اقتراب البعوض النووي من الخليج
عربي و دولياستراتيجية أمريكا الجديدة في أفغانستان واستراتيجية طالبان في باكستان
إبريل 23, 2009, منتصف الليل 2104 مشاهدات 0
في عام 1995 طالب الشيخ صوفي محمد خان زعيم حركة تطبيق الشريعة المحمدية في وادي سوات شمال غربي باكستان والواقع على مسافة نحو مائة كيلومترا من إسلام أباد ،طالب بفرض أحكام الشريعة الإسلامية في المنطقة السياحية التي تعد ملعبا للميسورين في باكستان، وأعقب ذلك أعمال عنف مع القوات الباكستانية ،وفي عام 2001، قام خان بجمع حوالي 10 آلاف مقاتل وحارب القوات الأمريكية التي كانت تجتاح أفغانستان.وفي مطلع عام 2009م وردت تقارير عن سيطرة مسلحين من عناصر مواليه لطالبان على وادي سوات مما دفع بالحكومة الباكستانية إلى الإعلان عن إستراتيجية جديدة لمكافحة حركة التمرد المسلح هناك .الخطوة التالية جاءت عكس ذلك تماما فبعد تعرضه لضغوط من المحافظين الإسلاميين وقع الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري Asif Ali Zardari على قانون يفرض تطبيق الشريعة الإسلامية على وادي سوات . وعلى سؤال من أعضاء لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس أجابت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون Hillary Clinton إن الحكومة الباكستانية قد تخلت أساسا عن السلطة لطالبان في جزء من تلك الدولة،و انتقدت بشدة الحكومة الباكستانية.التي تخسر الأرض أمام طالبان التي انتشر نفوذها في شمال باكستان. وأضافت 'لا نستطيع تأكيد خطورة التهديد القائم الذي تتعرض له دولة باكستان بالتقدم المستمر ليسمح بالوصول إلى إسلام آباد في غضون ساعات من جانب مجموعة إرهابيين '. وقد ذكرت وكالات الأنباء إن قوات طالبان بدأت تسير دوريات في منطقة بونر جنوب الوادي وإن عددا كبيرا من المسلحين قد دخلوا الوادي وبدؤوا في إقامة نقاط تفتيش على الطرق الرئيسية والمواقع الإستراتيجية. من جانب آخر قيل إن الرئيس الأميركي باراك أوباما Barack Obama سيلتقي في أوائل الشهر القادم مع الرئيسين الأفغاني والباكستاني، مع مضيه قدما في إستراتيجية امريكية جديدةU S strategy in Afghanistan تأمل إحلال الاستقرار في المنطقة .
مراجعة إستراتيجية أوباما في أفغانستان والتي أعلنها يوم 27 مارس 2009م تظهر انها تهدف إلى القضاء على تنظيم القاعدة في أفغانستان وباكستان وتفكيكه ومنعه من العودة إلى أي من البلدين في المستقبل، وشتان مابين الهدف و الإجراءات التي تقترحها الإستراتيجية لتحقيق ذلك والتي تضمنت : زيادة مخصصات العمليات الحربية بما يقرب من 60%.،وزيادة عدد القوات الأفغانية تمهيدا لسحب الجنود الأميركيين،و إنشاء منتدى إقليمي للتعاون الاقتصادي والأمني يضم جيران أفغانستان و مواجهة الحملات الدعائية للقاعدة وطالبان. وإرسال مهندسين وخبراء زراعيين للقضاء على المخدرات، وتشجيع الحكومة الأفغانية في جهودها الرامية إلى الحوار مع من تعدهم غير متشددين من أعضاء حركة طالبان وأخيرا التركيز أكثر على مواجهة القاعدة وطالبان على الأراضي الباكستانية و وتزويد باكستان بمزيد من المروحيات وأجهزة الرؤية الليلية. و طلب الدعم المادي في أفغانستان وباكستان من شركاء الولايات المتحدة وحلفائها ومن الأمم المتحدة ومنظمات المعونة الدولية.
تشهد باكستان موجة غير مسبوقة من الاعتداءات أوقعت ما يزيد عن 1800 قتيل خلال سنة واحدة ، وما الإجراءات الأميركية المقترحة إلا سيناريو أميركي قديم معناه ترك الأمور على حالها والخروج من مستنقع العنف مع وضع بضع دولارات دولية في يد الرئيس حميد كرزاي Hamid Carzai ودولارات خليجية أخرى في يد الرئيس الرئيس آصف علي زرداري Asif Ali Zardari ،كما حدث قبل30عاما بالضبط.
الجوار الجيوسياسي
يذهب البعض إلى أن الخليج العربي من ناحية الجغرافيا السياسية، أكثر اتساعاً من الخليج العربي من ناحية الجغرافيا الطبيعية،حيث يضم بالمعيار الجيوسياسي،عدداً من الوحدات السياسية التي ليست لها سواحل خليجية،فيتسع الحديث عنه ليشمل اليمن وباب المندب حتى قناة السويس،وليشمل أيضاً تركيا وأفغانستان وباكستان والهند حيث هناك تواصل حضاري وديني منذ القدم، وأيضابالمحيط الهندي، باعتبار أن هذه المناطق هي مناطق متصلة بالخليج العربي. حيث نجد الخليج في مطلع القرن العشرين امتدادا للهند في دوائر الحكم البريطانية سياسيا واقتصاديا وعسكريا ،وهو امتداد لحلف شمال الأطلسي بحكم أن إيران والعراق وباكستان وكلها دول على أطراف الخليج ،تمثل حلف بغداد 1955م والذي كانت تقف من خلفه بريطانيا والولايات المتحدة ،كما تمد تركيا يديها بين الحلفين لتظهر مدى تطابق ما يرميان إليه من خطط و أهداف ،كما يظهر ارتباط الخليج بجنوب أسيا في مطلع السبعينيات ،حيث كان من نتائج الحرب الهندية الباكستانية 1971م أن مالت الهند إلى عدن الماركسية في جنوب الجزيرة العربية وإلى بغداد شبه الاشتراكية في أقصى شمال الخليج العربي، فيما توثقت العلاقات الباكستانية مع السعودية وإيران التي التزمت بأمن باكستان منذ العام 1973م. ولولا أن الحرب البحرية خلال المعارك الباكستانية الهندية كان مسرحها بحر العرب وخليج البنغال ،لكانت إيران جزءا منها ضد الهند على أطراف مضيق هرمز.كما نجد أن باكستان من خلال قوات (البلوش) كانت جزءا من الجهد السلطاني في حرب ثوار ظفار في عمان في السبعينيات .
في5 فبراير 1949م عين الكابتن أوريغان O,Regan قائداً لقيادة الخليج العربي في البحرية الأمريكية،وكان مقر قيادته سفينة الاستطلاع موري USS Maury الموجودة قرب الكويت، ثم جرى في 1949م تعديل في تنظيم القوات الأمريكية في المنطقة ، فأصبحت قيادة قوات الشرق الأوسط Middle East Force Command بدلاً من قيادة منطقة الخليج العربي Command ِArabian Gulf Area ، و كان يقودها الكابتن هنسل Captain Hensel ، ويقع تحت مسؤولية هذه المنظومة البحر الأحمر،والخليج العربي،والهند، وباكستان، وسيلان، ويبدو أن مبدأ ترومان وراء ربط الخليج بباكستان والهند . وفي عام 1955م، أقيم حلف بغداد و كان حلفاً دفاعياً موالياً للغرب، يضم تركيا، والعراق، وإيران، وباكستان، والمملكة المتحدة،في ذروة الحرب الباردة،وهو توسيع لمفهوم الحزام الشمالي.
ثم وصل الشيوعيين إلى الحكم في أفغانستان بقيادة نور تراقي Noor Taraki من خلال انقلاب دموي، قتل خلاله داود في عام 1978م، و حاول تراقي بمساعدة بابراك كارمال Babrak Karmal إقامة حكومة شيوعية وكان عربون الصداقة للسوفييت ذبح السفير الأمريكي في كابول أدولف دوبز ADOLPH DUBS في 14 من فبراير 1979م،،ثم فر بابراك من حفيظ الله إلى الاتحاد السوفييتي. وكانت هجمات المجاهدين على كابل أقوى من أن يحتملها حفيظ الله، فما كان منه إلا أن بدأ يفاوض الباكستانيين والأمريكان حول أمن أفغانستان،ولم يرق ذلك للسوفييت، فقاموا في ليلة 24 من ديسمبر 1979م بغزو أفغانستان، يتقدمهم بابراك،الذي قتل حفيظ الله، وحل محله في إدارة حكومة موالية للسوفييت .
كان قد تبلور فكر متشدد في الولايات المتحدة منذ 1974، عندما قطع النفط أول مرة، يدعو إلى العودة إلى أسلوب التدخل المباشر، لحفظ مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، ثم خفت حدة التطرف، ليتحول الأمر إلى تحرك محدود في تأكيد الوجود القديم في الجفير في البحرين، والسعودية، وجزيرة مصيرة في عمان، ثم اقتنعت الإدارة الأمريكية بأن ما قام به السوفييت، هو عملية يأتي الخليج العربي ونفطه في ثناياها، لذلك يجب الضغط على الاتحاد السوفييتي، ليخرج من أفغانستان، أو ليوقف زحفه نحو إيران وباكستان، بالإضافة إلى تكثيف الحضور العسكري في الخليج، لحماية المصالح النفطية الأمريكية، وإبلاغ أهل الخليج بالتزام الولايات المتحدة بحفظ أمن الدول الحليفة والصديقة. كما يبدو أن الغزو السوفييتي لأفغانستان، كان هو ما تنتظره الولايات المتحدة لإعادة تقييم سياستها في المنطقة، ودفن مبدأ نيكسون لTwin pillars السلبي في نظر صقور الإدارة الأمريكية .
أعادت الولايات المتحدة تنشيط اتفاقياتها مع باكستان، واعتمدت على الجنرال ضياء الحق، على الرغم من سجله السيئ في مجال حقوق الإنسان، ليؤمن مضيق خيبر من دخول السوفييت، أو يسمح بتدفق الأسلحة الأمريكية على المجاهدين، بل إن باكستان، كانت تقرر من يستحق الدعم الأمريكي من ضمن الفصائل الأفغانية، ثم حصرت الدعم في سبع فصائل فقط، قامت بدور البعوض كما يقول رئيس الاستخبارات الأمريكية CIA وليم كاسي William Casey لإزعاج الدب الروسي، وسميت عملية الدعم عملية البعوض Operation Mosquito.. ومن العجيب عودة البعوض لمهاجمة من كان يطعمه، بعد خروج الدب من أفغانستان. وعند الحديث عن دعم المجاهدين الأفغان، لابد من الحديث عن الدعم الخليجي، الذي قادته المملكة العربية السعودية بين عامي 1984م1986م، بما يصل إلى 525 مليون دولار، كما أنفقت في عام 1989م ما يوازي 61% من مبلغ وصل إلى المجاهدين بقيمة 715 مليون دولار، مما يجعل السعودية، ومن حذا حذوها من دول الخليج، في الخندق نفسه المناهض للسوفييت، وليصح القول إن السوفييت قد خرجوا من أفغانستان بعوامل ثلاثة: التكنولوجيا الأمريكية، والأموال الخليجية، والمجاهدين المسلمين .
اقتراب البعوض النووي من الخليج العربي
تشهد باكستان موجة غير مسبوقة من العنف المرتبط بالوجود الأميركي في أفغانستان والمرتبط من جهة أخرى بالنفوذ الأفغاني المسلح في باكستان،ويجري ذلك في وقت يتم فيه الإعلان عن إستراتيجية أمريكية جديدة في أفغانستان عمادها الوعود المبنية على دراسات مراكز الأبحاث الإستراتيجية المترفة، التي لم تطأ أقدام رجالها صخور جبال' قرة قوم' السوداء ، بينما شرع رجال طالبان والقاعدة والمتعاطفون معهم في تنفيذ إستراتيجيتهم التي من بوادر نجاحه تقليص المسافة بينهم وبين العاصمة إسلام أ باد إلى مائة كم فقط.
لقد كشف الرئيس الباكستاني برويز مشرف General Pervez Musharraf ان الولايات المتحدة هددت بقصف باكستان بعد اعتداءات 911 اذا لم يتعاون في الحرب على الإرهاب،وذهب الجنرال برويز مشرف كما ذهب الرئيس جورج بوشG. W. Bush ،وصار الرئيس آصف علي زرداري في حل من تعهدات الجنرال برويز مشرف، كما أصبح للبيت الأبيض سيد جديد يتغني بالدبلوماسية الناعمة أكثر من قعقعة سلاح إسلافه .لقد ساد العالم مزاج جديد، وساد الولايات المتحدة مزاج يشبه ما مرت به بعد حرب فيتنام من استهجان لأدوات الرئيس جورج بوش العنيفة .
إن باكستان حلقة من حلقات أمن منطقة الخليج العربي منذ قيامها 1947م، وجزء من جواره الجيوسياسي، بل إن حرب أفغانستان 1979م قد خاضتها أطراف الصراع في عصر الحرب الباردة طمعا ودفاعا عن الخليج العربي ،ولم يظهر مبدأ كارترCarter Doctrine الذي جعل أمن الخليج العربي جزء من امن الولايات المتحدة القومي إلا بعد أن احتفل السوفيت برأس السنة في شوارع كابل 1979م.
ولأن الدولة المسلحة نوويا تمثل 'تهديدا قاتلا' لأمن العالم كما قالت السيدة كلنتون، ولأن هدف المتطرفين هو الإطاحة بحكومة باكستان والسيطرة على الدولة المسلحة نوويا.فإن ما يخيفنا هوان يصبح السلاح النووي في يد أصحاب الطموح، الذين سيفرضون هيمنتهم على الخليج العربي أولا للوصول إلى القدس عن طريق الدائري السابع في الكويت وطريق الملك فهد في الرياض وطريق الشيخ زايد في دبي.
تعليقات