الجهاز الاداري للدولة «متربي» على الفساد.. كما يرى عبد اللطيف الدعيج

القبس

كلكم فاسدون

عبد اللطيف الدعيج

 

الشعب الكويتي كله ضد الفساد، والكل متحمّس لقطع دابره، لكن يوما عن يوم الفساد يستشري ويتزايد بنفس تزايد المكافحين والحريصين على محاربته. والسبب بسيط وواضح، وهو ان كل الذين يحاربون الفساد هم ابطاله وصناعه.

لا ينتفخ او يتورّم احد، انا لما اقول الكل يعني الاغلبية، او اغلبية الاغلبية. طبعا هناك كويتي واحد او اثنان وربما ثلاثة امناء ونزيهون وبعيدون عن الفساد، لكن يبقى ان الكل فاسد والكل يشارك، وهذا سبب استشراء الفساد وصعوبة مكافحته.

دعونا نعرف الفساد، لان الشعب الكويتي، والمتحمسون منهم لمحاربة الفساد، ليست لديهم معرفة حقيقية وفهم صحيح للفساد. فالفساد مع الأسف معشش بينهم من دون ان يدركوا ذلك. فالكويتي المتحمس يخلط بين السرقة او التبذير وبين الفساد.

الفساد ليس سرقة، وليس اعتداء على المال العام. ولكنه تعدّ على القوانين وانتهاك للوائح والقرارات بغية تحقيق مصلحة مادية او حتى معنوية. الفساد ليس سرقة المناقصات كما يتصور اغلب الشعب الكويتي، والمفسدون ليسوا التجار كما يحلو للبعض أن يروج او ان يتهم. قد يكون التجار، او بالاحرى بعضهم حرامية ومختلسين، لكنهم ليسوا فاسدين. الفاسد ببساطة هنا هو من يسهل لهؤلاء السراق سرقتهم.

عليه يصبح الفساد هو انتهاك وتخطي القوانين واستخدام النفوذ السياسي او الاداري لتحقيق مصلحة ذاتية مباشرة او حتى غير مباشرة.. للشخص الفاسد او لمن «يعز» عليه. السرقة والاختلاس هي ما هي.. ولكنها ليست الفساد، بل هي في الغالب احدى نتائجه.

كل الكويتيين فاسدون، لان الكل يتوسط او يوسط او ينفذ الواسطة لقريب او صديق. رئيس مجلس الوزراء مستاء لاستشراء الفساد. يعني الرئيس ما مر على بيوت السكن التي تنافس عمارات حولي بارتفاعها الى اربعة طوابق او خمسة. انا أراهن ان السيد الرئيس دخل مثل هذه المساكن المخالفة، اما معزيا في متوفى وإما مباركا لعريس. يعني تحت انفه وانف كل الكويتيين المخالفات والتجاوزات، ولكن لا احد يبلغ او حتى يعترض، لانه اما سبق المخالف او انه ينتظر كي تصبح المخالفة حقيقة كي يتولى نسخها وتقليدها.

الفساد هو فساد الجهاز الاداري للدولة. هذا الجهاز «متربي» على الفساد. فتعييناته بالواسطة وترقياته بالمعرفة وتجاوز اخطائه بالميانة. ويبقى المضحك المحزن اننا نشكل لجانا من رحم هذا الجهاز الفاسد لمعالجة الفساد.