عدم الاستهانة بالناس وقدراتهم.. بقلم محمد المقاطع
زاوية الكتابكتب إبريل 2, 2018, 11:46 م 675 مشاهدات 0
القبس
الديوانية- عدم الاستهانة بالناس وقدراتهم
د.محمد المقاطع
إن تقدير الناس واحترامهم وإنزالهم منازلهم هي إحدى الخصال الأخلاقية الحميدة التي بها ومن خلالها تتحدد مكانة الإنسان ورفيع خلقه وحسن تربيته، فكلما كان الشخص متواضعا تلقائيا أريحيا ينظر لكل الناس باحترام لأشخاصهم وآرائهم ومعتقداتهم وإمكاناتهم، أدركنا أننا أمام حصيف حكيم قادر على استيعاب الآخرين بل جدير بودهم وحبهم. وكلما كان الشخص فظا متعاليا مستهترا بالآخرين ومقللاً من شأنهم وإمكاناتهم كنّا أمام أرعن متهور خاوي الأخلاق وقصير نظر، لا يلقَ احتراما من الناس ولا يكنون له اعتبارا وإن اضطرتهم الظروف للتعامل معه فيكون بحذر وحيطة، بل حتى من يتملق له من الناس فإن ذلك مصحوب مع كره شديد له، فلا المنصب ولا الجاه ولا الوجاهة تكسب الإنسان ود الناس وحبهم، بل حسن التعامل معهم وتقدير منزلة كل منهم.
فرب صغير بالسن أو فقير أو قليل تعليم أو ضعيف حيلة أو صادق نية أو طيب قلب أو ضعيف حال أو مكانة لكن كلاً له شخصه وقدراته وكرامته وأمور يبدع فيها ويحسن العطاء في ما يؤديه ويُسند إليه، ولذلك فإن كل شخص مهما قلت مكانته أو بلغ ضعفه أو تواضع علمه أو كانت منزلة وظيفته أو صغر سنه، هو إنسان كرمه الله سبحانه وتعالى خلقا وآدمية «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً»، يستحق كل احترام وتقدير لا يُقلل شأنه ولا يُسفه رأيه ولا تُزدرى منزلته ولا يُستهان أبدا بكرامته وشخصه وإمكاناته، فكلما كان المجتمع وأهله مستوعبين لهذه الحقيقة ومدركين لأبعادها كنّا أمام مجتمع متحضر وراقٍ مسلك الناس فيه التعايش والاحترام والتقدير المتبادل، بل نكون أمام مجتمع سمته التقدم وتكامل الطاقات قوامه العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، فيه عطاء متجدد لأنه يقدر الإنسان ومكانته وعقله حواسه، شفافيته وعلانيته ركيزة لتقدير الناس وإنزالهم منازلهم، أبعد ما يكون عن الحسد والتآمر والتنافر، بل يتداعى أبناؤه في مساندة بعضهم لبعض بهوية واثقة بتميزها تتعايش مع الآخرين بتنوعاتهم.
إن المجتمع الكويتي ينتمي إلى هذا النوع من المجتمعات، بل إن سِيَر أجداده وآبائه تزخر بالعديد من الحكايات والروايات التي تؤكد تميزه بهذه السمات، وهو ما اشتهر عن أهله وأكسبهم مكانتهم. إلا أن رياح التغيير التي هبت على الكويت في العقدين أو الثلاثة الماضية أوجدت خللا بتلك السمات وبنية المجتمع وشهدت أنماطا من السلوكيات والممارسات الدخيلة حتى من بعض أهله الأوائل وهي قد أفرزت شخصيات ومجاميع تتصدر المجتمع وهي مغرقة في التعالي والاستهتار بالآخرين بل وتعمل على تهميش إرادة الناس وخياراتهم وإمكاناتهم وتستصغر شأنهم بل وتنال من احترامهم وتقديرهم الذي لا يجوز التهاون به وتستخف بعقولهم وتفكيرهم باستمراء الكذب والدسائس، بل وتردد في مجالسها ومنتدياتها مقولة ممجوجة «من هم أهل الكويت الذين تتكلم عنهم؟ لا تبالي!» وهذه النوعية من الناس لا شك أن تفكيرها وتصرفاتها هي التي رسمت مسار نهايتها الوشيكة فهي قد عزلت نفسها عن الناس ومآلها العزل من قبلهم، فلا يصح إلا الصحيح.
تعليقات