أميركا تهدد المحكمة الجنائية الدولية.. وتتوعد بملاحقة قضاتها

عربي و دولي

الآن - وكالات 917 مشاهدات 0


يبدو أن سياسة الولايات المتحدة الأميركية تحت قيادة الرئيس دونالد ترمب تصرّ على اتخاذ اتجاهات أكثر حدّة لتعزيز عدائها التاريخي للقوانين والاتفاقات الدولية، وذلك لضمان عدم تعرّض الأميركيين للمساءلة القانونية تحت أي ظرف من الظروف.

فقد وجّه جون بولتون، مستشار الأمن القومي للرئيس دونالد ترمب، في أول خطاب رسمي له يوم الاثنين، مجموعة من التهديدات شديدة اللهجة للمحكمة الجنائية الدولية في حال قررت فتح تحقيق في جرائم الحرب التي ارتُكبت على أيدي القوات الأميركية في أفغانستان.

وبعدما وصفها بولتون بالمحكمة غير الشرعية، وأوضح رفض إدارة ترمب للتعاون معها على أي مستوى من المستويات، بل واعتزام “تركها حتى تموت من تلقاء نفسها” على حد قوله، هدّد أيضا بفرض مجموعة من العقوبات على القضاة ومدعي العموم في حال فتح ملف جرائم الحرب الأميركية بأفغانستان بشكل رسمي، وسوف تتمثل تلك العقوبات في منعهم من دخول الولايات المتحدة وفرض غرامات على أموالهم التي تقع ضمن دائرة اختصاص النظام المالي الأميركي، وملاحقتهم قضائيا أمام المحاكم الأميركية، بالإضافة لاعتزام الولايات المتحدة عقد المزيد من الاتفاقات الثنائية لمنع الدول من تسليم أي أفراد أميركيين إلى المحكمة في لاهاي.

ليس ذلك فقط، بل أعلن بولتون أيضاً اعتزام مجلس الأمن دراسة قرار يقضي بتقييد صلاحيات المحكمة الشاملة، وضمان عدم ممارستها لأي اختصاص قضائي على الأميركيين أو حلفائها ممن رفضوا التصديق على معاهدة روما، في إشارة واضحة لإسرائيل.

يأتي ذلك في الوقت الذي أعلن فيه أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، صائب عريقات، أن قرار الإدارة الأميركية بإغلاق مكتب المنظمة في واشنطن يأتي أيضاً ضمن إطار الحملة الأميركية على المحكمة الجنائية الدولية، وذلك بعدما سعت فلسطين لحث المدعية الدولية على الإسراع في فتح تحقيق جنائي يتناول جرائم الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين.

عداء تاريخي

على الرغم من حدة التهديدات الأميركية الأخيرة، إلا أن عداءها للمحكمة الجنائية الدولية ليس جديداً. فمنذ اعتماد نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية عام 1998 بعد عقود طويلة من المفاوضات، وبدء العمل بها عام 2002، والولايات المتحدة تتمسك بموقفها الرافض لكيان المحكمة.

وقد تمثل الرفض الأميركي حينها في إصرار الولايات المتحدة على مجموعة من القوانين التي رفضتها بقية الدول الأعضاء، ولعل أهمها المطالبة بخضوع المحكمة لسلطة مجلس الأمن الدولي، وذلك لإمكانية استخدامها حق النقض (الفيتو) في حال اعتراضها على قرارات المحكمة، وهو ما رفضه مؤتمر روما.

وترتب على ذلك رفض أميركا التصديق على قرار إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، هي وحليفتها إسرائيل التي عللت رفضها بأن المحكمة أدرجت الاستيطان ضمن جرائم الحرب.

فانتهي الأمر بموافقة 120 دولة على إنشاء المحكمة الجنائية الدولية وسط امتناع 21 دولة عن التصويت، ومعارضة سبع دول من بينها أميركا وإسرائيل.

موقف أميركا من القوانين الدولية

تنتهج الولايات المتحدة سياسة تتيح لها تعزيز سلطتها وبقاءها فوق القوانين والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، وقد تمسكت تاريخياً بحيازتها الضمانات اللازمة لتحقيق ذلك الهدف، ما يعني أن عدائها للمحكمة الجنائية الدولية يمكن فهمه في ذلك السياق.

فمثلاً، بالنظر للخطاب الأميركي القديم، والذي أوضحته وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس عام 2000 أثناء حملتها الانتخابية حينها، يمكن رصد تلك الفكرة التي تؤكد على تقديم المصلحة القومية الأميركية على الاعتبارات الإنسانية والمواثيق الدولية.

فقد نشرت حينها كوندوليزا رايس في مقال بمجلة الفورين أفيرز (Foreign Affairs): “لا تسعى أميركا للانتساب لأي اتفاقية أو معاهدة دولية تُقترح عليها، وذلك لأننا لا ننظر للقيادة باعتبارها تحقيق دور خاص للولايات المتحدة الأميركية تجاه العالم، فالمصلحة الأميركية تأتي دائماً في المقام الأول”

وهي السياسة القديمة التي يمكن فهم مجموعة من القرارات الأميركية في ضوئها، والتي من أهمها قرارات مجلس الأمن بعدم ملاحقة العاملين بقوات حفظ السلام الأميركية، وسعي الولايات المتحدة الدائم لعقد اتفاقيات ثنائية مع الدول الأعضاء التي سبق وصدقت على ميثاق المحكمة الجنائية الدولية لضمان عدم تسليم أو ملاحقة أميركيين على أراضيها.

وبالنظر للتصريحات الأخيرة لمستشار الأمن القومي، يمكن فهم المنحى الخطر الذي تتجه نحوه الولايات المتحدة مدفوعة بسياسة ترمب الجامحة، والتي تؤكد اتخاذ كل الضمانات اللازمة لجعل الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها فوق إمكانية المحاسبة وخارج جميع الأطر القانونية، ما يُهدد بجعل العدالة أسطورة لا يمكن الوصول لتحقيقها.

تعليقات

اكتب تعليقك