تصنيعها حتى اتقنوا صناعتها مشيرا الى أن العشارية كانت تحمل أكياسا من الرمل على جوانبها ليمنحها توازنا أثناء الوقوف أو الحركة.

أما سفينة (الدوب) ومفردها (دوبة) فبين جمال انها سفينة عريضة ومسطحة تستخدم للتحميل وتجرها سفينة اخرى تسمى (تك) وقد استخدمها الانجليز بكثافة ابان الحرب العالمية الثانية لنقل جنودهم واسلحتهم ومؤنهم عبر شط العرب ما بين العراق وإيران.

أشار الى أن (الدوب) كانت تستخدم ممرا لعبور الدبابات عبر الضفتين وقد تم تصنيع المئات من هذه الدوب في الكويت في فترة الثلاثينيات من القرن الماضي حيث اتفقت السلطات البريطانية - بمعرفة ومباركة حكومة الكويت - مع المرحوم أحمد سلمان الاستاد للقيام بتلك المهمة.

وأضاف أن المرحوم احمد الاستاد جند نفسه ومعه عدد من (الاستادية) وعشرات القلاليف والعمال لإنجاز تلك المهمة على أكمل وجه وكان من ضمن الاستادية الذين اشرفوا على بناء (الدوب) ايضا الراحلان حسين الغضبان ومحمد حسين بوعليان.

وأوضح جمال أن قطع خشب الساج المفصلة لبناء (الدوبة) كانت تأتي جاهزة من بريطانيا وهي معبأة ومرقمة في مجموعات موضوعة في صناديق خشبية ومع كل منها الخريطة والتعليمات الخاصة بها فيتم فتحها ونقل القطع منها الى مواقع العمل لإعادة تركيبها حسب الخرائط المرفقة بها.

وأشار إلى انه تم جلب جميع الألواح والملازم بالاضافة الى ماكينات كهربائية صغيرة ومطارق و(مجادح) جمع (مجدح وهي خشبة في رأسها خشبتان معترضتان) من بريطانيا لاستخدامها في العمل.

وذكر أن المرحومين شيخان الفارسي وسيد حميد بهبهاني كانا يقومان بقراءة وترجمة التعليمات الخاصة بالتركيب والمكتوبة باللغة الانجليزية ليقوم القلاليف تحت اشراف وتوجيه المرحوم أحمد الاستاد وغيره من الاستادية بربط القطع بعضها ببعض واتمام عملية صنع الدوبة كما تم صنع (باورات) - ثقل من الحديد - خاصة بها لمنعها من الحركة اثناء تأديتها للعمل.

وأشار الى انه قد تم تصنيع ثلاث احجام من (الدوب) كبيرة ومتوسطة وصغيرة وكان طول الدوبة يتراوح بين 20 و30 مترا وعرضها من 6 الى 9 امتار تقريبا وهي مسطحة الشكل ولا تحتوي على شراع او مكينة بل يتم سحبها بواسطة سفينة بخارية صغيرة تسمى (تك).

وبين أن جدران الدوبة كانت مكونة من طبقتين من الخشب داخلية وخارجية يوضع بينهما (طربال) أي عازل من نوع خاص لمنع تسرب المياه الى الداخل ويتم تثبيت الطربال بالجدار الداخلي من الدوبة باستخدام مادة لاصقة خاصة ومن ثم يتم تركيب الجدار الخارجي للدوبة.

وأكد أن تلك الدوب بقيت طافية على سطح مياه شط العرب طوال فترة الحرب العالمية الثانية حيث كان الجنود يتناوبون على الحراسة من فوق سطحها لمراقبة اي تحركات.

وحول أجرة العامل في صناعة الدوبة أوضح جمال أن القلاف كان يتقاضى روبيتين كأجرة يومية مقابل عمله في تركيب الدوب ويعمل بصناعة الدوبة الواحدة حوالي 8 الى 10 قلاليف ويشرف عليهم استاد واحد كما كان يشرف على العمل شخص امريكي واخر انجليزي وكلما اكتمل بناء دوبتين قام (التك) بجرهما الى شط العرب.

وقال انه في بعض الفترات كان يتم استخدام (ابوام الماء) جمع (البوم) وهي سفن كبيرة لنقل الماء والتجارة لسحب الدوب الى شط العرب مقابل 100 روبية للدوبة بعد ان واجهت (التكات) بعض المشاكل مبينا أن بعض الدوب كانت تشتمل على ممرين فوق سطحها لمرور الدبابات والعربات ذهابا وايابا ويتم العمل بالدوبة وهي مقلوبة ثم يتم تعديلها بواسطة كرين عند اكتمال بنائها.

وأفاد جمال بأن تصنيع الدوب كان يتم في (منطقة الشويخ) بجانب الميناء قريبا مما كان يعرف (بقصر الفحم) الواقع خارج منطقة السور بجوار مبنى (الكرنتينة) وهو بالقرب من موقع (قصر السلام) حاليا وكان يتم نقل العمال من (منطقة الشرق) الى هناك بواسطة سيارتين من نوع (لوري) حيث كانوا يتجمعون في (منطقة المطبة) مضيفا أن العمل في تركيب الدوب استمر حوالي اربع سنوات تم خلالها انجاز ما يقارب من 300 دوبة.

واوضح جمال ان القنصل البريطاني في الكويت آنذاك اقام احتفالا في القنصلية البريطانية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وانتصار الحلفاء تكريما لحاكم الكويت آنذاك المغفور له الشيخ احمد الجابر الصباح وكذلك المرحوم احمد سلمان الاستاد الذي أهدته الحكومة البريطانية قلادة مع كتاب شكر تقديرا منها لخدماته التي قدمها للحلفاء وكان يلقب بعميد الاستادية بالكويت في ذلك الوقت.

تعليقات

اكتب تعليقك