تقرير: "جُمعة" غزة... اليوم الأكثر دموية منذ 14 مايو
عربي و دوليسبتمبر 29, 2018, 9:37 ص 468 مشاهدات 0
وسط ضجيج المواجهات المندلعة شرق مدينة غزة، تقدم طفل لا يتجاوز عمره 12 عاما، ليصعد تلة رملية صغيرة، قريبة من المكان الحدودي، كي يراقب من خلالها ما يجري.
لكن رصاصة باغتته، أطلقها قناص إسرائيلي فاستقرت في رأسه، ليهرع المتظاهرون، وطواقم الإسعاف تجاهه، في محاولة لإنقاذ حياته.
وفي مكان غير بعيد من الطفل، تمكنت فتاة ملثمة بالكوفية من اعتلاء السياج الحدودي والتلويح بالعلم الفلسطيني لبضع دقائق، قبل أن تصيبها رصاصة قناص إسرائيلي في ساقها لتفقد توازنها وتسقط أرضا.
وبعد أن اطمأن المتظاهرون إلى مغادرة الطفل والفتاة المكان، بواسطة سيارات الإسعاف، عادوا من جديد لاستئناف المعركة، غير المتكافئة، بينهم وبين الجيش الإسرائيلي المدجج بالأسلحة النارية.
وكما هو الحال، مساء كل يوم جمعة، يتجمع المتظاهرون في خمس مواقع على طول الحدود الشرقية لقطاع غزة، كي يرشقوا الجيش الإسرائيلي، المتحصن في ثكنات عسكرية، بالحجارة، فيما يرد قناصته بإطلاق النار الحي وقنابل الغاز المسيل للدموع.
وانطلقت مسيرات "العودة" في 30 مارس/ آذار 2018، للمطالبة بعودة اللاجئين الفلسطينيين ورفع الحصار عن قطاع غزة.
وكانت أحداث اليوم الجمعة، ساخنة ودموية على غير العادة منذ عدة أسابيع، حيث أسفرت عن استشهاد سبعة فلسطينيين بينهم طفلان.
كما أصيب أكثر من 500 شخص، بينهم 90 بالرصاص الحي، بحسب وزارة الصحة.
وقال أشرف القدرة، الناطق باسم وزارة الصحة، في بيان مقتضب أصدره، ووصل الأناضول نسخة منه، إن اليوم هو "الأكثر دموية بعد مجزرة 14 مايو/أيار، والتي قتل فيها 55 فلسطينيا".
وأضاف القدرة إن نوعية وطبيعة إصابات اليوم، تشير أن قوات الاحتلال الإسرائيلي "مارست العنصرية بطريقة وحشية (..) بانتهاج سياسة القنص المباشر في المناطق القاتلة والحساسة ضد المواطنين السلميين".
ومع سقوط الشهداء السبعة، يرتفع إجمالي عدد الشهداء منذ انطلاق الأحداث، إلى 193 فلسطينيًا بينهم العديد من الأطفال، فيما جرح عشرات الآلاف.
**مشاهد من "مَلَكَة"
منطقة "مَلَكَة"، بحي الشجاعية شرقي مدينة غزة، واحدة من النقاط الخمس الأكثر اشتعالًا وخطرًا، فهناك تزدحم السماء بالدخان والقنابل الإسرائيلية المتطايرة والرصاص الحي، وحجارة المتظاهرين.
وفي ظلال كتلة ضخمة من دخان إطارات السيارات المشتعلة، والغبار والغاز المسيل للدموع على بعد خطوات من السياج الحدودي بين مدينة غزة وإسرائيل، كان أزيز الرصاص يتداخل مع انفجارات القنابل الإسرائيلية وأصوات تكبيرات المتظاهرين وأنفاسهم اللاهثة، وسيارات الإسعاف فلا يسمع هناك إلا صوت ضجيج مخيف.
وأمام ذلك الحشد، يتوزع عشرات من المتظاهرين الملثمين، على طول الحدود فيحاول بعضهم رفع الأعلام الفلسطينية أعلى السياج الفاصل، ويعمل آخرون على المحافظة على اشتعال إطارات السيارات التي تحجب الرؤية عن القوات الإسرائيلية، ويقوم فريق آخر بقص أجزاء من السياج وسحبها إلى خلف منطقة المواجهات.
وتمكن عشرات من الشبان الملثمين من قص أجزاء كبيرة من السياج واقتحام المنطقة الحدودية الإسرائيلية لتبدأ هناك مواجهة من نوع مختلف، فالشبان رشقوا الجنود الإسرائيليين بوابل من الحجارة والزجاجات الحارقة قبل أن تفرقهم زخات من الرصاص الحي وقنابل الغاز المسيل للدموع.
وفي زحمة مشاهد الدماء والرصاص، لن يكون هناك وقت للصدمة، فبمجرد نقل الشهيد أو الجريح لسيارات الإسعاف يعود الشبان ليكملوا ما بدأوه.
ولا تقتصر المعركة على الأرض فقط، فسماء المنطقة الحدودية مع إسرائيل تتلبد بالطائرات الورقية والبالونات الحارقة التي يطلقها المتظاهرون لتسقط في الأراضي الزراعية الإسرائيلية المحاذية للحدود وتشعل فيها النيران.
كما تكتظ السماء بالطائرات الإسرائيلية المُسيّرة، والتي تراقب الأحداث، فيما تسقط بعضها قنابل الغاز المسيل للدموع فوق رؤوس المتظاهرين.
ووسط كل ذلك، يحاول عشرات من رجال الصحافة التقاط صور ومشاهد حية للتظاهرات التي لم تخمد نيرانها منذ 6 أشهر رغم الأوضاع المعيشية القاسية وحالة اليأس والإحباط التي تسود أوساط الفلسطينيين في غزة، إثر فشل جهود المصالحة الداخلية وانسداد أفق رفع الحصار الإسرائيلي وتلاشي آمال التوصل لتهدئة.
من جانبه، قال الناطق باسم حركة "حماس"، فوزي برهوم، إن استخدام "الاحتلال الإسرائيلي قذائف الدبابات والرصاص الحي في التعامل مع مسيرات العودة الشعبية والسلمية، دليل على حجم الإجرام الإسرائيلي الذي يتعرض له المدنيون العزل والمحاصرون في قطاع غزة".
وأضاف برهوم في بيان وصل الأناضول، إن "الصمت العربي والدولي، يشجع إسرائيل على ارتكاب مثل هذه الجرائم".
بدوره، قدّر الجيش الإسرائيلي أعداد المتظاهرين اليوم، بنحو 20 ألف شخص.
وقال الجيش في بيان وصل الأناضول، إن قواته لم تتعرض لأي "إصابات ولم يتم إلحاق ضرر بها".
وأشار إلى أن طائرة عسكرية، نفذت "غارة في موقع تابع لمنظمة حماس شمال قطاع غزة".
تعليقات