خارطة طريق للحركة التقدمية الكويتية

محليات وبرلمان

اجتماع مطول حددت فيه سياستها ومهماتها المباشرة

1300 مشاهدات 0


الآن
عقدت اللجنة المركزية للحركة التقدمية الكويتية اجتماعاً يوم السبت 21 يوليو 2018 وبحثت الأوضاع الراهنة في البلاد والتطورات الجارية وسياسة الحركة ومهماتها المباشرة، وأصدرت تقريرأً يتضمن تحليلها لهذه الأوضاع والتطورات وتوجهات سياسة الحركة التقدمية الكويتية ضمن العناوين التالية:

أولاً: قضية الحريات:

على الرغم من التراجع الجزئي في منسوب الهجمة على الحريات، التي كان أشدها في منتصف العام 2014، إلا أن هذه الهجمة لا تزال مستمرة بدرجات مختلفة، وهذا ما نلحظه في الأحكام بالحبس على 16 من النواب الحاليين والسابقين والناشطين في قضية دخول المجلس، بما يترتب عليها من حرمان من الحقوق الانتخابية، واضطرار عدد منهم للرحيل عن الوطن، ناهيك عن الأحكام العديدة والمتكررة بحبس عدد من المغردين... والمماطلة والمساومة في إلغاء القرارات الجائرة بإسقاط وسحب وفَقْد الجنسية الكويتية عن عدد من المواطنين لأسباب سياسية، بعد إعادتها لعائلة البرغش... والقرار الانتقائي لوزارة الشؤون بحل مجلس إدارة جمعية الحرية.
إنّ التضييق على الحريات ليس مزاجاً يمكن أن يتبدل ولا هي قرارات انفعالية وردات أفعال يمكن تحاشيها بما يسميه البعض التعامل "الحكيم" في عدد من المواقف، وإنما هو نهج يعكس الطبيعة الطبقية للقوى المتنفذة سياسياً واقتصادياً المناقضة للديمقراطية.


وهنا لابد من التأكيد على أنّ النضال الديمقراطي، وخصوصاً من أجل إطلاق الحريات، يمثل حلقة مركزية في نضالنا... أما على المستوى المباشر في ظل ميزان القوى الراهن فنحن نركز الآن على تحقيق حالة انفراج سياسي عبر:
- إصدار قانون للعفو الشامل عن قضايا الرأي والتجمعات.
- إطلاق الحريات وإلغاء القوانين والإجراءات المقيدة لها.
- عودة الجناسي.
- المطالبة بتغيير النظام الانتخابي للصوت الواحد المجزوء.


فهذه هي المطالب والاستحقاقات الآنية المباشرة، وذلك قبل أي حديث عن الإصلاح الديمقراطي والدستوري باتجاه إقامة نظام ديمقراطي برلماني مكتمل الأركان، الذي يمثّل هدفاً رئيسياً لنضالنا ولكنه لا يمكن أن يتحقق قبل أن تتحقق حالة انفراج سياسي أولاً، التي يجب أن نحشد القوى من أجل المطالبة بتحقيق الانفراج السياسي وتركيز الجهود من أجل الوصول إليه.


ثانياً: استعادة الحكومة زمام المبادرة برلمانياً:
إنّ الوجهة الأخرى، التي يجب أن نتوقف أمامها هي استعادة الحكومة زمام المبادرة وفرض سطوتها شبه الكاملة على مجلس الأمة بعد شيء من الارتباك في تعاملها مع المجلس في الأشهر الأولى التي أعقبت انتخابات نوفمبر 2016، حيث أدى ذلك الارتباك إلى استقالة وزيرين من الأسرة الحاكمة بعد استجوابيهما، وهذا الارتباك انعكس مؤقتاً على مواقف النواب المحسوبين على السلطة... وفي هذا السياق، فإنه جراء الاكتفاء بطرح عدد من المطالب والاستحقاقات والوعود الانتخابية ضمن الأطر النيابية وحدها وعدم تحشيد الرأي العام الشعبي للتحرك من أجل المطالبة بها والضغط على الحكومة والنواب لتمريرها، وتفكيك السلطة لأي ائتلاف نيابي متماسك، فمن الطبيعي أن نلحظ الفشل الذريع لمن يسمون "نواب المعارضة العائدين للمشاركة" في تمرير تعديل قانوني الجنسية والمحكمة الإدارية وإلغاء قانون المسيء وقراري زيادات الكهرباء وأسعار البنزين، إلى أن وصلنا أخيراً وليس آخراً إلى رد الحكومة قانون التقاعد المبكر، الذي أقره المجلس.


إننا ندرك جيداً انسداد أفق الإصلاح والتغيير عبر القنوات البرلمانية، وهو واقع تعزز أكثر من أي وقت مضى في ظل المجالس المنتخبة وفق مرسوم قانون الصوت الواحد المجزوء، ولكن في المقابل فإنّ هذا الاستنتاج لا يدفعنا إلى تجاهل ما كشفته الخبرات الواقعية العملية عبر التاريخ البرلماني الكويتي من دور مؤثر للرأي العام الشعبي الضاغط في إمكانية تمرير قوانين معينة أو إجبار السلطة وغالبية النواب على إسقاط مشروعات قوانين مرفوضة شعبياً، وهو ما يجب أن نؤكده ونستفيد منه في نضالنا السياسي المرتكز بالأساس إلى النضال الجماهيري، بعيداً عن النزعة العدمية السلبية.


ثالثاً: الوضع المعيشي ومعاناة الفئات المهمشة:
مع أنّ البيانات الرسمية المتصلة بالأسعار تحاول أن تخفي حقيقة التضخم والغلاء، إلا أن المستهلك يلمس ارتفاع الأسعار في العديد من السلع، واللافت أنّ هناك العشرات من الشركات التجارية الكبرى طلبت من لجنة تحديد الأسعار رفع أسعار العديد من السلع إلى 10 في المئة في شهر مايو الماضي، وحتى الآن لم يتم البت بالطلبات، التي في حال إقرارها ستؤثر سلباً على معيشة المستهلكين، خصوصاً ذوي الدخول المتدنية منهم... وهناك قرابة 380 أمر منع من السفر وضبط وإحضار تصدر يومياً بسبب ديون مالية للغير وفق ما كشفته بيانات الإدارة العامة للتنفيذ بوزارة العدل، ما يكشف حجم مشكلة الديون الاستهلاكية والأقساط ومعاناة المدينين.
ومن جانب آخر يعاني العمال الوافدون منذ بداية أكتوبر 2017 من الزيادة المرتفعة على رسوم الخدمات الصحية، وأدى تطبيق التعرفة الجديدة للكهرباء إلى مغادرة أعداد ليست قليلة من الأسر الوافدة للكويت، وليست هناك حتى الآن بيانات واضحة حول ذلك، فيما تستمر معاناة الكويتيين البدون من تعسف جهاز المقيمين بصورة غير شرعية في تجديد البطاقات، بينما ليس هناك أفق جدي لحل هذه القضية سوى الوعود الحكومية والمماطلة والتسويف... وتتعرض العمالة الوطنية في القطاع الخاص إلى التطفيش، حيث كشفت الأرقام تراجع عدد هذه العمالة من نحو 89 ألفاً في نهاية العام 2016 إلى أقل من 61 ألف مواطن في بداية العام 2018، ما يعني أن أكثر من 28 ألفاً مع العمالة الكويتية قد خرجت من القطاع الخاص، وذلك جراء سياسات التطفيش، وهناك الآن وفق البيانات الرسمية نحو 12 ألف كويتي عاطل عن العمل.
هذا فيما تستعد الحكومة وفق برنامجها لتمرير العديد من مشروعات القوانين التي تمس معيشة الناس، ومن بينها مشروع قانون إطلاق يدها في استحداث وزيادة الرسوم على الخدمات العامة، وقانون ضريبة المبيعات، وقانون البديل الاستراتيجي، الذي سيتضرر منه العديد من العاملين في القطاعين الحكومي والنفطي تحت ذريعة توحيد الرواتب والبدلات والمكافآت.


رابعاً: محاولات تكريس النهج الرأسمالي النيوليبرالي:
تواصل القوى المتنفذة سياسياً واقتصادياً نهجها الرأسمالي النيوليبرالي في الاستحواذ على  المزيد من مقدرات البلاد والاستئثار بخيراتها وتوجيه الإنفاق الحكومي نحو تنفيع طبقة كبار الرأسماليين وتقليص بنود الإنفاق الاجتماعي الضرورية واستهداف المكتسبات الاجتماعية الشعبية وتصفية القطاعين العام والتعاوني وإخضاعهما للقطاع الخاص من دون قيامه بأي وظيفة اجتماعية وتحميل الطبقة العاملة والفئات الشعبية أعباء أي عجز في الميزانية.
فالخطة التنموية المعلنة تطرح بوضوح تولي القطاع الخاص ما يسمى قيادة قاطرة التنمية، وبرنامج العمل الحكومي يكشف أنّ الحكومة ستسلم المشروعات الكبرى الجديدة التي ستتولى إنشاءها إلى القطاع الخاص، وهناك محاولات حكومية لتعديل قانون الخصخصة باتجاه الالتفاف على حظر خصخصة إنتاج النفط والغاز الطبيعي والمصافي ومرفقي التعليم والصحة، وتصريحات حول توجه الحكومة لخصخصة الجمعيات التعاونية، ومحاولات متكررة لخصخصة بعض مرافق القطاع النفطي.
ونستطيع أن نلمس معارضة شعبية واسعة لهذا التوجه الرأسمالي النيوليبرالي، ولكن المشكلة الرئيسية تكمن في الأوضاع المؤسفة التي تعيشها الحركة النقابية العمالية من حيث انقساماتها وسيطرة عناصر انتهازية على عدد من النقابات والاتحادات وما تعانيه الحركة النقابية العمالية من تغليب للاستقطابات الطائفية والقبلية والفئوية على حساب الاصطفاف الطبقي، خصوصاً في تشكيل القوائم والانتخابات وتوزيع المناصب القيادية في المؤسسات النقابية،  ما أدى إلى إضعاف دور الحركة النقابية العمالية وبالتالي قدرتها على التصدي لمثل هذا النهج الرأسمالي النيوليبرالي... ولهذا يجب أن يكتسب تصحيح أوضاع الحركة النقابية العمالية واستعادة دورها أولوية رئيسية.


خامساً: الوضع الحكومي:
تبرز بوضوح مظاهر تدني مستوى الأداء الحكومي وسوء الإدارة السياسية للدولة والتخبط في القرارات، وهذا ما ظهر بادياً في خواء برنامج عمل الحكومة وعدم التزامه بتحديد مستهدفات ملموسة وفق مدد مقدرة، وتضارب القرارات الحكومية، مثلما شهدنا ذلك في الخلاف حول دمج الهيئة العامة للقوى العاملة مع برنامج إعادة الهيكلة، وأخيراً سحب صلاحيات مدير عام هيئة الزراعة ثم إعادتها، هذا إلى جانب ما هو معروف من تدني مستوى العديد من الخدمات العامة والبنية التحتية.
ولهذا فإننا نؤكد ما سبق أن أوضحناه في أكثر من موقف من أن المشكلة هي مشكلة نهج وسياسات قبل أن تكون مشكلة أشخاص، وأنه لا يمكن تعليق الآمال على شخص مسؤول ما مع تجاهل تأثيرات العوامل الرئيسية المتمثلة في طبيعة السلطة وطبيعة المصالح المتحكمة في القرار وتشابك العلاقات ومراكز النفوذ داخل السلطة والحلف الطبقي المسيطر، هذا ناهيك عن أننا مثلما نرفض أن نوجه معارضتنا للأشخاص، وإنما نوجهها لمصالح القوى المتنفذة ولنهجها وسياساتها المتعارضة مع مصالح أوسع فئات الشعب، فإننا في المقابل لا يمكن أن نمحض تأييدنا لشخص هذا المسؤول أو ذاك ونعوّل عليه وحده، وغير هذا فنحن نرفض الانجرار وراء صراعات مراكز النفوذ والأقطاب المتنافسة ضمن صفوف القوى المتنفذة سياسياً واقتصادياً، التي هي في النهاية صراعات ثانوية تجري ضمن الطبقة المسيطرة نفسها ولا يجب أن تخدعنا وتمنعنا من النظر إلى الصراعات والتناقضات الرئيسية التي تجري بين هذه الطبقة المسيطرة من جهة والطبقات الاجتماعية الأخرى من جهة أخرى، وبالتالي فإننا عندما نتخذ موقفاً ما فإننا نبنيه استناداً على هذا التحليل للواقع السياسي وليس على تصورات موهومة حول هذا الشخص أو ذاك، ولكن الأمر الطبيعي أننا سنحاول التأثير ما أمكن على التطورات ومسارها بالاستناد إلى النضال الجماهيري وتشكيل رأي عام شعبي، ولن نكتفي بتسجيل موقف من باب تسجيل المواقف؛ أو النأي بالنفس عن اتخاذ موقف مؤثر وكأن الأمر لا يعنينا عندما تكون الحاجة الموضوعية قائمة لاتخاذ موقف ما في اتجاه معين.


سادساً: الفساد تحوّل إلى نهب منظم:
شهدت الأشهر الأخيرة استشراء مظاهر الفساد والإفساد على نحو مثير، وكان أبرزها فضيحة العطايا الحكومية الجديدة للنواب وما تكشف حول فضيحة الحيازات الزراعية الأخيرة، وما تكشف من وقائع جديدة حول تزوير الشهادات الجامعية، وهي شواهد جديدة على واقع الفساد والإفساد، الذي لم يعد مجرد ممارسات فردية ولا هو مجرد سلوك تنفيعي، وإنما أصبح الفساد اليوم جزءاً من البنية الاقتصادية والسياسية، بل يجري تكريسه ضمن الثقافة الاجتماعية السائدة، ويكمن الأساس الموضوعي لهذه الظاهرة الخطيرة في الطبيعة الطفيلية لمصالح القوى الطبقية المتنفذة، ولا تنحصر في السلوك الشخصي لهذا المسؤول وأخلاق المسؤول الآخر، بل لقد تعدى الأمر الفساد كاستغلال للنفوذ وتحوّل إلى ما يمكن أن يكون عمليات نهب منظمة لمقدرات البلاد، كما لم يعد الفاسدون والمفسدون أفراداً معزولين، وإنما تحوّل الفساد إلى مؤسسة لها أذرعها الممتدة في سلطات الدولة وأجهزتها بما فيها الأمن وكذلك أذرعها الإعلامية، وربما هناك مؤشرات على وجود أذرع إجرامية مرتبطة بقوى الفساد.
ولهذا فمن الطبيعي أن تتراجع درجات الكويت ضمن مؤشر مدركات الفساد العالمي من 53 من مئة درجة في 2003 إلى 39 من مئة درجة في 2017، كما تراجع ترتيبها خلال الفترة ذاتها من 35 إلى 85  على مستوى دول العالم.


ومن هنا فإن المعركة ضد الفساد والإفساد هي بالأساس معركة سياسية وطبقية كبرى، يجب أن تكون من أولويات النضال من أجل التغيير الوطني والديمقراطي والاجتماعي... ولعلنا لا نبالغ عندما نرى إن المعركة ضد الفساد والإفساد يجب أن تكون نقطة ارتكاز هامة لتحشيد أوسع القوى الشعبية المتضررة، ومن المهم في نضالنا السياسي والجماهيري أن نربط قضية مكافحة الفساد بقضية الديمقراطية وبقضية الصراع الطبقي وألا نختزلها في محاربة شخص أو أشخاص، من دون تقليل لأهمية محاسبة الأشخاص الفاسدين والمفسدين.


وعلينا الانتباه هنا إلى عدم الانسياق وراء الصراعات الجانبية لمراكز القوى المتنافسة ضمن القوى المتنفذة سياسياً واقتصادياً عند إثارتها أحياناً لبعض قضايا الفساد ضمن أجنداتها وحساباتها الخاصة لإبعاد هذا المسؤول أو ذاك أو إضعافه... وفي الوقت نفسه وعلى ضوء طبيعة المصالح الطبقية الطفيلية للقوى المتنفذة وكذلك على ضوء التجارب التاريخية المتصلة بالتعامل السلطوي مع فضائح الفساد فإنه ليست لدينا أي أوهام حول جدية الحكومة في ادعاءاتها لمكافحة الفساد، من دون أن يعني هذا الاستسلام لهذا الأمر وعدم ممارسة الضغط الشعبي عليها لاتخاذ اجراءات وتدابير.


سابعاً: قضية إصلاح التعليم:
في ظل الطبيعة الطفيلية لنشاط القوى الاجتماعية المتنفذة سياسياً واقتصادياً فمن الطبيعي ألا يكون إصلاح التعليم أولوية، وهناك من المؤشرات ما يكفي على تدني التعليم في الكويت وأبرز مثال هو أن قيمة الكويت ضمن مؤشر جودة التعليم الأساسي على مستوى العالم لا تتجاوز 3.2 وترتيبها 103 على مستوى العالم، والمؤسف أنه خلال الأشهر الأخيرة فقد دارت صراعات على السطح حول قضايا لا نقلل من أهميتها مثل لائحة الامتحانات لمنع الغش، واشتراط اجتياز اختبار الآيلتس للابتعاث، بينما لم تتوجه الأنظار نحو قضايا التعليم ومشكلاته الأساسية مثل ضعف صلة التعليم باحتياجات التطور الاقتصادي والاجتماعي، وضعف مستوى المناهج، وظاهرة التسرب.  
ونسجل هنا أن كلاً من الاتحاد الوطني لطلبة الكويت وجمعية المعلمين بسبب ارتباطاهما بعناصر الأحزاب الدينية المتخلفة لا توليان إصلاح التعليم اهتماماً جدياً في أنشطتهما، على الرغم من أنهما يفترض أن يمثلا الركنين الأساسيين في العملية التعليمية الطلبة والمعلمون.


ثامناً: التنمية ومشروع الجزر ومدينة الحرير والموقف إزاءها:
سبق أن جرى إقرار العديد من خطط التنمية، وكانت في معظمها مجرد سرد لقائمة من المشروعات المطلوب تنفيذها وتجميعاً حسابياً للميزانيات السنوية على مدى زمني محدد، ورصداً للتكاليف المالية للعقود والمناقصات المتصلة بها، أما ما جرى تحديده من نسب وأرقام مستهدفة فإنّ معظمها لم يتحقق باعتراف التقارير الحكومية نفسها.


ولتوضيح حقيقة أن خطط التنمية لم تكن ذات أثر ايجابي مباشر على دور المواطن الكويتي في العملية التنموية نجد أنّه على الرغم مما تم إنشاؤه من المشروعات وبناء المنشآت والمرافق وشق الطرق وإقامة الجسور، إلا أنّ هذا لم ينعكس على أرض الواقع على مستوى عدد العاملين والفنيين والمهندسين الكويتيين ولا على مستوى الخبرات العملية والمهارات التي اكتسبها الشباب الكويتي من وراء تنفيذ شركات المقاولات لهذه المشروعات ذلك لسبب بسيط وهو أن هذه الشركات لا تشغّل العمالة الوطنية.


ولتفسير عدم الجدية في الخطط التنموية المطروحة فإنّ السبب يعود إلى السطوة السياسية للقوى الطبقية الطفيلية المتمثلة في كبار المتنفذين والطغمة المالية وكبار الوكلاء التجاريين وكبار الملاكين العقاريين والبرجوازية البيروقراطية الطفيلية الذين لا مصلحة تربطهم بتحقيق التنمية ولا بالبناء الوطني ولا بتحديث الدولة ولا بالعمل المنتج ولا بتصنيع النفط ولا بإصلاح التعليم وتطوير الإدارة، وذلك ما داموا قادرين على الاستيلاء على الجزء الأكبر من الثروة الوطنية عبر النشاطات الطفيلية والتنفيع.


لقد كرست هذه القوى الطفيلية المتنفذة عن عمد هيمنة القطاعات غير الانتاجية كالعقار والمضاربة على النشاط الاقتصادي، كما أعاقت عن قصد تطور القوى المنتجة المادية والبشرية، ويكفينا أن نضرب مثالاً على ذلك بتعمد تهميش قوى العمل الوطنية في القطاع النفطي منذ أواسط ثمانينات القرن الماضي عبر تلزيم معظم أعمال ذلك القطاع لشركات المقاولات التي تستعين بالعمالة الوافدة الهامشية وتخضعها لأبشع أنواع الاستغلال، وذلك بهدف منع تشكّل طبقة عاملة صناعية كويتية قوية.
وفي هذا السياق يأتي طرح مشروع ما يسمى "مشروع استغلال الجزر الكويتية الشرقية الحرة" الذي اصطلح على تسميته أحياناً بمشروع "تطوير الجزر ومدينة الحرير"... فنحن بالتأكيد مع أي مشروع تنموي من شأنه النهوض بالكويت، ونحن بالتأكيد ندعم أي توجه يستهدف الاستفادة من موقع الكويت وإمكاناتها في أي مشروع تنموي، ونؤيد أي توجه لاستعادة دور الكويت التاريخي كميناء نشط وكمركز تجاري يخدم منطقة شمالي الخليج، ونحن مع أن تكون الكويت نقطة اتصال في خطوط المواصلات الدولية أو للربط القاري، ونرى أهمية ربط هذا المشروع بالمشروع الصيني العظيم المسمى "الطريق والحزام" أو "طريق الحرير الجديد" أو "طريق الحزام الاقتصادي لطريق الحرير، وطريق الحرير البحري لقرن ال 21" الذي يشمل تشييد شبكات من الطرق وسكك الحديد وأنابيب النفط والغاز وخطوط الطاقة الكهربائية ومختلف البنى التحتية الذي طرحته الصين... ولكن الواقع يكشف أنّ هناك فرقاً كبيراً بين هذا كله وبين ما طرح حول مشروع استغلال الجزر، الذي سبق تقديم مشروع قانون له ثم جرى سحبه من مجلس الأمة بعد بروز العديد من التساؤلات والملاحظات عليه، وسيتم تقديم مشروع قانون بديل عنه في الفترة المقبلة، هذا ناهيك عن أنّ الطرح الدعائي لهذا المشروع لا يوضح كيف يمكن أن تتحقق عوائده لصالح الدولة؟ هل سيتم هذا عن طريق الضرائب على دخول الشركات المستثمرة؟ أم أنها ستعفى منها بحجة تشجيع الاستثمار؟ ...وما هي طبيعة فرص العمل التي سيوفرها مثل هذا المشروع؟ وهل سيكون هناك توجه لاستخدام قوى العمل الكويتية والاعتماد عليها وتدريبها؟ أم هو مشروع لاستقدام عشرات بل مئات الآلاف من العمالة الوافدة الجديدة في مجال الخدمات السياحية والترفيهية؟


وبالتالي فإنه في غياب الإجابة الشفافة والمقنعة عن هذه الأسئلة المستحقة يصعب وصف مثل هذا المشروع بأنه مشروع تنموي يمكن أن يوفر بدائل عن الاعتماد على مورد وحيد وناضب، وفي هذه الحالة سيبقى المستفيد الأول والأخير منه هم أصحاب الشركات الأجنبية والمحلية التي سيوكل لها تنفيذ هذا المشروع السياحي الترفيهي واستثماره.


وفي سياق قيام حركتنا بدورها كجماعة سياسية معارضة تحمل برنامجاً بديلاً فقد أعدت حركتنا مقترحاتها التنموية العشرة وقدمتها إلى المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية ونشرتها إعلامياً، وهي مقترحات تقدم بدائل لتوجهات الخطة التنموية الحكومية، خصوصاً من حيث التركيز على تبني مفهوم التنمية الإنسانية وليس التنمية الاقتصادية فحسب، وأولوية التنمية السياسية، والاهتمام بدور القطاع العام والقطاع المشترك بدلاً من التركيز الحكومي على الخصخصة وتولي القطاع الخاص قيادة عملية التنمية، مع ضرورة تحميل هذا القطاع مسؤولياته الاجتماعية.


تاسعاً: السياسة الخارجية الكويتية:
في الاتجاه العام فإنّ السياسة الخارجية لأي بلد هي في الغالب انعكاس لسياسته الداخلية أو امتداد لها، ولكن مع ذلك فإنّ هناك هامشاً من الاستقلالية النسبية للسياسة الخارجية وتباينها عن السياسة الداخلية، وهذا ما نلحظه في السياسة الخارجية الكويتية بدرجة واضحة، إذ تسيطر عليها نزعة براغماتية عملية وتتخذ مواقف تتسم بدرجة من التوازن والاستقلالية، وهذا ما نلمسه في العديد من المواقف تجاه التضامن مع القضية الفلسطينية ورفض التطبيع مع العدو الصهيوني واتخاذ مواقف متوازنة في الصراعات والاستقطابات الإقليمية داخل مجلس التعاون الخليجي وفي حرب اليمن والأزمة السورية والحراك البحريني والتوازن في الموقف تجاه الدول الكبرى في الإقليم وعدم الانجرار إلى سياسة المحاور، والانفتاح على العلاقات مع الصين وروسيا، مع أنّ الارتباط الأوثق متحقق وقائم مع المركز الإمبريالي.
وهذا التوازن في خط السياسة الخارجية الكويتية أمر تقليدي منذ قيام الدولة الكويتية في العام 1961، وربما ساعد هذا التوازن على توفير درجة من الحماية والأمان للكويت في ظل هشاشة الوضع الجيوسياسي للكويت وما تتعرض له من تحديات  خصوصاً في ظل الوضع الإقليمي المضطرب وعدم الاستقرار في دول الجوار، وذلك من دون أن نتجاهل في المقابل ما تتعرض له الكويت من ضغوط لثنيها عن هذه السياسة، خصوصاً في ظل إدارة ترامب والاستقطابات الحادة خليجياً، وكذلك في ظل استمرار الأزمة داخل مجلس التعاون الخليجي وتفككه عملياً.


وبالتأكيد فإننا نتخذ موقفاً ايجابياً تجاه خط التوازن والاستقلالية النسبية للسياسة الخارجية الكويتية وندعمها ونعارض أي ضغوط خارجية لتغييرها، ومن هنا فإننا نؤكد دوماً على أنّ حماية البلاد واستقلالها ومواجهة الضغوط الخارجية تتطلب وجود جبهة داخلية متماسكة تقوم على قاعدة المشاركة الشعبية والحريات، ولا يمكن أن تتحقق عبر الانفراد السلطوي بالقرار.  


وفي هذا السياق يجري الحديث عن البعد الأمني الاستراتيجي لمشروع الجزر، خصوصاً في ظل التوجه للتعاون مع الصين على تنفيذه في حماية أمن الكويت واستقرارها، ولم تتضح بعد بشكل واقعي ملموس طبيعة هذا التعاون وحدوده والالتزامات المترتبة عليه، ولعل ما هو بارز الآن هو الحديث الدعائي، الذي لا يمكن الاستناد إليه والبناء عليه.


ناهيك عن أنّ الكويت تحتفظ بعلاقات متميزة مع بريطانيا التي ستنشر قوات عسكرية لها في الكويت، ولا يزال السبب وراء مثل هذا القرار غير واضح، وهناك علاقات معلنة متميزة مع حلف الناتو كمؤسسة، هذا غير الوجود العسكري الأميركي المباشر في الكويت منذ 1991، ما يعني أنّ هناك تشابكات وترتيبات متعددة مع أطراف مختلفة، يصعب معها الحديث عن حقيقة وزن أي اتفاق مع الصين على مستوى التعاون الاستراتيجي لتأمين الوضع في البلاد إزاء التحديات الخارجية.
وجرى الإعلان أخيراً عن قيام مجلس التنسيق السعودي الكويتي، ونحن في الوقت الذي نرى فيه ضرورة قيام العلاقات بين السعودية والكويت على قواعد حسن الجوار والتعاون متبادل المنفعة، إلا أنّه لم تتضح حتى الآن معلومات كافية حول طبيعة مجلس التنسيق هذا، وفي الوقت نفسه فإننا نرى ضرورة حل المشكلات العالقة بين البلدين فيما يتصل باستعادة السيادة الكويتية على ميناء الزور وإعادة الانتاج النفطي في منطقتي العمليات المشتركة بين البلدين في الوفرة والخفجي الموقوفة من الجانب السعودي منذ اكتوبر 2014.


عاشراً: الأحزاب الدينية بين أزمتها ومحاولاتها فرض وصايتها على المجتمع:


على الرغم مما تعانيه الأحزاب الدينية، خصوصاً الإخوان المسلمين، من وضع مأزوم بعد التطورات في مصر والسعودية والإمارات، وما تعرضت له من تلويح بضغوط حكومية، فإنّ الأحزاب الدينية في الكويت لا تزال تحتفظ بوزن مؤثر ولم تتوقف عن محاولاتها لفرض وصايتها على المجتمع وحياة الناس الخاصة وإضفاء الطابع الديني على الدولة والتشريعات، وفي هذا السياق جاء ضغطها لمنع احتفالية يوم المرأة العالمي، وتبني وزارة الأوقاف لخطابها التكفيري المهين ضد النساء غير المحجبات، وتأجيج الدعوات الطائفية، وحل مجلس إدارة جمعية الحرية، بل الدعوات لحل الجمعية ككل... وهو ما يتطلب التحرك السياسي والتعبوي في صفوف الجماهير ضد هذه المحاولات، والتمسك بمبادئ الدولة المدنية والمواطنة الدستورية المتساوية والدفاع عن الحريات الخاصة، بالقدر نفسه الذي ندافع فيه عن الحريات الديمقراطية العامة، مع ضرورة تشكيل اصطفاف للقوى المدنية وبالأساس القوى السياسية المدنية، وهذا ما دعت الحركة التقدمية الكويتية إليه وسعت من أجل تحقيقه عبر اتصالاتها ومبادراتها مع هذه القوى لتشكيل اصطفاف يمثل قطباً ثالثاً في مواجهة القطب السلطوي من جهة وقطب الأحزاب الدينية من جهة أخرى، وذلك على قاعدة التوافق على مبادئ وتوجهات عامة ومواقف مشتركة، وقد تحقق شيء من هذا ولكن هناك تناقضات في صفوف القوى المدنية نفسها وحساسيات تعيق تشكّل مثل هذا الاصطفاف.
حادي عشر: المعارضة:  


جراء تشابك بعض الأجندات والمواقف خلال فترة الحراك الشعبي بين 2010 و2014 أصبح هناك خلط مربك عند الحديث عن المعارضة، فهناك في واقع الحال "معارضات" وليست معارضة واحدة، هناك معارضة تقدمية وطنية ديمقراطية نفخر بأننا نسعى إلى تمثيلها، وهناك "معارضة شعبوية" قد نتقاطع معها في بعض المطالب، مع اختلافنا معها في العديد من المنطلقات ومناهج العمل والمواقف، وهناك أطراف "معارضة" من منطلقات رجعية وطائفية، وهذه لا تحمل برنامجاً ديمقراطياً بل إن برنامجها معادٍ للديمقراطية والتقدم، وأمثال هؤلاء ألحقوا الضرر بالمعارضة وبالحراك الشعبي وبقضية الديمقراطية.
إنّ حركتنا تسترشد في تعاملها مع القوى السياسية الأخرى بما سبق أن أقره مؤتمرها الأول بعد تحليله لتجربتي "الجبهة الوطنية لحماية الدستور" و"ائتلاف المعارضة"، من حيث تجنب إقامة تحالف أو جبهة ثابتة مع هذه القوى، والاكتفاء بالعمل المشترك في هذه القضية المعلنة أو ذلك المطلب المطروح، مع التأكيد على استقلاليتنا وخطنا السياسي.


وستواصل حركتنا دورها كجماعة سياسية معارضة ذات وجهة مدنية تقدمية وطنية ديمقراطية تربط بين النضال الوطني والنضال الاجتماعي والنضال الديمقراطي، وتتمسك بأساليب النضال الجماهيري، بما فيها النضال البرلماني، من خلال رفع مستوى الوعي السياسي للجماهير الشعبية وتعبئتها وتنظيم حركتها وتشكيل رأي عام شعبي ضاغط، وترفض حركتنا الغوغائية والمعارضة من أجل المعارضة، كما ستحرص على أن تركز معارضتها ضد النهج والسياسات وليس ضد الأشخاص.
وتنبه حركتنا إلى ما يجري طرحه من دعوات مندفعة بعد الحكم بالحبس في قضية دخول المجلس نحو تشكيل ما يسمى "معارضة الخارج" التي ستترتب عليها تعقيدات ليست بالهينة، على ضوء التجارب التي مرّت بها "معارضات الخارج" في عدد من البلدان، من حيث عدم جدواها، والانفصال عن الواقع في البلد، والارتهان لدولة الإقامة، والتعقيدات القانونية والأمنية والمصاعب الاجتماعية والنفسية لحياة المنفى.
*
لقد قطعت حركتنا بعد مؤتمرها الأول المنعقد في 29 يوليو 2016 العديد من الخطوات باتجاه العمل المؤسسي المنظم، وأصبحت اليوم جزءاً من الواقع السياسي بوصفها جماعة سياسية منظمة، ولا يمكن إلا لجاحد إنكار دورها الملحوظ في الحياة السياسية، وستواصل حركتنا أداءها لدورها الوظيفي في تمثيل مصالح الطبقة العاملة والفئات الشعبية، وذلك كله بالاستناد إلى منهجها العلمي وخطها السياسي النضالي.

تعليقات

اكتب تعليقك