لتكن هذه الفضيحة فرصة لمراجعة نظام التعليم.. يتحدث حامد الحمود عن الشهادات المزورة
زاوية الكتابكتب د.حامد الحمود يوليو 22, 2018, 11:03 م 3921 مشاهدات 0
القبس
كي لا تكون الشهادة مجرد تذكرة مرور
د. حامد الحمود
لم أصدق لأول وهلة ما حدث من تزوير للشهادات العلمية، وبالطريقة التي حدث فيها التزوير. فقد اعتدنا أن ينال البعض شهادات من جامعات غير معترف بها، أو أن تُقدم أبحاث لا قيمة لها. لكن أن يتم التزوير من خلال اختراق نظام المعلومات في وزارة التعليم العالي، فقد كان ذلك أمراً مستبعداً. فالجميع يدرك أن نظام المعلومات في التعليم العالي كان عادة خط الدفاع الرئيسي أمام المتلاعبين والمزورين. ففي الكويت عندما تقدم الشهادة من أي جامعة، ومهما بلغت سمعتها الراقية، فإنها لا تعني شيئاً، بل إن المعنى والثقل والشرعية لهذا الخطاب الصادر من التعليم العالي، موضحاً اسم الشخص، وشهادته والجامعة التي تخرج منها. لذا لا بد من الاعتراف أن هذا الاختراق لنظام المعلومات ناتج من عقل مدبر. ولكي أصدق خبر التزوير هذا، كان علي أن أنتظر لكي أسمع تصريحاً من د. صبيح المخيزيم، على محطة فضائية، مؤكداً حدوث هذا التزوير.
وأرى أن ما هو أهم من موضوع التحقيق في جريمة التزوير هذه، ثم كشف المزورين، هو أن يراجع المجتمع الكويتي نفسه شعبياً ورسمياً تقييمه للشهادة العلمية. فيبدو أن الشهادة العلمية تحولت إلى تذكرة سفر إلى الدرجة الرابعة أو إلى ترقية. فالشهادة لم تعد تعكس قدرات ومهارات ومعارف. فلا الدولة ولا المجتمع يطلبان ذلك. إنما ما يريد منك المجتمع هو هذه التذكرة لكي تكون حصتك أكبر في توزيع الثروة. ويرجع ذلك لأن معظم الوظائف التي يتقلدها الخريجون لا تتطلب مهارات ولا معارف. وفي كثير من الأحيان ــ إن لم يكن في أغلب الأحيان ــ فإن التوظيف لا يقابله عمل، بل يقابله راتب. كذلك عندما نقابل موظفاً في الدولة نجد صعوبة في تقييمه، إن كان خريج ثانوية أو معهد أو جامعة أو يحمل شهادة علمية، فهم متقاربون في تواضع مهاراتهم العلمية واللغوية والحسابية.
إن ما حصل من تزوير واختراق لنظام المعلومات في التعليم العالي، لا يدق جرس فضيحة كبرى فحسب، بل يكشف نظاماً سيئاً في التقييم للتوظيف والترقية. فماذا مثلاً لو اكتشفنا أن بعض المزورين لشهاداتهم يقومون بأعمالهم في المؤسسات والوزارات بنفس المستوى، أو ربما أعلى من الخريجين الحقيقيين. الذي يعني أن الخريج هو نفسه غير مؤهل أو أن شهادته لم تضف الكثير إلى قدراته ومهاراته. وأرجو ألا يفهم كلامي هذا بالدفاع عن المزوِّرين، وإنما أرجو أن يفهم كنقد لنظام التعيين والاختيار الذي يتبعه ديوان الخدمة المدنية منذ ستين سنة. وأرجو أن يفهم كذلك كنقد لنظام التعليم، الذي لا يضيف الكثير إلى معارف ومهارات وقدرات الخريجين.
والأهم من ذلك، فإن هذا التزوير يكشف ضعف نظام التعليم في الكويت، فعلى الرغم من آلاف الكويتيين المتخرجين في نظام المعلومات، مازلنا نجد أنه حتى في الوزارات مازالت الوظائف التي تتطلب صبراً أو دقة ومتابعة يشغلها غير كويتيين. وعلى الرغم من وجود عشرات الآلاف من الكويتيين، الذين يدرسون الحقوق ويتخرج منهم الآلاف سنوياً، مازالت شهادة المحاماة مجرد رخصة لخريج كويتي كي يفتح مكتب يشغله، ويقوم في معظم أعماله غير كويتيين. فما جدوى الشهادات إذا لم تحول حاملها إلى فرد متميز وأقدر في تطوير مهاراته ومعارفه وقدراته على تنفيذ الأعمال؟!
لذا فهناك حاجة إلى وقفة تأمل من المهتمين بالشأن العام، والشأن العلمي بالذات، إلى مراجعة تقييم الدولة والمجتمع إلى الشهادة. ولعله آن الوقت لكي يُحَدِّث ديوان الخدمة المدنية سياسته في توظيف الكويتيين. فلا بد من إضافة معايير أخرى لتقييم المتقدمين إلى العمل، إضافة إلى الشهادة. فهناك الكثير من الشباب الذين يحملون قدرات لا ينظر إليها، لأنهم لا يحملون شهادات.
لتكن هذه الفضيحة فرصة لمراجعة نظام التعليم، وفرصة لمراجعة قيمة الشهادة في المجتمع. فالشهادة لا تعني شيئاً إذا لم ترتبط بمهارات ومعارف وقدرات.
تعليقات