دراسة حول مدى جواز الوكالة في الترشح

محليات وبرلمان

يكتبها غازي عبيد العياش - استاذ القانون الدستوري - كلية الدراسات التجارية

1832 مشاهدات 0

غازي عبيد العياش

ساد في الآونة الأخيرة بالساحة السياسية والقانونية الحديث عن مدى قبول التوكيل في الترشيح. وقبل الإجابة على هذا السؤال يجب أن نوضح أمرين في غاية الأهمية:
الأول: أن قانون الانتخاب من القوانين الخاصة ذات طبيعة خاصة، فهو قانون أساسي أتى تطبيقا لرغبة المشرع الدستوري طبقا للمادة 80 من الدستور وبالتالي فإن موضوعاته من الموضوعات الدستورية وان لم ينص المشرع الدستوري على إجراءات معينة تختلف بها عن القوانين العادية في إصدارها أو تعديلها. فقانون الانتخاب قانون ذو نفس دستوري تماما كاللائحة الداخلية لمجلس الأمة.  ومن هنا فهو قانون خاص يطبق على العملية الانتخابية وينظم الإجراءات والشروط الواجب إتباعها للترشح والانتخاب, لذلك فمن الواجب  تطبيق نصوصه بمفهومها الشامل في أي مسألة لم تعالج بشكل صريح.
ثانيا: إن حق الترشيح هو حق سياسي له صفة الولاية العامة وبالتالي فهو  حق يختلف بطبيعته عن حق الانتخاب وان كان هناك تلازم في الشروط أو الإجراءات بينهما.
عودا على بدء, للإجابة على مدى صحة التوكيل في الترشيح، فإنه يستوجب عرض بعض نصوص الدستور وقانون الانتخاب:
أولا: الدستور:
تنص المادة 80 ( يتألف مجلس الأمة من خمسين عضوا ينتخبون بطرق الانتخاب العام السري المباشر)
وتنص المادة 82 ( يشترط في عضو مجلس الأمة: أ- أن تتوافر فيه شروط الناخب وفقا لقانون الانتخاب)
ثانيا: قانون الانتخاب:
المادة 4: ' على كل ناخب أن يتولى حقوقه الانتخابية بنفسه' 
المادة 21:' يجب على كل من يريد ترشيح نفسه'
والمادة 22:' لا يجوز أن يرشح أحدا نفسه في أكثر من دائرة'
والمادة 24:' لكل مرشح أن يتنازل عن الترشيح كتابة'
والواضح من نص المادة 80  أن المشرع منع الناخب من ممارسة حق الانتخاب بالوكالة وإنما تطلب أن يكون ذلك مباشرة من الناخب ذاته دون وساطة، إذن الانتخاب يتم على درجة واحدة , وعلة ذلك هو الوصول إلى إرادة الناخب الحقيقية مباشرة، وحفاظا على هذا الحق المهم في النظم البرلمانية الحديثة، وتأكيدا لذلك فقد نص قانون الانتخاب في مادته الرابعة على ذلك تأكيدا على إرادة المشرع الدستوري. أما بالنسبة للمرشح فأنه وطبقا لنص المادة 82 من الدستور تطلب المشرع الدستوري أن يتوافر في عضو مجلس الأمة شروط الناخب وفقا لقانون الانتخاب. وبالنظر إلى نصوص قانون الانتخاب نظرة شمولية معمقة ومترابطة دون الاستناد على نص وإغفال آخر، يتبين لنا أن المشرع استخدم وخاصة بالنصوص المذكورة أعلاه ( 21, 22, 24), دم لفظ 'نفسه' بجانب لفظ 'المرشح'  أكثر من مرة،  وهو ما يؤكد  بأن ما كان في ذهن المشرع وقتذاك، هو أن يقوم المشرح بنفسه بالقيام بإجراءات الترشيح دون وساطة أو وكالة، أي الحضور الشخصي، وذلك ترسيخا للأصول البرلمانية في الوصول إلى إرادة المرشح دون أي شائبة قد تخل في العملية الانتخابية من بعد، وهو ما نرجحه ولا يمكن دحضه إلا بنص صريح برأينا.
فلو نظرنا على سبيل المثال لنص المادة 24 من قانون الانتخاب ' لكل مرشح أن يتنازل عن الترشيح كتابة' يبدو لنا جليا أن شرط التنازل هنا هو الكتابة المستندة على قناعة المشرع الشخصية ذلك إن الترشيح كان على أساس حضور المرشح بنفسه وإملاء الطلب، ومن ثم فلا يكون التنازل إلا بذات الأسلوب أي الحضور وإملاء الاستمارة.
على أنه يجب التأكيد على حقيقة دستورية ومبدأ راسخ لا يجوز إغفاله هو أنه لا يجوز حرمان أي مواطن تنطبق عليه الشروط من ترشيح نفسه للانتخابات العامة، حتى لو كان معتقلا على ذمة قضية مادام لم يصدر حكم نهائي فيها  بعقوبة جناية أو جريمة تخل بالشرف والأمانة، وبالتالي فإنه يجب على سلطة التحقيق أو المحكمة على حسب الأحوال تمكين المتهم من ممارسة حقه في الترشيح، ولو تطلب الأمر الذهاب به إلى إدارة الانتخابات مع قوة من الشرطة.
أضف لذلك أن تمكين المتهم من القيام بإجراءات الترشح لا يختلف عن تمكينه من إجراء توكيل، فكلاهما يتطلبان انتقال المتهم من محبسه، وبالتالي فإنه من باب الأولى الذهاب به إلى إدارة الانتخابات وهي الأصل بدلا من إدارة التوكيلات .
نخلص من ذلك، بحسب اجتهاداتنا، والتي لا تقلل من وجاهة الآراء الأخرى, بأنه إذا ما كان التوكيل لا يجوز في الانتخاب، فإنه ومن باب أولى لا يجوز في الترشح الذي باعتقادي لا يقل خطورة عن حق الانتخاب، إن لم يكن أشد خطورة منه.

الآن - المحرر المحلي

تعليقات

اكتب تعليقك