مسلسلات لا تشبهنا - يكتب د.محمد الرميحي
زاوية الكتابكتب يونيو 2, 2018, 5:47 م 1017 مشاهدات 0
رمضان له طقوسه الروحية والترفيهية، ومنها بالطبع مسلسل اللقاءات التليفزيونية التى تسمى عادة المسلسلات العربية، بعد أيام من بدء الشهر الفضيل، ظهر على وسائل التواصل الاجتماعى تنويهات من أشخاص ربما من دول الخليج تقول (المسلسلات الخليجية لا تمثلني)! وتبع تلك الإشارة تعليقات سلبية واسعة أخرى نابعة من متابعة الجمهور للمعروض من المسلسلات الخليجية والعربية على حد السواء، وقد عدد الجمهور الكثير من الأخطاء الفنية التى وقعت فيها بعض تلك المسلسلات، من استخدام أدوات وملابس فى المشاهد هى من عصر آخر غير العصر المفروض أن تجرى فيه أحداث المسلسل، الى التزيُن المبالغ فيه لبعض ممثلات وممثلى تلك المسلسلات، كل ذلك ممكن الحدوث، إلا أن الملاحظة الثقافية الأهم أنه لا توجد بوصلة واضحة لتلك المسلسلات فى الغالب تشير الى الهدف الأكثر منفعة للجمهور، وهى الإمتاع والإرشاد، فهى لا تمثل كثيرا الواقع الذى يعيشه الناس أو المأمول أن يعيشوه، أو تنقد الواقع انتقالا الى الأفضل، انتفت فى هذا الموسم الاعمال التى يمكن أن توصف بأنها تقدم رسالة نافعة وباقية الى الجمهور، هل هذا هو خطأ الكتاب والمنتجين، أم انهم يعتقدون أن ما يرغب الجمهور فى مشاهدته، هو هذا الكم من العنف المتعدد الدرجات، من العنف ضد النساء الى العنف ضد الآخر، وهذا الكم من تدخين السجاير، وهذا الكم من الألفاظ الجارحة ذات القبح البين، التى فى بعضها يخدش الحياء العام.
خطورة كل ذلك أن الجيل الأصغر قد يعتقد أن تلك المشاهد هى ما يجب أن يتبع فى الحياة، لتك الأسباب وغيرها نجد فى هذا الموسم كمية هائلة من النقد على ما يعرض، الذى بعضه يصل الى النقد الشخصى لأبطال بعض المسلسلات من حيث شكلهم أو أسلوب حديثهم. يمكن أن يقال إن هذا الفن له شروطه التى تخفى على الجمهور العام، ولكن من الواضح أن الجمهور دون ترتيب سابق، بدأ يقول رأيه السلبى فى معظم الأعمال، التى لم يعط النص الاهتمام الجدى بتعابيره وكلماته، أو أن النص (طبخ) بسرعة، على أساس أن الجمهور يحتاج الى تسلية سريعة.
بين العنف والمكائد، وبين إعلانات الاستعطاف للتبرع ، يمكن قراءة واقع اجتماعى عربى مأزوم، فمشكلات العرب المتفاقمة وأزماتهم العميقة وواقعهم الاقتصادى الذى يسير الى تراجع فى معظم بلاد العرب، لم تنتبه اليه الدارما العربية، إنما أغراق الجمهور فى كم من الفانتازيا فهو السائد .. بعض المسلسلات حتى لم يبذل كتابها الكثير من الجهد فى النقل من الروايات الغربية الناجحة، فجاءت الصورة مسخا غير عقلانى لتسلسل الأحداث. المشكلة التى تواجه المتابع أن لدينا فى الفضاء العربى الفنى قامات شامخة فى التمثيل وربما فى الإخراج وبقية الفنون النابعة من أعمال الدراما، ولكن فى نفس الوقت لدينا فقر شديد فى النصوص، وربما اكثر فقرا فى الاختيار، الذى يقوم به المنتجون! فتضيع جهود تلك القامات الفنية، التى يمكن إن أحسن اختيار النصوص لها أن تقدم أعمالا ليست محلية ولكن عالمية مؤثرة. فى الفضاء العالمي، ما بقى من أفلام وأعمال درامية، هى تلك التى عالجت قضايا إنسانية بعمق، وكانت تحمل رسالة فنية أو إنسانية، مثل تلك الأعمال تظل على مسيرة الزمن باقية ومؤثرة فى النفوس ، ولنا فى الافلام العربية وغير العربية التى حازت تقديرا كبيرا فى مهرجانات متخصصة مثال واضح لما يتطلبه العمل الدارمى الذى يبقى فى ذهن الجمهور، ويؤثر فى الرأى والذائقة العامة.
أصبحت الأعمال الدرامية اليوم هى السلاح الناعم للمجتمعات والدول، وليس اكثر من العرب احتياجا لتوظيف هذا السلاح الناعم من أجل توصيل رسالة حضارية وفنية للعالم، الذى يقبل بشكل واسع صورة العرب المشوهة فى الاعلام ككل، وفى الدارما بشكل أخص. مرة أخرى نعود الى مشكلة النصوص واختيارها . لو قدرنا أن مجموعة من الباحثين فى دراسات المجتمع والسياسة، بعد قرن من الزمان، أرادت ان تعرف كيف كانت صورة المجتمعات العربية فى بداية القرن الحادى والعشرين، فقط من خلال اتاحة دارسة تلك المسلسلات العربية، فى افكارها ونصوصها المختلفة، لظهرت نتائج البحوث بصور اجتماعية واقتصادية عن حالنا لا تشبهنا من قريب أو بعيد ،ولا تشبه عصرنا ،وقد يصل الباحثون الى نتائج أن تلك المجتمعات لم يكن لها ما يشغلها غير السب والشتم او الخداع والمحاكم والسجون وفك شفرة الجرائم الغامضة ، أين قضايا المجتمع العربى من كل ذلك، وما يعانيه فى معيشته وفى عيشه السياسى والاقتصادي! موسم رمضان الدرامى يجب ان يؤخذ بالجدية التى يستحقها، وهنا لا بد من أن تتدخل أجهزة الدولة للتوجيه والمساعدة والتشجيع، لاستخدام فرصة الموسم لإشاعة وعى مختلف عما تنشره بعض تلك المسلسلات التى تبحث عن الربح قبل خدمة الجمهور وتوعيته.
تعليقات