دبلوماسية مقاطعة القمم حيث مصنع الشعارات

عربي و دولي

بدأت العراق المقاطعة عام 45، فهل تقاطع الجامعة العربية القمم يوما؟

1099 مشاهدات 0

قمة الخرطوم 1967


تعتبر دبلوماسية مقاطعة القمم التي تعقدها الجامعة العربية منذ إنشائها 1945م ممارسة عربية أصيله ،ففي أكتوبر 1945م وبأسلوب ملكي مترف دعا الملك فاروق كل الزعماء العرب ، لأول قمة عربية على متن يخته المحروسة في البحر الأحمر، ولم يكن الزعماء في حينه إلا سبعة من الأردن والعراق والسعودية واليمن ولبنان وسورية، وهي الدول المؤسسة للجامعة العربية.    في ذلك الزمن المبكر من التعاون العربي  حاز الوصي على عرش العراق الأمير عبد الإله على قصب السبق في نيل شرف أول من قاطع قمة عربية، لكن ذلك تم بأسلوب يليق بوصي على عرش ملكيRegent  حيث طلب تأجيل القمة بلباقة ملكية . وتكررت الدعوة لعقد القمة عربية في يناير عام 1946م لكن الرئيس اللبناني الشيخ بشارة خليل الخوري فعل مثل عبد الإله.  بيد أن الملك فاروق  كان مصرا على عقدها حتى انه من شدة سعادته كتب بيانها الأول بماء الذهب عندما عقدت في صيف العام نفسه.

دبلوماسية الملوك والعسكر والأدب الجم

لكي تكون قراءة دبلوماسية مقاطعة القمم منصفة، لابد أن تكون قرائتها مربوطة بسياقها التاريخي. فقد رحلت دبلوماسية الملوك،ثم انحسر مد ثورات الضباط  وتطرفهم  وتصرفهم الخشن المتمرد على  اتيكيت القصور و رحلت معهم دبلوماسية التأميم وطرد الاستعمار وأذنابه. وظهرت منظمات إقليمية عربية عدة كان لها دبلوماسية الصمود والتصدي،والمواجهة والتحدي، كما ظهر مجلس التعاون  لدول الخليج العربية وعرفنا من خلاله دبلوماسية الأدب الجم كما سماها السفير عبدا لله بشارة ، والتي ابتليت رغم هيبتها ووقارها بداء ترحيل البنود من قمة إلى قمة.
 لقد اعتقدنا لوهلة أن السياسة العربية ستسلك الطريق الذي تسير عليه دول العالم في تعاملها مع القضايا المصيرية بعيدا عن الاجتهادات وردود الأفعال كما تقول بذلك مبادئ السياسة Politics 101 ، لكن أول ما يصدم المراقب هو العقلية العشائرية التي  عادت بقوة لتدير الحياة السياسة العربية برمتها ، ابتداء من توارث المناصب ،إلى الإحساس المفرط بالسيادة والحساسية تجاه كل إشارة تبثها وسائل الإعلام، والمثالية في تطبيق مبدأ الكرامة تجاه حضور أو عدم حضور الزعماء للقمم، والمعاملة بالمثل بعد التجرد من البراغماتية التي تحكم علاقات الدول.

في مرحلة الإعداد  للقمة العربية  وطوال الستين عاما الماضية، ومن خلال تتبع أكثر من 40 قمة عربية، لم تخل قممنا العتيدة من طباعنا العشائرية في رد الاعتبار، فقبل عقد كل قمة  يصبح حضور أو عدم حضور الزعيم هو محور الاهتمام أكثر من أجندة القمة نفسها، حتى  أصبح  حضور ما يكفي من الزعماء أو حضور زعماء بعينهم انجاز في حد ذاته . كما يسبق القمم العربية الكثير من التردد حيال الموافقة على عقدها أو عدم جدواها، و يرافق مرحلة الإعداد أيضا دعوات شعبية تطالب بمنع حضور الزعيم الفلاني للقمة، وإن كان ذلك شأن كويتي خاص لارتفاع سقف الحرية التي ننعم بها ولوجود من أسميناهم في دبلوماسيتنا الشعبية  بـ' دول الضد '. ويرافق هذه المرحلة أيضا  تصريحات بعدم حضور الاجتماع التشاوري بشأن طلب عقد القمة، أو بتصريح أن البلد الفلاني  لم يدع إلى القمة. ولعل أسوأ القمم حظا  في هذا السياق هي القمم الطارئة ، التي لم  يحدث أن اتفق العرب بالإجماع  على ضرورة عقد أي منها .

قمة 1945

في اليوم الأول للقمة

 في يوم القمة العربية الأول تتصدر وسائل الإعلام في العادة أخبار عن زعيم آثر عدم حضور القمة، وتصريح لآخر أكد أنه سيقدم للقمة كلمة مكتوبة يلقيها نيابة عنه وزير خارجيته ، وهنا يجب التمييز بين تخفيض مستوى التمثيل وعدم الحضور كليا. كما يظهر في اليوم الأول أيضا خبر عن افتتاح أعمال القمة في غياب نصف القادة أو معظمهم، أو بمن حضر كما جرى في قمة الدوحة المصغرة في فبراير2009م. كما نرى أيضا تبريرات للمقاطعة، منها العذر النبيل القائل  بأن  القمة  ستفتح سجالا بين الفرقاء يصعب احتواءه . كما يعتذر آخرون عن حضور  القمة بسبب خلافات في الساحة العربية. وقد يتحجج آخرون بعدم اكتمال النصاب حسب أنظمة الجامعة العربية مما حال دون تشجيعه لحضور القمة ،وينفي زعيم آخر  بحنكة دبلوماسية ما تردد من أن غيابه عن حضور القمة له علاقة بخلافاته مع زعيم الدولة المضيفة ، أو دولة أخرى في القمة. وفي اليوم الأول أيضا، نجد نسخة من البيان الختامي ملقاة على طاولة في المركز الإعلامي قبل أن تنتهي جلسات المؤتمر ، ونقرأ فيه ترحيل بنود عدة  إلى القمة المقبلة رغم أنها كانت مرحلة من القمة الماضية ، ولا يكون البيان الختامي  وفيا لتقاليد بيانات القمم العربية، ما لم يتضمن فقرة عن تحرير فلسطين  .
  القمم العربية مصنع  ثقافة الشعارات، و يقودنا التتبع التاريخي في هذا المنحى  إلى أن  قمة الخرطوم في أغسطس 1967م، كانت  قمة حاسمة ،وبلغة القرن الحادي والعشرون نكتشف أن شركة العلاقات العامة التي صممت شعارها LOGO 'لا صلح، لا تفاوض ولا اعتراف' قد نجحت في إدخالها في  أدبيات القمم العربية أكثر من انجازات القمة نفسها ، ومثلها  قمة الرباط نوفمبر1974م التي أصبحت فيها منظمة التحرير ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني، ولم يتغير حال أهلنا هناك كثيرا من جراء هذا التمثيل بدل المملكة الأردنية الهاشمية .وفي الجانب المظلم من القمر نتذكر قمة بغداد التي أقرت مقاطعة مصر بعد كامب ديفيد، كما أقرت نقل الجامعة إلى تونس،ولا ننسى قمة  القاهرة الطارئة عام 1990م والتي أقرت عربيا شرعية طرد القوات العراقية المحتلة من دولة الكويت. ثم قمة تونس 2004م وعناوينها الإصلاحية وقضية الانخراط في عملية السلام وخلافات العرب الكبرى فيها .كما تعتبر قمة الكويت الاقتصادية 2009م من أهم القمم التي نجحت في وضع خارطة طريق للمصالحة العربية بعد جفوة استمرت لسنوات .


حزمة المشوقات في القمة

لرجل الشارع العربي مقاييس تختلف عن رجل الإعلام و رجل السياسة حيال نجاح أو فشل القمم العربية ،فزاد رجل الإعلام هو التراشق اللغوي بين الوفود المشاركة، في جدل يتلهف رجل الشارع لسماعه أكثر من لهفته على البيان الختامي للقمة الذي هو في يد  السياسيين منذ الساعات الأولى للقمة . فمن  مشوقات القمم العربية خبر خروج الزعيم العربي الفلاني من القمة غاضبا، أو استضافة القمة لزعماء مثيرين للجدل مثل الرئيس الفنزويلي  هوغو شافيز أو الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد، وما يرافق ذلك من مقابلات على الفضائيات لرجال لا يعرفون معنى الأناقة في الملبس أو المفردات  بحكم عضويتهم لمراكز الدراسات و الأبحاث الإستراتيجية الجادة والوقورة .  وبعد زوال أزلام البعث العراقي من أروقة جامعة الدول العربية ومؤتمراتها بخطبهم الوقحة ومداخلاتهم الفضة لم يبق لنا  إلا سيد المتعة في مؤتمرات القمة العربية سيادة العقيد معمر القذافي الذي من حقه أن ينازع  الوصي على عرش العراق الأمير عبد الإله على قصب السبق في نيل شرف أكثر الزعماء تخريبا للقمم العربية .

في 30 مارس2009م استضافت دولة قطر القمة العربية العادية الحادية والعشرين، التي عقدت في ظل قمة الرياض التي جرت في11 مارس 2009م  بين زعماء الكويت ومصر وسوريا والسعودية كخطوة على طريق إنهاء الانقسام العربي. لقد أعلنت قطر قبل القمة بيومين أنها ستشارك فيها.لكن الأمور أخذت منحى آخر عندما تراجعت قطر وأعلنت أنها لن تشارك في القمة المصغرة بسبب ما وصفتها  بتحفظات مصرية على حضورها.مما  جعلنا نعتقد بصعوبة حضور مصر لقمة الدوحة القادمة. يضاف إلى هذا السبب ، الدعوة القطرية قبل القمة لرئيس  جمهورية إيران الإسلامية محمود أحمدي نجاد للقمة. كما ترددت أنباء عن نقل وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل لتذمر أردني شديد من الدوحة على خلفية ما تبثه قناة الجزيرة من مساس بالأسرة الهاشمية، كما كان في الأفق مقاطعة فلسطينية سببها يتعلق بمن سيمثل فلسطين في هذه القمة.

بشرتنا قمة الدوحة قبل عقدها بحزمة من المشوقات تفوق ما سبقتها من القمم، في مجال  ظهور أشكال جديدة من دبلوماسية مقاطعة القمة العربية . فقد ورد في الأنباء أن هيئة علماء السودان قد  أصدرت فتوى شرعية تقضي بعدم جواز سفر الرئيس عمر حسن البشير إلى خارج البلاد في ظل الظروف الحالية، خاصة بعد صدور مذكرة اعتقاله من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في دارفور. وقد قالت هيئة علماء السودان إنها ترى أن الدواعي قد تضافرت على عدم جواز سفر البشير لحضور قمة الدوحة المقررة نهاية الشهر الجاري، طالما أن هناك أحدا سواه يمكن أن يقوم بتلك المهمة. وأشارت فتوى هيئة علماء السودان إلى أن تعرض الرئيس البشير لخطر أمر محتمل هو تعريض للأمة كلها للخطر. وقد قال مراقبون عدة إن الفتوى قد تتيح للبشير مخرجا للتهرب من الرحلة المحفوفة بالمخاطر. وهنا نتساءل، ليس عن حقيقة تعرض الأمة للخطر، ولكن عن الجرأة في الاستظلال بالمظلة الشرعية ، في الوقت الذي يعلم فيه الجميع أن دولة قطر الشقيقة ليست عضوا في المحكمة الجنائية الدولية، وعليه فليس عليها التزام قضائي باعتقال البشير إذا دخل أراضيها. لكن البشير خرج من مظلة الفتوى وحضر.

الجامعة العربية تقاطع  القمة العربية 

حين قرأنا البيان الذي أصدرته الجامعة العربية بمناسبة مرور 64 عاماً على قيامها، وفيه حذرت على لسان أمينها العام 'الجسور' عن وجود قوى دولية وإقليمية وعربية تسعى إلى تهميش دورها والتقليل من فاعليتها. قلنا إن الإثارة ستبلغ ذروتها في مجال دبلوماسية مقاطعة القمم.
فإذا كان للزعماء العرب مسوغاتهم الخاصة لمقاطعة القمة العربية فسيكون من المثير جدا لو سار الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى على نفس النهج ، فماذا يمنعه من أن تعلن 'الجامعة العربية 'عن مقاطعتها' للقمة العربية في الدوحة ' !!  فليس  أرخبيل جمهورية جزر القمر الاتحادية الإسلامية هو المقصود  في تهمة تهميش دور الجامعة والتقليل من فاعليتها ،هذا أولا، أما ثاني المسوغات فيسنده 64 عاما من العمر  وهي بذلك  من اكبر الكيانات العربية  سنا واستقلالا، ولا يبزها في ذلك إلا سبع دول عربية فقط .أما ثالث الأسباب فقناعات عمرو موسى نفسه الذي يرى أن القمم العربية هي للمصافحات الإعلامية وليس للمصالحات الحقة ، حيث قال في دمشق في 15 مارس الجاري إن المصالحة العربية يجب ألا تكون مجرد مصافحة.


لقد قيل 'إنما الأمور بخواتيمها '، وفي هذا السياق يكشف التتبع التاريخي  لمؤتمرات القمة محدودية مفردات الدبلوماسية العربية،عند كتابة البيان الختامي  والتوصيات الخاصة،حيث بقي مستشارو الجامعة العربية يستخدمون نفس المفردات التي كتبوا بها بروتوكول الإسكندرية في سبتمبر 1944م ، حيث سمعنا في قمة الدوحة  نفس صيغ  مفرداتهم التي رفعوها لرئيس اللجنة التحضيرية ' حضرة صاحب المقام الرفيع مصطفى النحاس باشا وحضرة صاحب الدولة جميل مردم بك وزير الخارجية  السورية' مبينين لهم ان عمل الجامعة هو ' إلى ما فيه خير البلاد العربية قاطبة وصلاح أحوالها'، أو بالصيغة الجديدة بعد كثرة الخلافات العربية العربية وهي 'التوصل إلى مصالحة حقيقية تتجاوز الخلافات بين العرب، وتوحد كلمتهم ومواقفهم كي يتحدثوا جميعا بصوت واحد ومواقف مشتركة دفاعا عن قضايا أمتهم ومصالح شعوبهم'.
إن ما سبق ليس تأسيس لشيء جديد بل توصيفا لما هو قائم، ففي وثائق الجامعة العربية نقرأ 'بحلول نهاية الألفية أتمت الجامعة العربية خمسة وخمسين عاماً على نشأتها التى تؤرخ لنشأة النظام الإقليمي العربي وتطبعه بالسمة المتفردة التي ميزته ثم لازمته' ونجزم انه لا يقصد في النص بكلمات ' ميزته ثم لازمته ' إلا دبلوماسية مقاطعة القمم.

 

د.ظافر محمد العجمي – المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج

تعليقات

اكتب تعليقك